حاجتنا إلى الأخوة

الشيخ عبدالعزيز رجب

clip_image00162527.jpg

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن واقتدى بهم إلى يوم الدين .

لا يخفى على أحد ما وصل إليه المسلمون  في عصرنا الحالي من ضعف وتفرق وهوان ، وانشغال كل واحد منهم بنفسه ، ونسى إخوانه المسلمين  في شتى بقاع الأرض، وأصبح منفصلا عما يحدث لهم ،وكأنه يعيش في كوكب آخر ،بل وصل الأمر ببعضهم أن  يكون  جاره في المسكن  أو زميله في العمل في أزمة أو مشكلة ، ولا يعرف عنه شيئا ،أو يقدم له معونة، ونحن  نريد أن نعيد الأخوة الإسلامية من جديد ، لنعيد مجدنا ، ونبنى بلادنا ، ونحرر أرضنا ، ونفوز برضى ربنا ، ويدخلنا الجنة التي عرفها لنا. ونكون كما قال الشاعر:

أخي في الهند أو في المغرب        أنت منى أنا منك أنت بي

والأخوة في الإسلام رباط إيماني قوى يقوم على منهج الله، وينبثق من التقوى ،ويرتكز على الاعتصام بحبل الله وطريق النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد أمرنا الله بها فقال:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }(آل عمران:103) ،وربطها بالإيمان ،فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }(الحجرات:10)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ". أخرجه :مسلم

وهي من ركائز بناء الدولة الإسلامية، لذلك أول  ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم - مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار ،وكان أحدهم يعرض على أخيه نصف ماله وإحدى زوجتيه فيأبى ويقول بارك الله لك في مالك وأهلك كما حدث بين سعد بن الربيع ،وعبدالرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين.

وبالأخوة تتحقق القوة للمسلمين: يقول الإمام الشهيد حسن البنا :" تحابوا فيما بينكم واحرصوا كل الحرص على رابطكم، فهي سر قوتكم "(الرسائل-بين أمس واليوم:111)

والأخوة تعطى قدرة على  التغلب على المادة: وسيادتها في العلاقات الإنسانية ،الأمر الذى يتطلب أن تجود معه روح الأخوة في الله ، فهي الوقود الدافع لسفينة العمل الإسلامي ،وهو حائط الصد الأول أمام التحديات التي تواجهها.

وبالأخوة يفرج الله كربك وستر عليك: كما جاء عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" أخرجه: البخاري ومسلم

وخير مكاسب الدنيا الأخوة الصادقة، لأنه يعينك على كل شيء ،مثل اليدين تغسل أحداهما الأخرى ،ولن تستطيع يد أن تصفق منفردة، والإنسان إذا أصابه جرح قال :أخ ،وقديما قالوا:                       لا بد من أخ لك                  يواسيك أو يعطيك أو يتوجع.

وبالأخوة تذوق حلاوة الإيمان ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ،أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار"  .رواه البخاري ومسلم.

وبالأخوة نستظل تحت عرش الرحمن:  كما جاء عن أبى مالك الأشعري - رضى الله عنه -أن رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - قال :"إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ،يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانتهم من الله ـ قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم ؟قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور ،لا يخافون إذا خاف الناس ،ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ{َلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}(يونس:62): أخرجه :أحمد

وبالأخوة ننال المحبة الإلهية، كما  جاء عن رب العزة في حديثه القدسي :"وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ ". أخرجه: مالك

متطلبات الأخوة:

لكن الأخوة ليست شعارا يرفع ،ولا كلمات تردد، ولكنها عمل وفعل وتطبيق ،وهى نظام حياة وتعاون وتكامل وتكافل، وهى منحة من الله لا يعطيها إلا المخلصين من عباده والأصفياء والأتقياء من أوليائه وجنده وحزبه، ولها متطلبات  كما قال الشاعر عن الأخوة الحقيقية:

إن أخاك الحق من كان معك          ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك         شتت فيك شمله ليجمعك

 وجاء فيها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ" أخرجه البخاري ومسلم.

ومن هذه المتطلبات:

1- سلامة الصدر، ومعناها: أن نقبل كل ما يبدر من الآخرين دون حقد أو ضغينة أو سوء نية، ونحمل تصرفاتهم على معانيها الحسنة.

كما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه-  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" الشيخان

2- معرفة الفضل لأهله كما قال تعالى  :"وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  " .(البقرة:237)

3- المصارحة والمكاشفة: فقد روى عن أَبُى الْهَيْثَمِ بن التَّيْهَانِ - رضى الله عن َ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ حِبَالا، وَإِنَّا لَقَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “بَلِ الدَّمُ الدَّمُ، وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ، وَأُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ" .أخرجه: الطبراني

4- تخبره بأنك تحبه في الله،  كما جاء عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه-  قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَعِنْدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ أَوْ قَالَ أُحِبُّكَ لِلَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ" رواه أحمد

5- قضاء حاجته: كما  عن عبد الله بن عباس - رضى الله عنهما - قال: قال - صلى الله عليه وسلم- :: و لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ، ( يعني مسجد المدينة ) شهرا "أخرجه: الطبراني

6- التسامح والتراحم :كما قال تعالى:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159)

وعَنْ جُودَانَ  رضى الله عنه قَال:َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ " ابن ماجة

7- النصيحة بالحسنى: كما قال تعالى: “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)".

8- المجاملة والهدية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" تهادوا تحابوا". أخرجه: مسلم

9-الدعاء له: فعن أبى الدرداء- رضى الله عنه -قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول : " إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ، و لك بمثل " . أخرجه مسلم

10- الزيارة، كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ" أخرجه :مسلم

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

وسوم: العدد 625