آية من سورة النحل

الشيخ حسن عبد الحميد

آية عجيبة ، تضع الأصبع على الداء الذي دمر الشعوب !!!!

آية عظيمة المعاني ، جمعت مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .

تستوجب منا الوقوف عندها ، والإتعاظ بتوجيهاتها ، والعمل بمدلولاتها ، 

لتكون لنا نبراسا حياتيا ، ومنهجا سلوكيا .

يقول الحسن ( لم تترك هذه الآية خيرا إلا أمرت به ، ولا شرا إلا نهت عنه )

روى الحاكم عن ابن مسعود قوله : أجمع آية في كتاب الله للخير والنهي عن الشر هي آية في سورة النحل .

آية جعلها سيدنا عمر بن عبد العزيز آخر خطبة الجمعة ، ومشى العرف في زمانه وبعده إلى اليوم .

( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعكم تذكرون )

العدل : هو التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله  ، 

القرآن نزل لينشىء أمة ، وينظم مجتمعا ، جاء بالمبادىء التي تكفل تماسك الجماعة والجماعات والأمم والشعوب ..

جاء بالعدل الذي يكفل لكل فرد من الأمم قاعدة ثابتة للتعامل لا تميل مع الهوى ، ولا تتأثر بالود والبغض .. 

العدل واجب على الحكام والولاة والقضاة والأزواج والآباء والأمهات ، على الأفراد والمجتمعات ..

يقول عليه السلام ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور يوم القيامة : الذي يعدلون في حكمهم واهليهم وماوٓلُوا ) رواه مسلم

أحد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أراد أن يخص أحد أولاده بعطاء فرفضت الزوجة المؤمنة التمييز بين الأولاد ، وطلبت أن يُشهد زوجها النبي عليه السلام على هذا العطاء لولد واحد دون غيره ، رفض النبي عليه الصلاة والسلام تحييز ولد على ولد ، وقال لصاحبه لا تشهدني على جور .

والجور الظلم ، والعدل مطلوب بين الزوجات لمن عدد وكان له أكثر من زوجة ، ولا تفهموا العدل هنا غسلت هذه فيجب أن تغسل هذه ؟؟ 

عيب أن يفهم المسلم العدل بهذا المفهوم الضيق ؟؟ فالغسل ليس من الأهداف العليا للحياة .

الاحسان : وإلى جوار العدل ( الاحسان ) يلطف من حدة العدل الصارم ، ويدع الباب مفتوحا لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه ،

والاحسان أوسع مدلولا ، فكل عمل طيب إحسان ، والاحسان : أداء الفرائض ، أو أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن تراه فإنه يراك .

ومن الاحسان إيتاء ذي القربى ، لمافيه من حث على مبدأ التكافل الذي يتدرج به الإسلام من المحيط المحلي إلى المحيط الاجتماعي العام

يقول الحديث النبوي عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( إن الله كتب الاحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليريح ذبيحته ) رواه مسلم 

إن ذبح الأضحية وبجانبها أختها حرام .

وينهى مولانا عن الفحشاء والمنكر والبغي : 

الفحشاء :  كل أمر يُفحش ، أي يتجاوز الحد ، الزنا ومايقاربه من الفحشاء ( ولا تقربوا الزنى ) مجرد القربان منهي عنه ، في الحارات المشبوهة لاتمر بها ، ابتعد عن الجو كله ، فالمعصية تجر إلى معصية .

لما كنت في دمشق رأيت إعلانا كبيرا عن فيلم سينمائي باسم مديحة وحسن ، والاعلان أن كل من اسمه حسن يدخل الفيلم مجانا ، وبجانب السينما ملهى ليلي ، والشيطان يجرك إلى المعصية خطوة خطوة ، وربنا يقول ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) النور ٢١

( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) ٦فاطر

ألا تقولون درهم وقاية خير من قنطار علاج 

صدقت ربنا ( لاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا  ) ٣٢ الاسراء

اذا الفحشاء كل أمر يفحش ويتجاوز الحد ، والمنكر كل فعل تنكره الفطرة ، ومن ثم تنكره الشريعة ، لأنها شريعة الفطرة ، والمنكر شرعا من الكفر والمعاصي .

والبغي : الظلم للناس ، الظلم بجميع صوره ، والعدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم

ومامن مجتمع يمكن أن يقوم على الفحشاء والمنكر والبغي !!!!

ما من مجتمع تشيع فيه الفاحشة بكل مدلولاتها ، والمنكر والبغي ثم يقوم ؟؟؟

فالفطرة البشرية ضد هذه العوامل الهدامة مهما يستعمل الطغاة من الوسائل لحمايتها !!!

فالله جلت قدرته أمر بالعدل والاحسان ، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهذا يوافق الفطرة السليمة ، ويدفعها للمقاومة باسم الله

لذلك جاء التعقيب بقول الحق تبارك وتعالى ( يعظكم لعكم تذكرون ) 

فهذه عظة للتذكر ، تذكر بوحي الفطرة الأصيل القويم

أجل آيها الناس سعادتنا وعزنا وصلاحنا ونجاتنا باتباع القرآن العظيم ، فهو الهادي لكل طريق قويم ..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

والله أكبر والعاقبة للمتقين 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 687