الخاطرة ٢١٠ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ١١

ز . سانا

خواطر من الكون المجاور

في المقالة الماضية ذكرنا أن الحكمة الإلهية اختارت أسم (قريش) لسكان مكة كرمز يوضح ما حدث بعد طرد الإنسان من الجنة وكيف تحولت روح آدم وحواء إلى ثقب كوني أسود صغير حاولت فيه الروح إعادة تشكيل نفسها بشكله الصحيح والذي نتج عنه ظاهرة الانفجار الكبير وولادة الكون . وذكرنا أيضا أن أسم قريش كمعنى له حالتين : 

- الحالة الأولى هي أن أسم قريش مصدره من أسم قاتل دابة سمك القرش (الثقب الأسود) والذي رمزه نضر (القريش الاكبر) ، وفهر (القريش الأوسط) . وذكرنا أن دين إسلام محمد صلى الله عليه وسلم يمثل هذه الحالة (قاتل الدابة قريش).

- الحالة الثانية هي أن أسم قريش مصدره من دابة قريش التي تأكل وتهلك جميع من حولها ، والتي تمثل الثقب الأسود الذي امتص روح آدم وحواء وقطّعها إلى أجزاء عديدة وجعلها كأنها أُصيبت بمرض الجذام والذي رمزه اسم (كنانة ابو الجذام) . وذكرنا أن تعاليم دين إسلام اليوم وللأسف تمثل هذه الحالة لذلك كانت نتيجته واضحة تماما فيما يحصل بالدول الإسلامية التي تمزقت إلى أجزاء عديدة تتحارب وتدمر بعضها البعض وكأنها أُصيبت بمرض الجذام .

ربما رفض بعض القراء أو لم يقتنعوا بهذه المعلومة لأنها غريبة عن كل ما تعلموه من علماء الإسلام ، لهذا سنتابع اليوم الفكرة نفسها لنضيف إليها أدلة إلهية أخرى تؤكد صحتها وبنفس الوقت تساعدنا في الإنتقال إلى مواضيع أخرى توضح الحكمة الإلهية في سبب ظهور الإسلام في منطقة مكة وتشرح اسباب إنشقاق المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أدى فيما بعد إلى ظهور المذاهب المختلفة والمتعادية فيما بينها .

رغم أن كلمة قريش غنية بالمعاني التي تفسر أشياء عديدة في مراحل تطور الكون والإنسان التي حصلت خلال مليارات السنين ، نجد أن الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم استخدمت كلمة (قريش) مرة واحدة في سورة يحمل عنوانها نفس الأسم .

سورة (قريش) تتألف من كلمات قليلة في أربع آيات فقط . وربما لهذا السبب لم يعطي العلماء الأهمية الكبيرة لها ، ولهذا أيضا كان تفسيرهم لها يمكن إختصاره بأسطر قليلة . آيات سورة قريش هي :

" لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (٣)الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (٤) ".

تفسير السورة منذ نزولها وحتى اليوم حسب رأي العلماء يمكن تلخيصه بالأسطر التالية : السورة تذكر نعم الله على أهل قريش الذي حماهم من أصحاب الفيل الذين جاؤوا لهدم الكعبة المشرفة ، وكذلك سهل عليهم رحلاتهم التجارية التي كانوا يقومون بها في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى بلاد الشام ، ليذهبوا ويعودوا بأمان ، والتي لولا هذه الرحلات لما أستطاع أهل مكة تأمين حاجاتهم ليعيشوا حياة كريمة في منطقتهم التي لا زرع فيها ولا موارد طبيعية تسمح لهم بالإكتفاء الذاتي ، فرغم ظروف طبيعة المنطقة القاسية فبنعمة الله عليهم تعودوا عليها وألفوها فكان لهم فيها رزق وفير . لهذا يطلب الله منهم أن يؤمنوا برب الكعبة الذي أنعم عليهم جميع هذه النعم .

السورة حسب هذا التفسير تحوي فقط على موعظة وهي ( من آمن بالله ،الله ييسر أموره ويُأمن له حياة سعيدة) . هذه الموعظة مذكورة قبل ظهور الإسلام في التوراة والإنجيل وفي جميع الديانات وفي معظم تعاليم الكثير من الحكماء الأقدمين . وهي مذكورة أيضا في آيات قرآنية أخرى وآحاديث شريفة . والسؤال هنا ما فائدة تكرارها في هذه السورة ؟ إذا كان هذا هو المقصود فقط من هذه السورة فهذا يعني أن وجودها في القرآن لا فائدة منها للإنسانية طالما أنها مذكورة في كل أمة .

أين معجزة سورة قريش لتؤكد صحة الآية الكريمة ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ .... ٢٣ البقرة) ؟ حتى نستطيع رؤية معجزة هذه السورة يحب أن نعلم أن آيات القرآن الكريم هي كلام الله ، وهو آخر كتاب مقدس أنزله الله ، لهذا فهو كتاب شامل يحوي على معلومات شاملة تشرح ما حدث من بداية الكون وحتى نهايته ، الحكمة الإلهية وضعت ورتبت كلماته وآياته وسوره بشكل تظهر معلوماته بالتدريج لتناسب مستوى معارف كل جيل وكل عصر . اليوم مستوى العلوم بجميع أنواعها وخاصة العلوم المادية قد وصلت إلى مستوى بمقارنته مع مستوى علوم العصر الإسلامي ستبدو وكأنها قد إنتقلت من مستوى معارف المدرسة الإبتدائية إلى مستوى معارف المدرسة الثانوية ، ولكن ومع ذلك لا يزال تفسير سورة قريش حتى الآن وكأنها مكتوبة لأطفال في المرحلة الإبتدائية ، فقط موعظة ومعلومة تاريخية بسيطة جدا . هل سمعتم عن عالم نفس يستخدم سورة قريش في بحثه العلمي ، هل سمعتم عن عالم تاريخ يستخدمها في أبحاثه ، أو عالم فلك ، أو عالم آحياء أو غيرهم من العلماء ؟ سورة قريش لا يذكرها سوى علماء الدين الإسلامي فقط لأن شرحهم لها لا يزال كما كان قبل ألف عام بمستوى مناسب لطلاب في المرحلة الإبتدائية . فأين معجزة هذه السورة التي وضعها الله في كتابه لتزيدنا علما وايمانا به ؟ في الأسطر التالية سنحاول شرح هذه السورة بشكل يكون مناسب لمستوى معارف المرحلة الثانوية التي وصلت إليها علوم عصرنا الحاضر .

سورة قريش تبدا بكلمة (لإيلاف) حرف اللام (ل- إيلاف) هو حرف جر يربط سورة قريش مع السورة التي قبلها سورة الفيل ، أي أن الله دمر أصحاب الفيل ليحمي الكعبة والقريشيين أهل مكة . وكما ذكرنا في المقالة الماضية أن الكعبة ومكة وقريش هي رموز تعبر عما حصل داخل الثقب الأسود . إن ذِكر الفيل كأداة لتدمير الكعبة ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، الفيل هو أضخم كائنات المملكة الحيوانية التي تعيش على سطح الأرض اليابسة . ولهذا فهو أقوى حيوان كقوة بدنية ، قوة الفيل هنا هي رمز لتلك القوة التي كان يملكها الثقب الأسود في تدمير روح آدم وحواء داخل الثقب الأسود ، وكأن الحكمة الإلهية باستخدام رمز الفيل توضح لنا أن قوة الثقب الأسود الذي هو دابة قريش كانت أعظم القوى داخل الثقب الأسود . وفي الوقت نفسه تشرح لنا طريقة عمل هذه القوة المدمرة ، فالفيل لتأمين حاجاته ودفاعه عن نفسه يستخدم أهم عضو في جسده وهو خرطومه الذي يميزه عن بقية الحيوانات . خرطوم الفيل يعمل بشكل أساسي على طريقتين : الإمتصاص والإلتفاف ، حيث خرطومه يلتف حول الشيء كما تفعل الأفعى عندما تلتف بجسمها حول فريستها لتضغط عليه كي تهشم عظامه وتمنعه من التنفس ليموت . فخرطوم الفيل هو أيضا رمز روح الشيطان التي أخذت شكل أفعى لتغوي الإنسان في الجنة ليأكل من ثمار الشجرة الملعونة . عدا عملية الضغط التي يقوم بها خرطوم الفيل ، أيضا يقوم بعملية الإمتصاص ، فبواسطته يمتص الفيل الهواء ليتنفس ويمتص الماء ليشربه .

الحكمة الإلهية من خلال صفات الفيل ومعنى كلمة قريش تشرح لنا مبدأ عمل الثقب الأسود ، فهو يملك قوة هائلة أكبر من قوى كل من حوله ، يخلق قوة جذب هائلة نتيجة إلتفافه حول نفسه فيمتص فريسته إلى مركزه وبعملية قوة الضغط الهائلة يفتتها إلى أجزاء عديدة تتطاحن فيما بينها بهدف القضاء عليها وفنائها .

ولكن الفيل كجسد هو أضخم الكائنات الحية بينما الثقب الأسود كان حجمه متناهي في الصغر ، لهذا الحكمة الإلهية في تصميم القرآن وضعت آية أخرى تبين الحجم الحقيقي للثقب الأسود ، في بداية القرآن وفي سورة (البقرة) توجد آية تذكر (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ.... ٢٦) ، علماء الدين وعلماء الحشرات وغيرهم حاولوا تفسير هذه الآية بشكل يبين عظمة خلق الله في هذه الحشرة الصغيرة (البعوضة) فكان تفسيرهم يعتمد مبدأ العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسان ، لهذا ظل تفسير هذه الآية سطحي لا يكشف سبب اختيار الحكمة الإلهية لهذه الحشرة (البعوضة) بالذات وفي هذا المكان من الآية والسورة التي توجد فيها . الحكمة الإلهية في هذه الآية أختارت أصغر كائنات المملكة الحيوانية (بعكس الفيل) التي كانت تراها عين الإنسان المجردة في فترة نزول القرآن . إذا تمعنا جيدا في رأس البعوضة سنجد أنها تشبه كثيرا رأس الفيل (كما توضح الصورة) ، فالبعوضة أيضا لها خرطوم مشابه لخرطوم الفيل تمتص به غذائها ، ولعابها يمنع دم الإنسان من التخثر ويجعله أكثر ميوعة ليسهل امتصاصه. فالبعوضة والفيل معا يعبران عن حقيقة الثقب الأسود أي أنه أصغر الأشياء حجما ولكنه أكبر الأشياء قوة .

الآية (٢٦) من سورة البقرة تُكمل معاني سورتين الفيل وقريش، لهذا نجد أن الآية التي قبلها تتكلم عن الجنة ، والآيات التي بعدها تتكلم عن المساعدة الإلهية للإنسان التي حصلت بعد خروجه من الجنة . و الشي نفسه نجده يحصل بعد سورة قريش ، حيث تأتي بعدها في الترتيب سورة الماعون ، الماعون : هو اسم جامع لكل شيء نافع يوجد في البيت والمقصود بعنوان سورة (الماعون) هو كل شيء نافع في بيت روح الله الذي تحول من ثقب صغير أسود إلى الكون بأكمله والذي يحتوي على كل شيء يحتاجه الإنسان ليعيش داخله ويتطور حتى يصل إلى شكله الصالح ليعود إلى الجنة ثانية ، آيات سورة الماعون تذكر (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧) . كل إنسان يولد هو في الحقيقة يتيم ، لأن أبواه آدم وحواء موجودين كروح وليس كجسد ، المؤمنون هم الذين يقومون بدور العناية الأبوية ليؤمنوا له كل الأشياء النافعة ليتابع تصحيح نفسه ، أما الكافرون فهم أولئك الذين يستخدمون هذه المنافع في سبيل سعادتهم الشخصية فيمنعونها عن الآخرين ليعرقلوا طريقهم في تصحيح أنفسهم . كلمة ماعون مصدرها الأول هو (عون : مساعدة) من هذه الكلمة خرجت جميع الكلمات التي لها معنى حاجة الإنسان للمساعدة ، مثلا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . المقصود هنا هو تعاون جميع الأمم وليس فقط تعاون الأمة الإسلامية فيما بينها .

الحكمة الإلهية في معاني آيات القرآن من خلال الرموز التي وضعتها في حادثة اصحاب الفيل وعلاقتها بالكعبة المشرفة تُوضح وتؤكد ضرورة تعاون الامم مع بعضها البعض ، فكما يعلم المسلمون أن الله تعالى أمر النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام برفع قواعد الكعبة ، وحادثة محاولة أصحاب الفيل لتدمير الكعبة جعلها الله رمزا لعام ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم لتبين أهمية حادثة أصحاب الفيل في فهم ما يحدث داخل الكون الذي نعيشه ، فاسم (ابراهيم) معناه في اللغة العبرية ومعظم اللغات السامية (أبو الأمم) ، وأصحاب الفيل الذين جاؤوا إلى مكة لهدم الكعبة كان قائدهم أسمه (أبرهة الحبشي) ، علماء المسلمين منذ ظهور الإسلام وحتى الآن رغم أنهم كتبوا آلاف الصفحات عن حادثة الفيل ، ولكن حتى الآن لم ينتبهوا إلى العلاقة الرمزية بين الأسمين (ابراهيم) و (أبرهة)، فالأسمان هما نفس الأسم ، فأسم أبرهة مصدره اللغة اليونانية (ΑΒΡΑΑΜ) بعد حذف حرف الميم من آخره ، وهو أسم النبي ابراهيم عليه الصلاة والسلام عند المسيحيين ، هذا الأسم انتقل إلى سكان أثيوبيا (الحبشة) بعد إعتناقها للمسيحية قبل ظهور الإسلام بعدة قرون ، الحكمة الإلهية أختارت حروف هذا الأسم في اللغة اليونانية لتعبر عن رمز آدم أبو البشرية ، فالقيمة الرقمية لأحرف أسم (ΑΒΡΑΑΜ) بالنظام الرقمي اليوناني البسيط تعادل (٣٤) وهي نفس القيمة الرقمية لأسم (آدم) باللغة العربية ، فأسم النبي ابراهيم الذي بنى الكعبة كمعنى رمزي يمثل (آدم أبو الأمم) أي أبو المؤمنين وهو رمز قاتل الثقب الأسود (القرش)، أما الملك أبرهة الذي أراد تدمير الكعبة والذي يعني اسمه أيضا (أبو الأمم) فهو أبو الكافرين ورمزه يمثل (الثقب الأسود) دابة القرش التي تريد تدمير روح الإنسان ، لهذا اختارت الحكمة الإلهية له لقب (الحبشي) ، فكلمة حبش مصدرها فعل (حَبَشَ) ، ومعناه مشابه لمعنى فعل (قَرَشَ) ،حبش الشيء : جمعه ، ومعناه الرمزي تجميع الأشياء المادية للقضاء عليها ، فعملية الجمع هنا لها المعنى السلبي ، لذلك سورة قريش تبدأ بكلمة (لإيلاف) لتشرح الفرق بين معنى الجمع السلبي ومعنى الجمع الإيجابي ، فكلمة (إيلاف) لها معنى الجمع أيضا ولكن بمعناه الإيجابي ، فكلمة (إيلاف) مصدرها فعل ألِفَ ، ألِف فلانًا : أنِس به وأحبَّه ، ألِف المكانَ : تعوّده واستأنس به ، ائتلف النَّاسُ: اجتمعوا وتوافقوا واتّحدوا بعد اختلاف .

حتى نفهم بشكل أفضل الفرق بين معنى رمز أبرهة الحبشي الذي أراد تدمير الكعبة ومعنى رمز ابراهيم الذي بنى الكعبة ، سنعطيكم هذا المثال البسيط : من إتحاد ألوان قوس قزح ينتج عنها النور الأبيض ، أما إذا أخذنا نفس ألوان قوس قزح الموجودة في الاشياء المادية (ألوان الرسم) فإن إتحادها ينتج عنها اللون الأسود ، إتحاد ألوان النور (الروح) تعطي اللون الأبيض ، أما إتحاد ألوان المادة (الجسد) فتعطي اللون الأسود ، لذلك كان الكون في البداية عبارة عن ثقب صغير لونه أسود وبعد إنفجاره بدأت تظهر النجوم لتعطي النور الأبيض. ولهذا اختارت الحكمة الإلهية لبلاد الحبشة أسم آخر وهو (إثيوبيا) .اسم إثيوبيا هو كلمة يونانية (Αἰθιοπία) مصدرها كلمة يونانية قديمة إثيوبس (Αἰθίοψ) هذه الكلمة تتألف من مقطعين هما «إثيو» وتعني اللون الأسود الناتج عن الإحتراق ، و «أوبس» تعنى الوجه أو الهيئة ، فاسم إثيوبيا في اليونانية تعني (الوجه الأسود) . أي أن أبرهة الحبشي أبو الكافرين هو (ابراهيم ذو الوجه الأسود) . أما ابراهيم أبو المؤمنين فهو (ابراهيم ذو الوجه الأبيض) ، فمن كلمة ابراهيم خرج فعل بَرِهَ ، بَرَهَ المريض : شُفي من المَرَض وابْيَضَّ جِسْمُه ، هو أبْرَهُ أي أبيض ، وهي بَرْهاءُ أي بيضاء .

بعد شرح هذه المعلومة نصل لأهم معلومة في سورة قريش ، والتي لم يتجرأ أي عالم مسلم حتى الآن في محاولة تفسيرها ولهذا صمتوا عنها ليخفوها ويمنعوا المسلمين التفكير بها . وهي طالما ان من صفات الأنبياء والمؤمنين هو الشكل الجميل واللون الأبيض ، كقول الله عز وجل (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧ آل عمران) ، لماذا إذن الشعوب الغربية (الأوربية) بشرتهم بيضاء وأبعاد أجسامهم فيها تناسق يعبر عن الجمال، بينما الشعوب الشرقية ومنهم الأمة الإسلامية بشرتهم داكنة وأبعاد أجسامهم أقل تناسقا وجمالا ؟ هذه حقيقة إلهية لا يستطيع أحد إنكارها ، لهذا نجد بعض المسيحيين العنصريين في أوربا يستخدمون صفة الجمال هذه ليؤكدوا أن الدين المسيحي هو أصح الديانات و لهذا وهبهم الله نعمة الجمال التي وهبها للأنبياء والمؤمنين. نحن هنا لا نتكلم عن شخص واحد ولكن نتكلم عن أمة بأكملها .

سورة قريش تفسر لنا حقيقة هذا الإختلاف في نوعية المورثات بين الأمم كحقيقة علمية تعتمد قانون إلهي ، ولكن المشكلة أن العلماء المسلمين لم ينتبهوا لها لأنهم لا يزالون حتى الآن يفسرون سورة قريش بمستوى إدراك لا يتعدى مستوى إدراك طلاب المرحلة الإبتدائية بينما اليوم الإنسانية تعيش في مستوى إدراك طلاب المرحلة الثانوية .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنشرح هذا الموضوع لنأخذ فكرة واضحة عن الطبيعة الروحية لأهالي قريش وسبب ذكر الآية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ..... ١١٠ آل عمران) وعلاقتها بالآية (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) والآية (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ...) ، ليعلم الملحد أن القرآن الكريم لا ينمي العنصرية ولا التعصب الديني ولكن ينمي روح التعاون بين الأمم ، وليعلم المسلم أيضا ويتأكد ان معلوماته عن دينه كما هي اليوم والتي أتت من التفسير السطحي الذي إعتمده علماء المسلمين لمعاني الآيات القرآنية والآحاديث الشريفة كم هي فقيرة وعاجزة عن حل أي مشكلة من مشاكل الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الأمة الإسلامية والإنسانية بأكملها .

وسوم: العدد 812