الخاطرة ٢١٣ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ١٤

ز . سانا

خواطر من الكون المجاور

في المقالة الماضية ذكرنا أن أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم توفي دون ان يعتنق الإسلام ، وأن عدم دخوله في الإسلام كان حكمة إلهية توضح لعلماء المسلمين أن طبيعة تكوين النفس البشرية ليست بسيطة فهي تكونت من ملايين المعلومات التي تراكمت عبر الزمن واندمجت مع بعضها في عقله الباطني وكونت كتلة واحدة تحدد شخصية كل إنسان ، فالإنسان هو أولا كائن روحي سلوكه يتوقف على ما يحتويه عقله الباطني من إحساسات ومشاعر ، لهذا يجب على كل عالم أن ينتبه إلى هذه الناحية أثناء تعامله مع الآخرين بخصوص العقائد الروحية التي يؤمن بها كل شخص وكل أمة ، لذلك فالحكمة الإلهية في إختلاف التكوين النفسي من شخص إلى آخر ومن أمة إلى أخرى تفرض على العالم الذي يبحث عن الحقيقة أن يستخدم المبدأ الذي ذكره الله في كتابه الكريم (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ١٢٥ النحل) . فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لم يستطع إقناع عمه في دخول الإسلام ، وهكذا أيضا حصل مع جميع الأنبياء ، وهذا لا يعني أن مقدرة الأنبياء في إقناع الآخرين لم تكن عالية ، ولكنها حكمة إلهية توضح لنا مدى تعقيد تكوين النفس البشرية ، لهذا لا يجوز لأي شخص أن يشتم ويلعن أتباع بقية المذاهب أو بقية الأديان لأنهم لم يقتنعوا بشريعة مذهبه أو دينه الذي يؤمن به هو ، فواجبه كعالم هو فقط أن يعرض أدلته وأن يترك أمر الآخرين لله عز وجل فلا إكراه في الدين فالله هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين .

الإنسان في مرحلة طفولته يكون سلوكه تحت سيطرة الفطرة الإلهية التي وضعه الله عليها لذلك يكون في هذه المرحلة كائن مسالم محب للخير ،ولكن بعد دخوله في سن الرشد ونشاط الغدد الجنسية يبدأ الشر يدخل في تكوينه النفسي وذلك بحسب طبيعة البيئة الروحية للمجتمع الذي يعيش فيه ، فكلما زاد فساد البيئة الروحية كلما ازداد الشر في تكوينه النفسي ، ولهذا نجد أنه بعد وفاة الرسول ظهرت مباشرة بذور الإنشقاق في الإسلام ، والسبب هو أن المدة الزمنية التي عاشها الرسول في نشر دينه لم تكن كافية لتحذف تأثير البيئة الجاهلية في نفوس المسلمين ، فكثير من المسلمين في تلك الفترة لم يستطع الإيمان الوصول إلى أعماقهم ليسيطر على سلوكهم ، وبعضهم لم يدخلوا الإسلام بسبب إيمانهم به ولكن بهدف تأمين مصالحهم الشخصية كون الإسلام قد أصبح أكبر قوة مسيطرة في المنطقة . لهذا نجد أن الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد انفصلت الى قسمين : مسلمون مؤمنون صنعوا حضارة إسلامية عريقة ساهمت في تطور الإنسانية بأكملها ، ومسلمون مزيفون صنعوا تاريخ إسلامي مليء بالمجازر والحروب الأهلية . والمشكلة حتى الآن هي أن علماء المسلمين في أبحاثهم وبسبب تعصبهم المذهبي لم يستطيعوا الفصل بين المسلم المؤمن والمسلم المزيف ليحذفوا من تاريخهم جميع مساوئ تاريخ الأمة الإسلامية لتظهر للمسلمين هوية الدين الإسلامي الحقيقية كما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

ما حصل مع الأمة الإسلامية حصل مع جميع الأمم ، فحتى الأمة المسيحية التي في بدايتها ظلت لمدة ثلاثة قرون ترفض أساليب العنف بجميع أشكاله وتعتمد فقط على تعاليم المحبة والتسامح ، ولكن بمجرد أن أصبح الدين المسيحي هو الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية نجد أن الأمور قد إنقلبت رأسا على عقب فظهر المسيحيون المزيفون وراحوا يشعلون الفتن ليس فقط بين المسيحيين والوثنيين ولكن أيضا بين بعضهم البعض ، فحدثت الكثير من المؤمرات والمجازر التي كانت نتيجتها أيضا تشويه هوية الدين المسيحي .

العلماء المسلمين للأسف لم يحاولوا أن ينظروا إلى الإنسانية وكأنها عائلة واحدة ليتعلموا من تاريخها الماضي ويأخذوا دروسا مما حصل مع الأمة المسيحية واليهودية وغيرها من بقية الأمم فوقعت الامة الإسلامية هي أيضا بنفس الخطأ . الحكمة الإلهية جعلت تاريخ الأمة الإسلامية بحسناتها وسيئاتها حقيقة إلهية تؤكد للمسلمين بأن الأمة الإسلامية مثلها مثل بقية الأمم ، وكون دينهم آخر الديانات السماوية لا يعني أنهم أمة الله المختارة التي عليها أن تسيطر على جميع الأمم ، ولهذا نجد أنه كما حصل مع بقية الأمم قد حصل مع الأمة الإسلامية أيضا حيث إنتهى عصر الحضارة الإسلامية بعد ستة قرون من الزمن .

في هذه المقالة سنشرح إن شاء الله الإختلاف في تكوين النفس البشرية الذي سبب ظهور بذور الفتنة والإنشقاق في الأمة الإسلامية لنفهم التكوين العام للنفس البشرية بأكملها وأسباب ظهور الفتنة والإنشقاقات في كل أمة من بقية الأمم .

يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ..... ٣٦ النحل) . علماء السنة فسروا هذه الآية تفسير حرفي فلم يعطوا قانون (الإثنا عشرية) أي أهمية فكان تفسيرهم للأية التي ذكرناها وكأنها تخص العام القمري الذي كان يستخدمه سكان منطقة مكة قبل وبعد الإسلام ،ولم يعلموا أن الآية تتكلم عن قانون كوني يشرح طبيعة جميع التطورات التي ستحدد التكوين الروحي والجسدي للإنسان ، ورغم أن علماء مذهب الشيعة قد أعطوا قانون (الإثنى عشر) أهمية كبيرة في تكوين الأمة الاسلامية ولكن لم يكن شرحهم له بشكل صحيح يساعد علماء السنة على فهمه وتقبله لأن علماء الشيعة استخدموا مبدأ قانون (١٢) كمفهوم سياسي يتعلق بالخلافة والحكم وليس كمفهوم روحي كما شرحناه قبل قليل .

الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أيام حياته ذكر الآية التي تتكلم عن قانون (الإثنا عشرية) في حجة الوداع يوم عرفة حيث خطب في الناس قائلاً " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض, السنة اثنا عشر شهرًا, منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان " . الحكمة الإلهية في هذا الحديث وضعت رموز روحية تساعدنا في فهم قانون (الإثنا عشرية) ، فالحادثة حصلت في آخر حج قام به الرسول صلى الله عليه وسلم للكعبة قبل وفاته بفترة قصيرة وكأنه يعلن عن إنتهاء دوره كنبي ودور الأمة الإسلامية كأمة. فهو يقول " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " فمعنى إستدار أي أن الزمن قد عاد إلى نفس الموضع الذي بدأ منه ، ولهذا كان الإسلام آخر الديانات السماوية . هذه الحادثة هي حكمة إلهية تساعدنا على فهم قانون (الإثنا عشرية) ، ومعنى هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا يأخذ مكان الرقم (١٢) في هذه الدورة الزمنية في الخلق . وخطاب الرسول للناس كان من جبل أسمه عرفة ، وكلمة عرفة من كلمة (تعارف) التي ذكرها الله في الأية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ١٣ الحجرات) ، فقانون (الإثنا عشرية) يعتمد على فكرة (التعاون على جمع عناصر التكوين) ، والمقصود بالتعاون هنا زمني ومكاني ، أي التعاون على إكتساب جميع العناصر المتراكمة عبر الزمن ، وكذلك العناصر التي ظهرت في المناطق المختلفة من العالم . فكل مرحلة حصلت في خلق الكون منذ بدايته وحتى عصر الحضارة الإسلامية هي دورة زمنية تشابه دورة الأشهر في العام الواحد . ولهذا نجد أن نسب الرسول من فهر (القريش الأوسط والذي يرمز إلى الإنفجار الكبير وولادة الكون) وحتى جيل الرسول هو إثنا عشر جيلا : ١- فهر ، ٢- غالب ، ٣- لؤي ، ٤- كعب ، ٥- مرة ، ٦ - كلاب ، ٧ -قصي ، ٨ - عبد مناف ، ٩ - هاشم ، ١٠ - عبد المطلب ، ١١ - عبدالله ، ١٢ - محمد .

هذا التسلسل في نسب الرسول ليس صدفة ولكن هو عبارة عن رموز تشرح لنا دورة التكوين الروحي والجسدي للإنسان فكل جيل هو مرحلة في التطور . ولكن حتى نفهم كل رمز من الرموز ال(١٢) لا بد من ذكر بعض الحقائق الإلهية التي وضعها الله لتساعدنا في فهم قانون الإثنا عشرية .ففكرة تقسيم العام إلى (١٢) شهر ، يحوي على (٤) فصول وكل فصل يحوي على (٣) أشهر ، ليست من عقل الإنسان ولكن هي من الله عز وجل ليساعدنا في فهم طبيعة تكوين الكون والحياة وطبيعة تكوين البشرية. الحكمة الإلهية في تاريخ التطور الروحي للمجتمعات الإنساني وضعت لنا نماذج مختلفة عن قانون (الإثنا عشرية) لتعرض لنا زوايا رؤية مختلفة عن طبيعة هذا القانون لنحصل على رؤية شاملة له توضح لنا حقيقته ، وقد ذكرنا بعضها في المقالات الماضية من سلسلة "ابن رشد الفيلسوف المظلوم " . وسنحاول هنا أن نعيد عرضها بطريقة تسمح لنا دمجها مع بعضها البعض لنحصل على المفهوم الشامل لهذا القانون .

هذه المراحل ال (١٢) ستمر بها الإنسانية أثناء تطورها . لهذا الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم قد وضعت الآية (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ... ٣٦) في سورة تحمل عنوان (التوبة) لتكون كرمزا يعبر عن الهدف الحقيقي من جميع التطورات التي ستحصل في الكون ، والذي هدفه هو تصحيح الخطيئة التي حدثت في الجنة ليتم تطهير التكوين الإنساني (التوبة) من جميع الشوائب التي دخلت في تكوينها لتستطيع الإنسانية العودة ثانية إلى الجنة ، الله عز وجل في هذه الآية يشبه تاريخ الإنسانية بأكملها كعام واحد ، كل شهر فيه له صفاته الخاصة به . هذه الصفات مرت بها الإنسانية عبر تطورها وهي موجودة في كل عصر تعيشه ، لهذا نجد أن الحكمة الإلهية قد وضعت هذه الفكرة في ديانة قديمة حيث ظهرت كعقيدة معروفة بأسم (الأبراج الفلكية الإثنا عشر) .

فكرة الأبراج ال(١٢) هي حكمة إلهية تعني وجود (١٢) زاوية إدراك . لهذا تقسم الأبراج إلى (٤) أقسام : مائية ، ترابية ، هوائية ، نارية . كل قسم يعبر عن مراحل التطور الثلاثة التي تكلمنا عنها (صلب ، ماء ، بخار) . برج كل إنسان يحدد تكوينه النفسي ، لهذا نجد وجود إختلاف في السلوك الروحي لكل إنسان حسب برجه ، وهذه حقيقة علمية وليست خرافة ، فكل برج بإمكانه ان يحدد على الأقل ٧٠% من طبيعة نفسية الشخص الذي ينتمي له ، هذا القانون هو قانون إلهي يؤمن تكامل المجتمع ، الأبراج مثلها مثل العلوم فكل علم له طبيعة خاصة به تجعله يدرس الشيء من زاويته الخاصة به ، ولكن حتى نصل إلى الحقيقة الكاملة للشيء المدروس يجب توحيد جميع زوايا رؤية العلوم ، وهكذا هو الأمر في الأبراج ، فكل برج له صفات نفسية خاصة به تجعله يتميز بنوع من الإدراك تختلف عن نوعية الإدراك في بقية الأبراج ، وبسبب إختلاف زاوية الإدراك في كل برج ، فإن تناسق أدوار الأبراج مع بعضها البعض يؤدي إلى توازن الروحي للمجتمع وبالتالي إلى تأمين كافة حاجات الإنسانية الروحية والمادية .

للأسف مع مرور العصور تم تشويه فلسفة الأبراج ، فظهر المشعوذون وشوهوا مفهوم الأبراج وحولوه إلى وسيلة للتنبؤ بالمستقبل فخسرت الأبراج معناها الحقيقي واصبحت من العلوم المزيفة ، فجميع الأبحاث العلمية التي تمت على توقعات الأبراج للتأكد من صحة تنبؤاتها فشلت في توقعاتها ، أما التي صدقت فكانت تعتمد على قانون الإحتمالات ، وقانون الإحتمالات ليس له أي علاقة بالتنبؤ ويمكن لأي باحث أن يقوم به دون الحاجة لأي معلومة من الأبراج ، كما يحدث مثلا في توقعات نتائج الإنتخابات وتوقعات فوز فرق كرة القدم ، فهذه العملية هي مجرد توقعات يمكن أن تصيب ويمكن أن تخطئ .

الأبراج الإثنا عشر هي حقيقة تؤكد وجود إختلافات في طبيعة نفسية شخص عن شخص آخر بسبب إختلاف برجه ، ولكن مفهوم قانون (الإثنا عشرية) فهو يعبر عن التطور الروحي للإنسانية خلال دورته الزمنية . حتى نستطيع فهم حقيقة هذا القانون يجب علينا في البداية شرح حقيقة إلهية في تصميم الأرقام الهندية (١-٢-٣-٤ ... إلخ) التي يستخدمها المسلمين في اعمالهم اليومية ، إذا تمعنا في شكل الرقمين (٢ - ٣) سنجد وجود شبه بين شكل الرقمين ، ولهذا نجد أن الرقم (٢) في الكتابة اليدوية يكتب بشكل آخر وكأنه رقم سبعة معكوس (7) لكي يظهر الرقم بوضوع ويمنع تشابهه مع رقم (٣) . تشابه الرقم (٢) مع الرقم (٣) كشكل ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تساعدنا على فهم قانون (الإثنا عشر) بشكله الروحي . وسنحاول توضيحه أثناء شرح النماذج الأخرى لهذا القانون .

أول كتاب مقدس للديانات السماوية يحمل عنوان (التكوين) ، عنوان هذا الكتاب هو رمزي له معنى تكوين الخلق بمراحله المختلفة ، الحكمة الإلهية وضعت قصة النبي يوسف عليه الصلاة والسلام كخاتمة لهذا الكتاب ، والقرآن الكريم في الآية (١٠٠) من سورة يوسف تذكر (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ .... ) المقصود بكلمة (أبويه) هنا هو آدم وحواء كرمز للبشرية بأكملها . فنهاية التكوين تعني وصول البشرية إلى الصفاء الكامل والتي ستتم عند إنتصار روح آدم وحواء (روح الخير العالمية) على روح السوء العالمية ، حيث عندها ستُفتح أبواب جنة الخلد ، لهذا نجد أن الحكمة الإلهية قد وضعت عنوان (الخروج) على الكتاب المقدس الثاني الذي يأتي مباشرة بعد سفر التكوين ، وكلمة (الخروج) هو رمز يعبر عن خروج البشرية من الكون لتعود إلى الجنة التي طُردت منها .

الحكمة الإلهية في قصة يوسف ذكرت قانون (الإثنا عشرية) كعدد أبناء يعقوب عليه الصلاة والسلام (يوسف وأخوته) الذين عددهم (١٢) أخ . فكل أخ هنا يمثل مرحلة من مراحل ال(١٢) من التطور . ولكن هنا نجد أن رقم يوسف بينهم حسب التسلسل هو (١١) وليس (١٢) ، والسبب هو ان هذا العدد هو عدد أبناء يعقوب الذكور فقط . فقبل ولادة يوسف ، ولدت أخته (دينا) وهي التي تحمل الرقم (١١) ، أي أن يوسف هو في الحقيقة صاحب رقم (١٢) . وهذا يعني أن أخوه (بنيامين) الذي ولد بعده رقمه (١٣) . ولكن نجد أن جميع الكتب السماوية لم تتكلم بشكل واضح عن دور بنيامين وكأنه بلا أهمية في مراحل التطور . وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن يوسف قد أخذ دور أخيه بنيامين .

الحكمة الإلهية تشرح لنا رمز بنيامين وسبب قيام يوسف بدوره ، في الإصحاح ٣٥ من سفر التكوين يذكر أن أمه راحيل توفيت مباشرة بعد إنجابها له ، وطلبت أن يُسمى (ابن أوني) وتعني (ابن الألم) من شدة الألم التي عانته أثناء ولادتها له ، تسمية بنيامين ب(إبن الألم) هي حادثة رمزية تعبر عن وجود روح السوء في قانون (الإثنا عشرية) ، الحكمة الإلهية في الأصحاح رقم ٤٩ من سفر التكوين توضح لنا طبيعة روح السوء هذه ، فنجد يعقوب يصف بنيامين في الأية ٢٧ بأنه (ذئب مفترس) . وحسب أحداث قصة يوسف إن أخوة يوسف عندما أرادوا التخلص من يوسف قالوا لأبيهم ان الذئب هو الذي قتل وأكل يوسف . هذه الحادثة هي رمزية لها معنى أن ظهور بنيامين بين أخوته هو الذي جعل من روح السوء تظهر في أخوته وجعلتهم يتحولون إلى ذئب يريد القضاء على يوسف . وكما هو معروف علميا أن الذئب هو من الفصيلة الكلبيات ومن جنس الكلب ، فالذئب هو حيوان يعيش بعيدا عن الإنسان ، أما الكلب فهو في الحقيقة ذئب استطاع الدخول في المجتمع الإنساني . أي أنه إستطاع خداع الإنسان ليعيش معه ، لهذا فرمز الكلب روحيا هو الابن الروحي للشيطان ، تلك الروح التي دخلت التكوين الإنساني عبر إرتكاب الخطيئة التي سببت طرد الإنسان من الجنة .

رمز الكلب سيمر علينا في معظم نماذج قانون ( الإثنا العشرية) الأخرى التي وضعها الله كحقائق إلهية في تاريخ الإنسانية خلال تطورها .

النبي يعقوب بدل أسم (ابن الألم) أختار لابنه أسم (بنيامين) وتعني (ابن اليمين) ، ليكون علامة رمزية تعني أن أبنه بنيامين قد تخلى عن روح السوء التي رمزها (الكلب) وأن يوسف هو الذي أخذ هذه الروح وحولها إلى روح مختلفة فبدلا من أن تكون روح مدمرة حوّلها إلى روح تطهير تقوم بمساعدته في عملية بناء التكوين الإنساني ، يوسف هو رمز الرقم (١٢) الذي يحوي في داخله رمز الرقم (١٣) والذي يمثل أخوه بنيامين (ابن اليمين) .

رموز قصة يوسف عليه الصلاة والسلام في سفر التكوين لها معنى أنه يوجد نوعين من القوى داخل الكون : قوة الفناء العالمية التي تمثل روح الشيطان ، وقوة البناء العالمية والتي تمثل ذلك الجزء من روح الله التي نفخها في آدم . فقوى روح السوء العالمية خرجت مع آدم من الجنة لتقضي عليه، ولكن قوى روح الخير العالمية أستطاعت التحرر منها لتبدأ في عملية تكوين نفسها .

كلا القوتان الخير والسوء تعملان على مبدأ جمع الأشياء ، قوى الخير العالمية تجمع الأشياء بشكل متجانس لتتطور من الحالة الأدنى إلى الحالة الأرقى ، أما قوى الشر فتجمع الأشياء بشكل عشوائي لتتطاحن مع بعضها البعض وتفني نفسها مثلما يحدث في الثقوب السوداء الكونية ، ولكن عملية التطور تحتاج إلى نوعين من القوى ، قوى دورها تجميع الأشياء من أجل إستمرار التطور نحو الأرقى ، وقوى أخرى دورها تفكيك الأشياء العشوائية لإعادة استخدامها في عملية التطور .

الحكمة الإلهية في تصميم سفر التكوين ذكرت هاتين النوعين من قوى الخير في قصة يوسف في سفر التكوين فنجد أن راحيل ام يوسف في الإصحاح ٣٠ عندما أنجبت يوسف تذكر عبارتين : ( ٢٣ : فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا فَقَالَتْ: «قَدْ نَزَعَ اللهُ عَارِي . ٢٤ وَدَعَتِ اسْمَهُ «يُوسُفَ» قَائِلَةً: «يَزِيدُنِي الرَّبُّ ابْنًا آخَرَ». في الآية ٢٣ (نزع العار) تعني التطهير وتمثل القوى التي تقضي على قوى تجميع الأشياء العشوائية ، أما الآية ٢٤ (يزيد) فتمثل قوى التجميع المتجانس للأشياء . أيضا الحكمة الإلهية وضعت هذا الرمز في نهاية تكوين الإنسانية الذي سيحدث في يوم الآخرة ، فجميع الديانات السماوية تنتظر قدوم المسيح ليقضي على روح السوء العالمية بشكل نهائي ، المسيح أيضا له أسمين : يسوع والمسيح ، أسم يسوع كلفظ عربي مشتق من فعل ( يتسع) اي يزداد في حجمه وتكوينه ، أم أسم (المسيح) فمشتق من فعل (يمسح) أي يحذف كل ما هو موجود من تشويه في التكوين الإنساني . أيضا الحكمة الإلهية وضعت هذا الرمز في أسم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي سيأتي بآخر ديانة سماوية ، فأسم (محمد) كلفظ عربي يبدو وكأنه يتألف من قسمين (مح - مد) ، القسم الأول (مح) وتعني محى او مسح ، أم القسم الثاني (مد) فتعني يزيد ويوّسع .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع شرح قانون (إثنا العشرية) في نماذج أخرى لتساعدنا على فهم رموز نسب محمد صلى الله عليه وسلم الإثنا عشر وكيف دخلت روح السوء (روح الكلب) في بعض الصحابة لتحولهم إلى مسلمين مزيفين يساهمون في تشويه هوية الإسلام والذي أدى إلى إنقسامه إلى قسمين : إسلام ديني صنع حضارة إسلامية عريقة ، وإسلام سياسي صنع المجازر والحروب الأهلية . بعض هؤلاء المسلمين المزيفين حتى اليوم يترضى عليهم المسلمين بعبارة (رضي الله عنه) رغم أنهم أتباع روح الكلب .

وسوم: العدد 816