خواطر فؤاد البنا 822

أ.د. فؤاد البنا

الجهل ثوب مَرمي في قارعة الحياة، وما التحفت به أمةٌ إلا صار الكفن الذي يدشّن موتها، استعداداً للذهاب بها إلى مقبرة التأريخ؛ ذلك أن الجهل تربة خصبة لنمو سائر القيم الشوكية، بما فيها ضياع الأمانة الذي عدّه النبي صلى الله عليه وسلم السبب الأساسي في قيام الساعة في أي مجتمع، كما في حديث: "إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة"، وأوضح النبي بأن علامة ضياعها هي أن يُوسّد الأمر إلى غير أهله، والساعة هنا هي الموت الأخلاقي والسقوط الحضاري!

**********************************

إن وضع اليمنيين كلّ بَيضهم في سلّة التحالف، ووقوفهم في قارعة الانتظار حيارى تائهين، واعتقادهم أن الأمر خرج بكليته من أيديهم وأن أوراق اللعبة كلها بيد الخارج، وأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، منتظرين أين ستأخذهم الأحداث، وداعين الله بأن يرسل رياح الأقدار التي تنتشلهم مما هم فيه؛ إنما هو من أعراض العُقدة اليَزنية التي تكلّم عنها الشهيد الزبيري، ولو نظرنا في مقدمات هذه العقدة لوجدنا بأن أرضيتها خليط من الجهل والتفرق والسلبية وعدم الثقة بالذات.

**********************************

يحمل أغلب الغربيين صورة نمطية شوهاء عن العرب، وفي كثير من الأحيان يتعاملون معهم بقدر من الترفع والغطرسة، وما فتئ مستشرقوهم وسياسيوهم يتهمونهم بالتخلف الذي يسكن قلوبهم وبالبربرية التي تجري في عروقهم. ومن يتمعن مناهل الثقافة التي يستقي منها الغربيون يدرك أن ظاهرة النظرة الدونية للمسلمين ذات منابع فكرية عديدة، أولها: الثقافة اليونانية التي كانت تُقسِّم البشر إلى يونانيين ورومان من جهة وبربر همجيين من جهة أخرى، وثانيها: الثقافة المسيحية التي تقسم البشر إلى مؤمنين مسيحيين وكفار، وثالثها: الثقافة اليهودية بحكم إيمان الغربيين بالعهد القديم، والتي بدورها تُقسم الناس إلى أبناء الله وإلى حمير خلقها الله ليركبها أبناء الله وأحباؤه. غير أن هذا لا يعفينا كعرب ومسلمين من المسؤولية عن هذه الصورة، فإن التخلف الحضاري الذي يضرب بجذوره في أعماق حياتنا يمنح تلك التصورات العوراء قدرا من المصداقية في أعين المتابعين، بل في أعين كثير من المسلمين أنفسهم والذين أصيب بعضهم بعقدة نقص نتيجة ما يقرؤونه عن أنفسهم، وما يشاهدونه في حياتهم.

**********************************

لو أننا في كل جمعة بعد أن نُقلّم أظافرنا نقوم بتقليم أفكارنا التي تختفي تحتها أوساخ العصبيات واللامعقولات؛ لصارت عقولنا شديدة النظافة من الخرافة وأسباب الفُرقة.

**********************************

الكتابة مسؤولية خطيرة وأمانة عابرة للآفاق؛ ذلك أنها عبادة متعدية إلى الخلائق، فإما أن تستمر الأجور تهطل إلى خزائن حسناتك بعد وفاتك بقدر من استفادوا، وإما أن تواصل شررُ الأوزار التساقط عليك بعد موتك بقدر من تضرّروا، فاخترْ الآن ماذا تريد وقرِّر بملئ إرادتك.

وسوم: العدد 822