خواطر فؤاد البنا 859

أ.د. فؤاد البنا

كم في بلداننا من مفارقات غريبة تجعل الحليم حيراناً، ومن ذلك أن تجد أناساً يلبسون في معاصمهم أثمن الساعات، لكنهم يقضون ساعات أعمارهم في أحقر التفاهات، وتراهم يحرصون على نظافة ظواهرهم بينما تغصّ دواخلُهم بأوسخ القذارات، وما برحوا يجيدون الكلام عن الحب لكنك تجد أفعالهم مغموسة بالكراهية الشديدة!

***********************************

في عصور الضياء التليدة حمل المسلمون هَمّ الإسلام؛ فتقدموا بالإسلام نحو مرافئ التفوق والنجاح، وفي عهود الظلام حمّل المسلمون همومَهم وأوزارهم على عاتق دينهم؛ فتخلفوا عن الركب الحضاري للأمم.

***********************************

قالوا بأن "الصديق كالمَظلّة، وكلما اشتد المطر زادت الحاجة إليها". وبالنسبة لي فقد كان معي مظلات كثيرة حينما كنت في النعمة، وعندما تعرضت لمطر المحنة وشمس الابتلاء لم أجد حولي إلا بضع مظلات، ومع ذلك فقد آثرتُ والحمد لله أن أتعرض للفح الشمس وبرد المطر على أن أتغطى بمظلة غيري، ما دمت أستطيع الاستمرار في الحياة.

***********************************

ليس الوطني من يعيش في قلب وطنه، وإنما الذي يعيش وطنُه في قلبه، فقد تجبرك الظروف على مغادرة وطنك لكن حبه لا يزداد إلا تمكنا في قلبك، بينما يعيش بعضهم في عرصات وطنه ويتنعم بخيرات بلاده، لكنهم لا يتورعون عن خيانته والعبث بمقدراته والانحياز إلى المتآمرين عليه!

***********************************

من عجائب عرب هذا الزمان أن العصبية البَينية ما تزال حاضرة، وهي التي عبّر عنها الشاعر ابن ثميل المازني وهو يمدح قومه بقوله:

إذا استُنجِدوا لم يسألوا من دعاهم

                  لأية حرب أو لأي مكان!

وعبّر عنها آخر بقوله:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

      في النائبات على ما قال برهانا

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

          طاروا إليه زرافات ووحدانا!

ولقد بقيت العصبية في عصرنا هذا بين مكوّنات العرب، أما حينما يرتبط الأمر بمواجهة مع طرف خارجي فإن الحَميّة تختفي، حيث تتعرض عدد من البلدان العربية لما يشبه الغزو الخارجي بدون أن يحرك ذلك ساكنا لبقية العرب، بل صار بعضهم يتخندقون مع العدو الخارجي ويملأون له كنائن الحرب بسهام الخيانة؛ نكايةً بأخيهم الذي يختلفون معه في قضية هنا أو ينافسونه على مصلحة هناك!

***********************************

المؤمن الحق ليس ضَنيناً ولا ظنيناً، أي ليس بخيلاً ولا يضع نفسه مواضع التهم!

بارك الرحمن جمعتكم.

***********************************

لقد نجح الأمريكيون بامتياز منذ سنوات عديدة في إيقاظ العداوة الكامنة بين الشيعة والسنة، وها هو الثعلب دونالد ترامب وفريقه الماكر يراوغون بمكر شديد من أجل دفع الذئب الفارسي والضبع الخليجي للاصطدام والاحتراب؛ من أجل أن تضاعف مصانع الأسلحة الأمريكية إنتاجها وتزيد فرص العمل للأمريكيين، وتذهب عوائد النفط الضخمة لتغطية العجز في الميزانية الأمريكية، وتنام إسرائيل في العسل قريرة العين، مقابل تدمير ما تحقّق من تنمية في منطقة الخليج وتشريد الملايين الذين يعملون فيها وإشاعة الفوضى في بلدانها، ذلك أن الطائفية أقوى الأعاصير في إشاعة الدمار وجعل الحدائق الغنّاء يباباً يعج بالأشجار الشوكية والغربان الناعقة!

وسوم: العدد 859