مشكلة مؤتمر الأزهر العالمي : التجديد في الفكر الإسلامي

ز. سانا

الخاطرة ٣٤٧ :

قبل أيام قليلة عقد في القاهرة مؤتمر بعنوان ( تجديد الفكر الإسلامي ) شارك فيه علماء دين من ٤٦ دولة لمناقشة موضوع المؤتمر . (تفاصيل ما طرح في هذا المؤتمر موجودة بالانترنت لمن أراد معرفتها والاطلاع عليها)

ولكن هنا أحاول أن أعرض حقيقة مضمون نتائج هذا المؤتمر . فحسب رأيي أن كل ما تم التعليق عليه في وسائل التواصل الاجتماعي كان مرتبطا بالشكل الظاهري لهذا المؤتمر ومعظم التعليقات لم تتطرق لمضمونه والذي كان يفترض أن يكون الهدف الرئيسي لعقد مثل هذا النوع من المؤتمرات .

الذي سنلاحظه مباشرة من نتائج هذا المؤتمر هو أنه بدلا من أنه حاول خلق مناخ فكري جديد يسمح بنوع من التقارب بين العلمانيين وعلماء الدين حدث العكس تماما ، فمن يتمعن في الآراء التي نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي على ما حصل في هذا المؤتمر سيجد إنقسام الآراء إلى طرفين شبه متعاديين كل طرف يشمت في رأي الطرف الآخر . والسبب في ذلك هو ذلك السجال الحاد الذي دار بين شيخ الأزهر أحمد الطيب مع محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة حول قضية تجديد الخطاب الديني .

والمشكلة هنا أن هذا السجال الحاد دار بين رئيس جامعة القاهرة وشيخ الأزهر ، حيث كل منهما يمثل رمز هام في بناء المجتمع ، فرئيس جامعة القاهرة هو رمز يعبر عن نوعية الثقافة العلمية التي تتحكم في فكر أفراد المجتمع ، فجامعة القاهرة تعتبر من أرقى جامعات الوطن العربي ، وشيخ الأزهر أيضا يمثل نوعية الإعتقاد الديني لأفراد المجتمع الإسلامي، فالأزهر هو المصدر الأول لعلوم وأصول الدين الإسلامي، حيث يأتي إليه طلبة من جميع العالم لتدرس فيه تعاليم الدين الإسلامي. فالأمر ليس بسيطا كما يعتقده الناس وكأنه خلاف بين رجل دين ورجل علماني، ولكن الخلاف هنا هو خلاف بين قادة البناء الفكري للمجتمع .

بداية الخطأ الذي سبب هذا السجال الحاد أتى من محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة ، حيث كانت كلمته التي ألقاها دون دراسة محكمة ودون أن يراعي بعض الأمور التي تعتبر المبادئ الأساسية في علوم الدين ، وبدا وكأنه لا يعلم شيئا عن تأثير آرائه هذه على مشاعر وأحاسيس رجال الدين في مثل هذه الأمور . فعرض هذه الآراء يحتاج إلى ساعات عديدة وحوارات مستمرة لأنها تعتبر مسلمات يتبعها علماء الدين منذ مئات السنين ولا يمكن عرضها خلال عشر دقائق بجمل قصيرة فهي بالنسبة لهم قد أصبحت جزء من الدين نفسه . هذا الخطأ الذي ارتكبه رئيس جامعة القاهرة هو الذي أثار مباشرة استفزاز علماء الدين .

وبدلا من أن يكون رد شيخ الأزهر على هذا الإستفزاز بالأسلوب الذي علمه الله لنبيه في الآية ١٢٨ من سورة النحل (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، نجده يرد عليه برد لاذع جعل من رئيس جامعة القاهرة يشعر بالحرج وهو يرى الكثير من الحضور يصفقون بحرارة لكل جملة يقولها شيخ الأزهر ، حتى وصلت الأمور إلى أن يطلب رئيس الجامعة منه أن يخفف من حدة رده قائلا له ( على مهلك شوية أنا في بيتك) . لا شك أن رئيس الجامعة قد أخطأ ولكن خطأ شيخ الأزهر كان أعظم بكثير لأنه بسلوكه هذا كتب على هذا المؤتمر أن يفشل ، فالذي حدث في الحقيقة أنه بدلا من إعطاء الأهمية لموضوع تجديد الفكر الإسلامي نرى أن موضوع التجديد تحول في وسائل التواصل الاجتماعي على التركيز في حقيقة غرض هذا المؤتمر، هل هو ديني حقا أم سياسي .

من الشيء الطبيعي أن تفشل جميع المؤتمرات من هذا النوع ، لأن عنوان المؤتمر بحد ذاته يحمل بذرة التخلف الفكري . وهذا التخلف نجده في فكر رئيس جامعة القاهرة ، ونجده أيضا في فكر شيخ الأزهر.

ففكر رئيس جامعة القاهرة كما هو واضح في آرائه ، أنه يعتقد أن التخلف الفكري الذي يعاني منه المجتمع العربي سببه هو فقط تخلف تفسير النصوص الدينية التي لا تلائم طبيعة العصر الحديث وأن هذا التخلف هو الذي عرقل الشعوب العربية في اللحاق في الوصول إلى مستوى الدول الغربية. أما شيخ الأزهر فيعتقد أن سبب هذا التخلف هو دخول الكثير من سلوك شعوب الدول الغربية إلى المجتمع العربي والذي أبعد الشباب العربي عن التراث الإسلامي.

ولكن الحقيقة هي أن الإنحطاط الروحي اليوم تعاني منه جميع شعوب العالم . فلا علوم الدول الغربية تستطيع أن تساعد في نهضة الأمة العربية كما يظن رئيس جامعة القاهرة، ولا التراث الإسلامي أيضا قادر على مساعدة نهضة الأمة . فللأسف لا رئيس جامعة القاهرة الذي تخصصه عقيدة وفلسفة ، ولا شيخ الأزهر ، يعلمان أن سنة الله في تطور الفكر الإنساني قد وضعها على مراحل وأن الإنسانية منذ زمن بداية عصر الأهرامات وحتى الحضارة الإسلامية كانت تعيش مرحلة الطفولة وأن حضارة عصر النهضة هي مرحلة المراهقة وأن الإنسانية في العصر الحديث قد دخلت إلى مرحلة جديدة مختلفة نهائيا عن جميع المراحل الماضية لأنها دخلت مرحلة سن الرشد .

للأسف لا رئيس جامعة القاهرة ولا شيخ الأزهر وضعا في حسابهما الوضع المخيف الذي تعيشه الأمة العربية كقاعدة ليتم عليها بناء فكرة تجديد الفكر الإسلامي . فإذا تمعنا اليوم في وضع الأمة الإسلامية بشكل عام وفي وضع الأمة العربية بشكل خاص سنجد أن الأمة العربية التي هي مركز الإسلام في وضع يُرثى لها . سنجد أن الدول العربية قد إنقسمت إلى عدة كتل وكل كتلة تابعة سياسيا واقتصاديا لدول عظمى مختلفة ، فتحولت إلى ما يشبه ( الأخوة الأعداء) . الملايين من العرب المسلمين وغير المسلمين اضطروا إلى الهجرة نحو دول غير مسلمة بسبب الحروب الداخلية وبسبب سوء الحالة الإقصادية ، فاليوم نجد في كثير من البلدان العربية أن الراتب الشهري للعامل أو الموظف يعادل اقل من الأجرة اليومية التي يتقاضاها عامل ألماني او عامل سويدي ، رغم أن الفرق في أسعار المواد الغذائية هو فرق بسيط . المواطن العربي اليوم في كثير من الدول العربية أصبح يشعر بأنه أتعس خلق الله وكأن لعنة إلهية قد أصابته . المواطن الفلسطيني الذي كان يحلم يوما بتحرير بلاده والعودة إليها ، الآن وهو يرى ما يحصل في الكثير من الدول العربية أصبح يعلم تماما بأن حلمه هذا مثل (حلم إبليس بالجنة) ، حتى أن الحكومة الفلسطينية باتت تعلم تماما بأن مواجهة إسرائيل عسكريا أصبح من المستحيلات ، لهذا اضطرت منذ سنوات إلى إعلان شعار السلام لتبدأ بالمفاوضات السياسية مع الحكومة الاسرائيلية .

هل العرب هم أغبى شعوب العالم ليصل وضعهم إلى أسفل السافلين بين الأمم ، طبعا لا ، ولكن الله عز وجل يقول في الآية ١١ من سورة الرعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم) . للأسف الفكر العربي يعاني من التخلف منذ أكثر من ٧٠٠ عام بسبب سيطرة الإسلام السياسي على شعوبه ، لهذا كان من الطبيعي أن يزداد وضع المجتمع العربي سوء في الفترة الأخيرة ، لأن الشعوب العربية لم تحاول تجديد دورها كأمة عربية إسلامية ووفي الفترة الأخيرة إعتمدت في تجديد فكرها على الفكر الغربي الحديث ، ولم يعلم المفكرون العرب أن الفكر الغربي نفسه يعاني من إنحطاط روحي ، وأن كل ما يبهر أعيننا اليوم من إيجابيات في الدول الغربية هو نتيجة عصر النهضة وليس آراء ونظريات العصر الحديث . وأن هذه الدول التي نعتقد أنها دول متقدمة ديمقراطية هي في الحقيقة أيضا دول متخلفة ، ولكن الفرق هو أن حكومات هذه الدول تنهب شعوب الدول النامية لترفع من مستوى المعيشة لأفراد شعبها ، بينما الدول العربية تنهب شعبها ، فعمليات النصب والإحتيال هي واحدة في جميع دول العالم ، ولكن الفرق هو أن أفراد شعوب الدول الغربية تهتم ببعضها البعض ، أما أفراد شعوب الدول العربية فكل شخص يهتم بنفسه وبأفراد عائلته فقط ، والسبب أنهم لم يأخذوا من حضارة عصر النهضة أي شيء ، بسبب كونها حضارة غير مسلمة . فالمشكلة في تخلف الفكر الإسلامي أصله في فكر علماء الدين الإسلامي الذين بتعصبهم الديني قد فصلوا فكريا الأمة العربية عن جميع الأمم ، وكأن جميع الأمم الأخرى في نظرهم هي أمم كافرة أو من الضالين . لهذا هجرهم الله لتصل الشعوب العربية إلى هذا الوضع الذي يُرثى له .

الحديث الشريف يقول ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) ، إذا تمعنا في كتب التراث سنجد أنه منذ سبعة قرون وعلماء الدين يأخذون من علماء السلف بشكل حرفي بدون أي تجديد وكأن علماء السلف قد وضعوا قاعدة كاملة لكل ما تحتاجه الأمة الإسلامية ولا يجوز إضافة أي شيء عليه ، سبعة قرون من الزمن وعلماء المسلمين يرددون كالببغاء ما كتبه علماء السلف .

القانون الكوني الإلهي يقول الروح هي أصل كل شيء ، والدين هو روح المجتمع ، الأمة الإسلامية منذ سبعة قرون لم تلد عالم واحد ساهم في تطوير العلوم ( طب ، هندسة ، فيزياء ، كيمياء، فلسفة ..الخ) والسبب هو أن دين الإسلام كما وصل إليه في هذه الفترة الزمنية كان بلا روح ، والقانون الكوني الإلهي يقول عندما تتوقف الروح عن التجدد تخسر قوتها الإبداعية . الله عز وجل يرسل مرشد كل مائة عام ليجدد الروح ، وتجديد الروح يتعلق بروح الإنسانية بأكملها وليس فقط روح الأمة الإسلامية . ففي الفترة نفسها التي كان فيها العرب يرددون شعار تحرير فلسطين ( سنلقي اليهود في البحر) ، كان مهاتما غاندي الهندي يرفع شعار ( المقاومة السلمية هي سلاح الشجعان) ، غاندي حاول تجديد مفهوم الثورة ولهذا استطاع تحقيق استقلال بلاده من أقوى دولة عظمى في تلك الفترة بأفضل طريقة تضمن مصالح الشعبين ، بينما العرب اعتمدوا الطريقة القديمة لهذا لم يستطيعوا حتى الآن تحرير فلسطين من الإسرائيلين الذين عددهم أقل من عدد سكان دولة عربية واحدة صغيرة . قد يعارض البعض ويقول أن إسرائيل تساعدها دول عظمى ، والرد على هذا الإفتراض هو : لماذا هذه الدول تساعد اسرائيل ولا تساعد العرب ، فهذه الدول ذات ديانة مختلفة عن ديانة اسرائيل وديانة العرب . قد يعترض آخر ويقول بأن هذه الدول تخشى من توحد الشعوب العربية فتتحول إلى قوة عظمى ، نعم هذا صحيح وهم لا يريدون ذلك لأنهم يعلمون تماما بأن أول ما سيقوم به العرب إذا تحولت الأمة العربية إلى دولة عظمى هو فرض نشر الدين الإسلامي على كل دولة محيطة بها ، بينما جميع شعوب العالم ترفض تغيير دينها ، لهذا يريدون أن تبقى الأمة العربية تتألف من دول ضعيفة غير قادرة على حماية نفسها . ولهذا أيضا جميع دول العالم لا تتمنى أن تتحول الدول العربية إلى دولة عظمى فأكبر مشكلة تعاني منها الأمة العربية هي التعصب الديني . فمعظم المسلمين يعتقدون أن الإسلام هو فقط دين الحق ، وأن بقية الأديان على ضلال ، فهناك حديث في صحيح مسلم يقول ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". علماء الدين يؤمنون تماما بصحة هذا الحديث ، هل من المعقول أن يكون هذا الحديث صحيحا ؟ كيف يقبل علماء الدين بصحة هذا الحديث ، والذي يعارض الآية القرآنية (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، هذا الحديث هو تهديد وليس موعظة حسنة ، والله يقول لنبيه ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الله فقط هو الذي يعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار . أين الرحمة التي توصف بها أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهذا الحديث يسيء إلى أخلاق وشخصية الرسول . الدين الإسلامي لم يصل إلى العديد من شعوب العالم ، ونسبة المسلمين حتى الآن لا تتجاوز ثلث سكان الأرض ، فإذا كان هذا الحديث صحيحا فهذا يعني إما أن الله لم يخلق الإنسان في أحسن تقويم ، ولهذا بقية الشعوب لم تشعر بعظمة هذا الدين ، وإما أن الله ليس له القدرة على إقناع هذه الشعوب (حاشى الله ذلك في كلا الحالتين) ، فما ذنب عشرات المليارات من البشر الذين عاشوا منذ ظهور الإسلام وحتى الآن وسمعوا عن النبي أشياء قليلة ولم يدخلوا في الإسلام ليتم عقابهم بنار جهنم . هذا الحديث أيضا يعارض مبادئ علم النفس في تأثير البيئة الإجتماعية على سلوك ومعتقدات البشرية فأهل قريش لم يقبلوا بدين الإسلام رغم أنهم كانوا يعرفون النبي تماما فكيف سيقبل به من سمع اسمه فقط ، إن الإنسان ومنذ ولادته يكتسب في عقله الباطني معلومات عديدة تحدد سلوكه وطبيعة فكره ومن الصعب جدا أن يتم حذفها أو تغييرها هكذا فجأة . هذا الحديث أيضا يعارض الأحداث التاريخية ، فلو أراد الله عز وجل أن تتحول ديانات جميع شعوب العالم إلى الدين الإسلامي لكان الله قد سخر كل شيء للجيوش الإسلامية في فتح القسطنطينية في زمن الدولة الأموية ، ولكنه فعل العكس تماما فسخر للأمة المسيحية كل شيء لتمنع المسلمين من دخول أوروبا لأن مدينة القسطنطينية كانت بوابة أوروبا ، فكانت النتيجة أن ضحايا الجيوش الإسلامية وصل إلى ربع مليون شهيد سقطوا على أطراف مدينة قسطنطينة ومعظمهم مات بسبب الثلوج والصقيع والرياح الشديدة والمرض. فلو أن الجيوش الإسلامية إستطاعت فتح مدينة القسطنطينة في تلك الفترة لكانت القارة الأوروبية بأكملها قد اعتنقت الإسلام ولكانت معظم شعوب العالم اليوم تعتنق الإسلام.

فالتعصب الديني عند المسلمين الذي جعلهم يعتقدون أنهم هم فقط شعب الله المختار ، هو السبب الرئيسي لجميع مشاكل الامة العربية ، حيث وصل هذا التعصب الديني إلى مستوى دفع المسلمين بدلا من تعاونهم مع بعضهم لرفع مكانة الأمة الإسلامية بين الأمم الأخرى ، إلى نمو التعصب المذهبي والذي أدى إلى نشوء عداوة بين المذاهب أشد من العداوة بين المسلمين وبقية الأديان ، حتى وصلت الأمور بهم للقيام بالمجازر بشكل جعلت بعضهم اليوم يعتقد أن الشعب الإسرائيلي كان أرحم مع الفلسطينين من الكثير من المسلمين بما فعلوه ببعضهم البعض . ولهذا السبب الأمم المتحدة اليوم لا تتدخل بشكل حاسم لوقف الحروب الداخلية التي تعاني منها الكثير من الدول العربية رغم أنه أمر سهل عليها ، وكأن هذه الأمم بسلوكها هذا تريد من المسلمين أن ينظروا إلى أنفسهم ليقتنعوا بأن دينهم ليس أفضل من أديان بقية الأمم . وإذا تمعنا جيدا فيما يحدث في الكثير من الدول العربية نجد أن الأحزاب الإسلامية بدلا من أن تساعد في تنمية الدول العربية نجدها قد لعبت دور كبير في تمزيق الوحدة الوطنية حتى وصلت الأمور بها أن تجعل شعوب الدول العربية ترفض بشكل قطعي وصولها إلى الحكم رغم أن معظم حكومات الدول العربية هي حكومات فاسدة .

إن تجديد الفكر الديني لا يمكن أن يحصل إلا بوضع مادة جديدة في المدارس الإعدادية والثانوية يتم فيها تدريس جميع الأديان العالمية إلى جانب مادة الديانة الإسلامية ، بحيث في هذه المادة تكون مواضيع كل ديانة يكتبها شخص متخصص في هذه الديانة ، حتى يشعر كل طالب منذ صغره بالفخر بدينه الإسلامي ولكن في الوقت نفسه يحترم الأديان الأخرى ، فللأسف معظم المسلمين لا يعرفون شيئا عن بقية الأديان ويظنون أنها ديانات كافرة أو ضالة فينمو بداخلهم التعصب الديني دون أن يعلموا ، هذا التعصب الديني وبسبب بعض الظروف يتحول شيء فشيء إلى تعصب مذهبي و الذي يساعد في تمزيق وحدة الشعب ، فمن يتمعن جيدا في طبيعة سلوك أفراد المجتمع ، يجد أن المسلمين الذين يعيشون بجانب المسيحيين مثلا في الحي أو المنطقة يشعرون بنوع من الإحترام لهم كونهم يعرفونهم جيدا ويشاهدون فيهم الأخلاق الحميدة التي أتت من إيمانهم بدينهم ، أما المسلمون الذين يعيشون بعيدا عنهم ولا يعرفون شيئا عن المسيحية يكون شعورهم نحو المسيحيين أقرب إلى الكراهية بسبب تعصبهم الديني الذي اكتسبوه من دروس الديانة . و الشيء نفسه تماما ينطبق على المذاهب المختلفة ، فعلاقة الإحترام بين الأديان والمذاهب لا يمكن أن تتم إلا بمعرفة حقيقة الأديان والمذاهب الأخرى .

معظم مقالاتي في صفحتي (عين الروح) هدفها تجديد الفكر الديني ، فهي توحد الدين مع جميع العلوم الأخرى ، وكذلك تشرح إيجابيات بقية الأديان ودورها في مراحل تطور الروح الإنسانية ، وهي تعتمد على مبدأ أن الإنسانية بأكملها عائلة واحدة وأن الله وزع حكمته على جميع الشعوب فحتى نصل إلى جميع أجزاء هذه الحكمة يجب على جميع الأمم أن تتعاون مع بعضها البعض ، فالله عز وجل يقول في سورة الحجرات {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} . فكلمة (إسلام) المذكورة في القرآن والتي يصف بها ديانة جميع الأنبياء ، ليس المقصود بها دين محمد صلى الله عليه وسلم فقط ، فمعنى كلمة (إسلام) هو الخضوع لله وأوامره. ولكن هذه الكلمة مصدرها الحقيقي هو كلمة (السلم) على وزن كلمة ( إعلام) التي مصدرها (علم) ، فالسلام هو القاعدة الحقيقة لهذا الدين ، وجميع الديانات العالمية تعاليمها تقوم على الخضوع لله وعلى تنمية السلام ، وإذا كانت هذه الديانات قد تم تشويهها بعض الشيء ، فنفس الأمر قد حدث أيضا في فهم الدين الإسلامي أيضا ، ولا يمكن التجديد في الفكر الديني لجميع هذه الديانات لتعود إلى حقيقتها كما أنزلها الله إلا من خلال تعاون هذه الديانات مع بعضها البعض لتستطيع الإنسانية بأكملها الخروج من هذا الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه في عصرنا الحاضر . فولادة ظاهرة ( الطفل المجرم) التي لم تعرفها الإنسانية من قبل سوى في عصرنا الحديث هي رمز له معنى أن روح السوء العالمية قد وصلت إلى مستوى يسمح لها بتشويه الفطرة الإلهية التي وضعها الله في كل مولود، وهذا يعني أن جميع الأديان تسير اليوم في طريق خاطئ ويجب على الجميع التعاون في حماية هذه الفطرة لتبقى نقية ولتنمو داخل الإنسان حتى وصوله لسن الرشد ليستطيع أن يساعد في بناء المجتمعات الإنسانية . فالأطفال هم المستقبل ، ومستقبل أطفال العصر الحديث إذا لم يتم حمايتهم سيؤدي إلى تحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع حيواني يفني بعضه البعض . والله أعلم .

وسوم: العدد 863