خواطر فؤاد البنا882

أ.د. فؤاد البنا

الفساد في تعز:

تترعرع في تعز صور متعددة من الفساد والفوضى والمحسوبية، والمصيبة أن طائفة من الشرفاء صامتون، وليعلم هؤلاء أن السكوت على أوغاد الفوضى وحثالات الفساد سيزيد الأوضاع سوءً وسيدفع الجميع الثمن، وفي الشريعة الإسلامية لا يكفي أن تكون شريفاً بل لابد أن تقف مع الشرفاء في صف واحد وأن تحارب اللصوص بمنتهى قدراتك، كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، وما لم يفعل الصامتون ذلك، وهم كثيرون، فسيندمون ولات حين مندم، هذا في الوضع الطبيعي، فكيف وتعز تتعرض لتربص خطير من دوائر متعددة؟!

***********************************

كم يضيق صدري ولا ينطلق لساني؛ حينما يسألني أحدُهم سؤالا لا ينبني عليه عمل أو أقرأ اختلافات ونقاشات حامية الوطيس في قضايا غير ذات صلة بالواقع المعاش، ففطرتي تأبى التكلف عموماً ولا أحب إقحام العقل في القضايا الغيبية، ويزداد حنقي حينما أرى الواقع يعج بالتحديات ويزدحم بالأزمات، ويأبى بعضنا بحسن نية إلا أن يستدعي قضايا عصور الترف العلمي، بل ويقيم عليه ولاء وبراء يزيد فيه من حالة الغثائية التي تعيشها أمّة الفاعلية والشهود الحضاري!

***********************************

يقول المجلس الانتقالي في عدن بأنه استولى على سقطرة بقوة السلاح ليطبق فيها الحكم الذاتي، مثل المناطق التي يسيطر عليها في الجنوب اليمني. حسناً ما فتئ قادة الانتقالي يُكررون بأنهم لا يعترفون بالحكومة الشرعية للجمهورية اليمنية، فأي حكومة يتبعون إذاً في حكمهم الذاتي؟!..كل الأدلة والقرائن تقول بأنهم يتبعون أبوظبي وأن حاكمهم المحلي هو المندوب السامي الإماراتي في عدن، فهل هناك خيانة أعظم من أن يبيع أحد وطنه مقابل فلة في أبوظبي أو شقة في دبي، تقبع أسرته فيها رهينة حتى لا يخرج عن الخط المرسوم؟!

***********************************

منذ الاندفاع الشديد لأمواج الأوجاع على مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة وآخرها ما هو متصل بكورونا، وأنا ألحظ في وسائل التواصل الاجتماعي تدفق تيارات من الإحباط والقنوط وتسيّد لثقافة الموت. فإلى كل الأحبة أوجّه ندائي فأقول: واجِهوا حشرجات الموت بأنفاس الحياة، صُدّوا كتائب الأوبئة بألوية الوقاية، قاوموا أمواج الألم بقوارب الأمل، فإن رسولنا قد أمرنا بأن نغرس الفسائل عند قيام الساعة، فكيف والأرض ما تزال تزخر بأسباب التقدم وعوامل الحياة؟!

***********************************

جاء في القرآن الكريم بأن من دعاء المؤمنين: {واجعلنا للمتقين إماماً}، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من فقه القرآن وأعظم من طبّقه في ذاته وفي تربيته لأمته، فقد أجاد صلى الله عليه وسلم تربية الرجال وصناعة القادة، حيث جعل من صحابته عمالقة في سائر القيم التي تصنع الحضارة، وصنع من كثير منهم أئمة في مختلف العلوم وشتى حقول الحياة، وعلى سبيل المثال فقد جعل من أبي بكر إماماً متفوقاً في سائر شُعَب الإيمان حتى صار صدّيقاً، وجعل من عمر إماما في الشجاعة والإباء والصدع بكلمة الحق حتى صار فاروقاً. وبالمثل فقد جعل من عثمان إماما في الحياء والكرم، ومن علي إماما في العلم والتواضع، ومن أبي عبيدة إماما في الزهد والأمانة، ومن معاذ إماما في الحلال والحرام، ومن أبي الدرداء إماما في الحكمة والفصاحة، ومن أبي ذر إماما في الصدق والصدع بكلمة الحق، ومن أبي بن كعب إماما في القضاء وقراءة القرآن، ومن خالد إماما في العسكرية وتنظيم الجيوش، ومن حسّان إماما في البيان والشعر، ومن ثابت بن شماس إماما في الخطابة والفصاحة، ومن حذيفة بن اليمان إماما في الانضباط والالتزام بالسرية، وهكذا.

***********************************

الخيال هو إحدى القوى السبع الثاوية في العقل، ويساعد الخيال على ملئ الفراغات والفجوات الموجودة في المعرفة المكتسبة، وفي أحضانه يتشكّل المستقبل المأمول، ومن ثم فإنه يُمثل ثروة هائلة عند الفلاسفة والشعراء والروائيين والرسامين، بل وعند من يعرف قيمته من العلماء الطبيعيين، مثل ألبرت أينشتاين الذي عَدّ "الخيال أهم من المعرفة"، ومن المبدعين الرياضيين كالملاكم الشهير محمد علي كلاي الذي قال: "الرجل الذي ليس لديه خيال ليست لديه أجنحة"!

***********************************

تعاني أمتنا من هزائم ثقيلة ومتنوعة في هذا العصر، مما أورث الكثير من أبنائها  العديد من العُقَد والآفات النفسية. وفي السنوات القليلة الماضية تضاعفت مآسي المسلمين بشكل مخيف؛ مما أدى إلى ارتماء بعضهم في مستنقع اليأس والقنوط. وقد أصاب الإحباط بعض العقلاء بعدد من العلل النفسية، ووصل الحال ببعضهم إلى حد الهجرة من الحاضر إلى الماضي، فقد رأينا مجاميع تعيش في الماضي وتتفاعل مع أحداثه كأنه حاضر، لدرجة أني رأيت عقلاء يحتفلون بمناسبة فوز أرطغرل في معركة ما مع أعدائه، ويُغيضون خصومهم بهذا النصر، ورأيتهم يبتهجون بزواج عثمان بن أرطغرل ممن يحب بل ويرسلون له التهنئة والدعاء بالرفاه والبنين، وربما انتظروا مجيء أولاده الذين سيَحلّون مشاكل المسلمين في عصرنا، بعد أن ظلوا عقودا وهم ينادون صلاح الدين الأيوبي للعودة من جديد ولكن  بدون فائدة!

***********************************

كانت الأنظمة العربية تحكم على السجناء الأحرار بالأشغال الشاقة، أما الآن فها هي تُوسِّع مساحات الفقر وسط شعوبها بطريقة ممنهجة أو عشوائية؛ من أجل أن يمنع الجوعُ الشعوبَ من التفكير بالحرية والتطلع نحو الكرامة، وكما قال مارسيل جوهاندو: (الفقر جريمة والدليل أن عقابه الأشغال الشاقة)، وها نحن نرى أغلب شعوبنا تعاني من ويلات الأشغال الشاقة بسبب الفقر المدقع الذي زاد بعد ثورات الربيع العربي، عقاباً للشعوب التي ضُبطت وهي متلبسة بالتطلع نحو الكرامة والحرية!

***********************************

من المعلوم أن اجترار ذات المقدمات يؤدي إلى تكرار نفس النتائج، وما يزال حاضرنا يَعجّ بذات مآسي الماضي؛ لأننا نكرر نفس المقدمات الخاطئة، ومن أجل مغادرة هذا المربع لا بد أن نأخذ من عبرة الماضي ترياقاً نعالج به فتوق حاضرنا، ونجعل منه بلسماً نداوي به جراحنا المزمنة.

وسوم: العدد 882