النبي يوسف وعلاقته بهاروت وماروت

ز. سانا

1

يقول الله تعالى : ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) البقرة﴾ .

الكثير من المفسرين يستخدمون هذه الآية في إثبات صحة حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن في الحقيقة أن هذه الآية تساعدنا على فهم المعنى الحقيقي للسحر كما هو مذكور في القرآن الكريم والذي تكلمنا عنه في المقالتين السابقتين ، فالسحر بمعناه الحقيقي هو تلك العمليات التي يُستخدم بها الخداع البصري وألعاب خفة اليد ليُخيل للناس أشياء تحصل أمام أعينهم رغم عدم حصولها ، فالسحر ليس له علاقة بمفهومه الشائع الذي يعتمد التعاون مع الجن والشياطين للقيام بأعمال خارقة أو إكتساب مقدرة يمكن بها السيطرة على سلوك الآخرين وتحديد مصيرهم عن بعد .

إذا تمعنا في تفسيرات العلماء المسلمين لهذه الآية سنجد لها تفسيرات عديدة مختلفة وفي الكثير من الأحيان تناقض بعضها البعض بسبب إختلاف قراءتها . فبعضهم قرأ كلمة (الملكين) بنصبها (المَلَكين) فجعلها من الملائكة ، فقالوا أنهما جبريل وميكائيل ، ومنهم من قرأها بكسرها (المَلِكين) فجعلها من الملوك فقالوا أنهما داود وسليمان . ومنهم من قرأ (وَمَا أُنْزِلَ) على أن (ما) هنا موصولية والمقصود بالآية هو السحر الذي أُنزل على الملكين أيضا ، ومنهم من قرأها على أنها (ما) نافية ، أي أن الذي أُنزل على الملكين هو شيء آخر غير السحر . وبعضهم اعتمد على الاسرائيليات فدمجها بقصة (أبناء الله) المذكورة في الإصحاح السادس من سفر التكوين ، فخرجوا بتفسيرات خرافية تناقض مبدأ القرآن في عصمة الملائكة. ومنها هذا التفسير ( أن الله أنزل الملاكين هاروت وماروت وهما من أصلح الملائكة إلى الأرض ووضع فيهما الشهوة، فكانا يحكمان بين الناس بالحق في النهار ويصعدان للسماء بالليل، حتى جاءتهما امرأة جميلة من فارس ففتنا بها وحكما لها، بل عبدا الصنم حبًا فيها، وعندما رغبا في الصعود للسماء لم تطاوعهما أجنحتهما، فتوجها للنبي أدريس ليشفع فخيّرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا وهما للآن معلقان من شعورهما في بابل حتى قيام الساعة).

المشكلة في سبب اختلاف هذه التفسيرات المتعددة لهذه الآية هو عدم وجود حديث صحيح يمكن أن يساعد في البحث فيها ، عدا عن ذلك أن الاسمين (هاروت وماروت) لا وجود لهما في نصوص الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية ، لهذا بعض المفسرين اعتمدوا النصوص التي تذكر قصة الملائكة الساقطة المذكورة في بعض الأسفار أبوكريفا (الغير معترف بها) منها (سفر أخنوخ الأثيوبي) ، وآخرين اعتمدوا على التلمود واعتبروا أن المَلكين هما (شمحزاي وعزائيل) المذكورين في الفصل /٤٧/ في (مدراش يَلْكوت) هما هاروت وماروت ففسروها بناء على قصة هذين الملكين ، ولكن تفسيراتهم هذه لم يتقبلها بقية المفسرين . لهذا ظلت هذه الآية حتى يومنا هذا من أشد آيات القرآن الكريم غموضا رغم أن العديد من العلماء المسلمين  يستخدمون معناها الظاهري كدليل على وجود السحر وعلى صحة الحديث الباطل عن سحر الرسول .

أما العلماء الغير مسلمين أو الملحدون فيستخدمون هذه الآية كدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتبس قصة هاروت وماروت من الديانات الوثنية ظاناً أنها قصة من التوراة ، فهناك أسماء آلهة في الديانة الزرادشتية مشابهة للإسمين .

في الحقيقة أن الحكمة الإلهية في تطور الشعوب الروحي والمادي وضعت الأمور بتسلسل تدريجي بحيث كل أمة تساهم في تطوير نوع معين من المعارف والعلوم لفهم حقيقة الأشياء والأحداث بحسب حاجة كل عصر من العصور . ولكن الذي حصل في الفترة الأخيرة أنه بدلا من أن تتعاون شعوب العالم مع بعضها البعض في توحيد تراثها ومعارفها لتحصل على رؤية شاملة لفهم الأشياء والأحداث لتتابع تطورها في الإتجاه الصحيح ، حدث نوع من التشويه في طريقة توحيد هذه المعارف ، فبسبب الإنحطاط الروحي الذي أدى إلى ظهور التعصب بأنواعه المختلفة ، حدث توحيد فقط في المعارف المادية أما في المعارف الروحية فحدث العكس تماما ، إنفصال تام بين العلوم المادية والعلوم الروحية ، مما أدى إلى تنمية العداوة والبغضاء ليس فقط بين أتباع الديانات ولكن بين أتباع المذاهب المختلفة التي تنتمي إلى دين واحد .

إذا تمعنا في الآية القرآنية فأول ما نلاحظه أنها تبدأ بحرف الواو (وَاتَّبَعُوا) ، أي أن الآية متصلة بالآية التي تسبقها وهي {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٠١)} . والمقصود بها هو ظهور الدين الإسلامي آخر الديانات السماوية ، الذي نفر منه بعض اليهود . فكلمة (إسلام) مصدرها (سِلم) أي أنه دين يعتمد مبدأ السلام ، لهذا تذكر الآية التي بعدها النبي (سليمان) عليه الصلاة والسلام ، فهذا الاسم له نفس المعنى (رجل السلام) في اللغة العبرية . فحتى نستطيع فهم معاني هذه الآية يجب أن نضع مبدأ السلام كقاعدة يتم عليها تفسير جميع رموز هذه الآية .

جميع علماء المسلمين وغير المسلمين حتى الآن فسروا الآيات المذكورة في القرآن الكريم التي تذكر أسم (سليمان) بأن سليمان هنا المقصود به هو فقط سليمان ابن داود عليهما الصلاة والسلام، فهذا المعنى هو المعنى الظاهري للإسم ، ولكن في الحقيقة أن النبي سليمان ابن داوود بعلومه ومقدراته هو صورة مصغرة عن النبي يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أسمه المصري هو (امحوتب) ويعني في اللغة المصرية القديمة (الذي أتى في سلام) ويحمل نفس معنى أسم سليمان ، فالمعنى العام للآية المراد منه هو النبي يوسف ابن يعقوب وليس سليمان بن داوود . فإذا تمعنا جيدا في قصة سليمان كما هي مذكورة في سفر ملوك الأول وسفر أخبار الأيام الثاني ، سنجد أن شخصية سليمان ابن داوود لا تنطبق عليها تلك الصفات العظيمة المذكورة في القرآن . فسليمان المذكور في العهد القديم لم يقم بأي عمل خارق للعادة يجعل منه أسطورة في تراث الشعوب . فالفترة الزمنية التي عاشها سليمان ابن داوود (القرن العاشر قبل الميلاد) هي فترة خالية تماما من الألغاز والأحداث التاريخية الغامضة مثلها مثل بقية الفترات الزمنية ، حيث لا نجد أي أثر تاريخي غامض يمكن اعتباره معجزة انسانية يعجز العقل عن فهمها لا في منطقة فلسطين ولا في جميع المناطق المحيطة بها . حتى أن أسم سليمان لم يُذكر في أي قطعة أثرية في هذه المناطق تدل على وجود ملك عظيم يُسمى سليمان . فجميع ملوك هذه المنطقة لهم آثار تاريخية تدل على وجودهم وتروي عنهم بعض الأحداث من حياتهم سواء كانت هذه الأثريات في بلادهم أو في بلاد أخرى المجاورة تم التعاون معها أو حدث بينها معارك . ولهذا نجد بعض علماء الآثار يعتقدون تماما بأن (سليمان) المذكورة في النصوص الدينية إما أنه شخصية خيالية لا وجود له في الواقع ، أو أنه - إذا كان موجود فعلا - لم يكن ملك دولة مثل بقية الملوك ولكن مجرد زعيم عشيرة بسيطة لم يكن لها أي تأثير على المنطقة أو على مصالح ملوك دول المنطقة ، ولهذا لم يعلم أحد منهم به أو لم يهتم به لأن وجوده وعدم وجوده لم يشكل أي خطرا عليهم .

أما النبي يوسف (امحوتب) فتنطبق عليه جميع تلك الصفات العظيمة المذكورة عن سليمان في النصوص الدينية ، فهو مؤسس عصر الأهرامات الذي عجزت العلوم الحديثة في فك أسرارها الغامضة . حيث أصبحت بلاد مصر فجأة في تلك الفترة من أقوى وأغنى وأرقى الدول  من الناحية الاجتماعية والإقتصادية والعلمية في جميع مناطق العالم . فعصر الأهرامات في مصر يُعتبر بداية ظهور الحضارات الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى (حضارة) . فعصر الأهرامات هو رمز مرحلة ولادة الإنسانية لتبدأ تطورها الحضاري كمجتمع إنساني روحي مختلف نهائيا عن المجتمعات الحيوانية المادية .

حتى نفهم علاقة النبي يوسف بالآية التي نتحدث عنها ، لا بد من شرح رمز كلمة (بابل) المذكورة في الآية ، فكلمة بابل في اللغة العبرية لها معنيين متناقضين ، المعنى الأول مصدره من كلمة (بلبلة) والتي تشرح بشكل رمزي ما حدث بعد مئات السنين من طوفان نوح ، فكما يذكر سفر التكوين في الإصحاح /١١/ عن قصة برج بابل أن الناس كانوا يتكلمون لغة واحدة ، فحاولوا بناء برج من طوب اللبن بدل الحجارة رأسه في السماء ، فبناء هذا البرج لم يكن بنية خير ولكن بنية سوء ، فهذا البرج كان بمثابة مكان يهربوا إليه من الطوفان إذا ما حاول الله إهلاكهم بسبب خطاياهم ، وهو أيضا نوع من تحدي لله والشعور بالغرور بأنهم عظماء يستطيعون أن يفعلوا ما تشتهيه أنفسهم  . فكان مصيرهم أن الله جعلهم يتكلمون لغات مختلفة لا يفهم بعضهم على بعض وشتتهم في بقاع الأرض " ٩- لذلك دعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض " . 

المعنى الثاني لكلمة بابل هو (باب الله) ، وهذا المعنى معاكس تماما للمعنى الاول وهو  ينطبق تماما على ما فعله النبي يوسف في مصر ، فالنبي يوسف أيضا بنى برج (إهرام سوزير المدرج) من حجارة له أربعة جوانب كرمز لتوحيد جميع الجهات الأربعة ليكون بمثابة سلم يوحد معارف شعوب العالم لتسلك طريقا صالحا يرضي الله و يصعد بفكرهم وإيمانهم نحو السماء ليُقربهم منه ، وهذا السلم تم ذكره في الاصحاح ٢٨ من سفر التكوين عندما خرج يعقوب إلى حاران هاربا من أخيه عيسى الذي أراد قتله (١٢ - وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. ١٣ - وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. ١٤ - وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ) . فهذا الحلم حققه ابنه يوسف ، والهرم الذي بناه كان رمز (باب الله) وهو يُعبر عن توحيد لغات العالم ، والمقصود باللغة هنا المعارف المتنوعة التي وزعها الله على شعوب العالم لتساعدهم في تطورهم الروحي والمادي والتي حاول أهل مدينة بابل استخدامها في تحدي الله . هذه المعارف والعلوم المتنوعة ذكرها الله بشكل رمزي في سفر التكوين والقرآن أيضا ، في الاصحاح /٣٧/ من سفر التكوين ذكرها كرمز وهو (قميص يوسف الملون) فقميص يوسف ذو الألوان العديدة هي بمثابة العلوم المتنوعة التي أنعم الله بها على نبيه يوسف والتي جعلت أخوته يشعرون بالغيرة نحوه . وفي القرآن الكريم أيضا في سورة يوسف تم ذكر رمز آخر في الآية /٦٧/ على لسان يعقوب (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فالمقصود من كل باب في هذه الآية هو نوع معين من المعارف ، فالذي سيصل إلى معرفة يوسف يجب عليه أن يدخل من جميع أبواب العلوم ، . والحكمة الإلهية وضعت هذا المعنى في اسم (يوسف) ، فالقيمة الرقمية في الكابالا اليونانية لأسم (يوسف) هو الرقم (١٥١٨) ، وهو نفس القيمة الرقمية في الكابالا العربية لعبارة (ابن يعقوب) أي يوسف ، فهذا العدد يتألف من قسمين : (١٨) وهو رمز روح الله ، والثاني هو (١٥) حيث الرقم (٥) هو رمز (عين) ، والرقم (١) هو رمز الحاجب ، فمعنى الرمز (١٥١٨) هو عين الله. أما في الكابالا اليونانية فيعني (نورالله) . وقد تكلمنا عن هذه الرموز بشكل مفصل في مقالات ماضية . 

يوسف عليه الصلاة والسلام بعلومه المتنوعة استطاع أن يتحول من عبد يخدم سيده الغني إلى وزير يتحكم بجميع أملاك وأمور الدولة ليستخدمها في تأمين مصالح جميع أفراد الشعب . حيث استطاع بعلومه هذه أن ينهض بالبلاد المصرية ليحولها إلى أجمل وأغنى وأقوى دول العالم تستطيع مواجهة المجاعة الشديدة التي حصلت بسبب سنوات العجاف . لهذا كان ما فعله يوسف بالنسبة للشعب المصري بمثابة معجزة خارقة لم ترى الإنسانية مثلها من قبل . فعلوم يوسف المتنوعة هي التي صنعت حضارة عصر الأهرامات والتي آثارها حتى الآن لا يزال يعجز العلم الحديث عن تفسيرها . لهذا بعد وفاة يوسف بقرون عديدة تحولت قصة يوسف إلى اسطورة يتدوالها الناس فيما بينهم ، فظن بعضهم أن يوسف قد هبط من السماء وأن علومه الخارقة جاءت من كائنات سماوية وسموها بعلوم السحر . فحاول بعضهم عن طريق خداع الناس والألعاب الخفية بإقناعهم بأنهم هم أيضا لهم إتصال بهذه الكائنات السماوية وأنهم يملكون مثل هذا العلم ، فبدأ السحر يتطور بالتدريج في مصر مع مرور الزمن ليستخدمه ملوك مصر كسلاح يستطيعون به السيطرة على الشعب في جميع نواحي الحياة ، وعندما وصل هذا العلم إلى ذروته أرسل الله موسى عليه الصلاة والسلام ليواجههم بنفس الأعمال الخارقة التي أنعم الله بها على يوسف ليبين لهم أن علوم يوسف التي وهبها الله له هي علوم حقيقية وليست مزيفة كالتي يستخدمها سحرة مصر.    

علوم يوسف كانت على نوعين : النوع الأول وهو الحكمة الإلهية والتي يرافقها المعجزات الخارقة التي وهبها الله لرسله وبعض أنبيائه ، والنوع الثاني وهو علوم الحكمة الإنسانية والتي سميت عند اليهود بالقابالا (كابالا) ، وعند الإغريق (الفلسفة) . النوع الثاني انتقل من مصر بعد وفاة يوسف إلى معظم شعوب العالم .

علوم الحكمة (الكابالا) في مصر جمعها المصريون وسميت فيما بعد بعلوم هرمس ثلاثي القوة . وأيضا  انتقلت مع قوم موسى بعد خروجه من مصر من جيل إلى جيل في أشخاص معينين بشكل شفوي فقط غير مكتوب ، وغير مسموح لأحد من العامة تعلمها . هذه العلوم انتقلت إلى النبي سليمان بن داود ، فكما تروي كتب العهد القديم أن بعد وفاة داوود عليهما الصلاة والسلام واستلام ابنه سليمان للعرش ، دعى سليمان لله أن يهبه الحكمة ليستطيع أن يحكم شعبه بما يُرضي الله . فوهبه الله الحكمة وجعله أحكم شعوب الأرض . بينما نجد القرآن الكريم يذكر أن سليمان دعى لله أن يجعله أغنى ملوك الأرض  {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (٣٥) ص} معاني هذه الآيتين لا تنطبق نهائيا على وضع حالة النبي سليمان ، فهو استلم عرش أبيه وجميع روايات النصوص الدينية تؤكد أن الملك داوود ترك لأبنه دولة غنية جدا تستطيع القيام بجميع أمور الدولة دون الحاجة إلى ثروات اضافية . لهذا لم يكن لملك سليمان حاجة إلى ثروة ولكن إلى حكمة . فهذه الآية تقصد النبي يوسف فهو الذي كان عبدا لا يملك شيئا بعد اتهام زوجة سيده له بخيانته لسيده . 

النبي سليمان بتلك الحكمة التي وهبها الله له شعر بأن علوم الحكمة التي انتقلت مع حكماء قوم موسى كانت ناقصة ، فوجد ما يكملها في حكماء الشعوب المجاورة ، فكما يذكر القرآن الكريم في الآية {... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) فاطر} . فحاول سليمان اكتساب هذه المعارف عن طريق عقد علاقة سلام وتعاون مع الشعوب المجاورة . هذه العلاقة أزعجت كثيرا كهنة اليهود ، ورغم تحذيرهم للنبي سليمان ليبتعد عنهم ، ولكنه لم يأبه بهم وتابع اتصاله بهم وتبادل الآراء معهم . لهذا نجد سفر الملوك الاول يذكر أن سليمان بعلاقته مع الشعوب الوثنية قد خرج عن تعاليم الله وأن الله عاقبه على ما فعله . أما سفر أخبار الأيام الثاني فلا يذكر شيئا عن خروج سليمان عن تعاليم الله . والقرآن الكريم يؤكد على صحة السفر الثاني (.... وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ....) . فهذه الآية تؤكد أن علاقة سليمان بحكماء الشعوب المجاورة لم يكن هدفها تعلم السحر وإنما كان هدفها تطوير علوم الحكمة . فالذي حصل بعد وفاة سليمان أن بعض كهنة اليهود الذين سمعوا عن حكمة علوم يوسف التي تناقلتها الأجيال بشكل شفهي ، ظنوا أن تلك العلوم التي كان يملكها  يوسف هي علوم سليمان بن داوود. فاختلط الأمر عليهم وظهرت كتب الأبوكريفا (الكتب السرية الغير معترف بها) التي تتكلم عن علاقة السحر بالنبي سليمان . وحتى لا تختفي هذه المعلومات عن النبي يوسف ، الحكمة الإلهية في تصميم القرآن ذكرتها في القرآن بالأسم الرمزي للنبي يوسف (سليمان) .  

في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع شرح علاقة النبي يوسف (أمحوتب) عليه الصلاة والسلام بالملكين هاروت .

النبي يوسف وعلاقته بهاروت وماروت الجزء ٢

يقول الله تعالى : ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) البقرة﴾ .

في المقالة الماضية ذكرنا أن أسم (سليمان) المذكور في القرآن الكريم لا يعني بالضرورة المقصود به سليمان ابن داود عليهما الصلاة والسلام ، ولكن قد يُقصد به يوسف ابن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ، وأن النبي سليمان هو رمز مصغر عن النبي يوسف الذي أسمه المصري (أمحوتب) والذي أنعم عليه بمقدرات خارقة استطاع بها تحويل بلاد النيل إلى أقوى وأرقى شعوب العالم في فترة وجوده فيها وهو عصر الأهرامات . 

وذكرنا أيضا أن اسم بابل له معنيين : الأول مصدره كلمة (بلبلة) حيث بلبل الله شعب بابل في بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات ، والذي ذُكر بمعنى رمزي في الكتب المقدسة كنوع من الغضب الإلهي على سكان هذه المنطقة بسبب بنائهم لبرج بابل كنوع من التحدي لله عز وجل ، فحولهم من شعب واحد إلى فرق عديدة لا تستطيع التعاون مع بعضها البعض . أما المعنى الثاني لكلمة (بابل) فمصدره (باب - إل) ويعني باب الله ، والمقصود بها الهرم المدرج في بلاد نهر النيل حيث استطاع يوسف توحيد مصر السفلى بمصر العليا لتتعاون مع بعضها كشعب واحد ، وكان رمز هذه الوحدة هو برج بابل الجديد ونقصد به هرم زوسر المدرج .الله عز وجل في الآية القرآنية التي نتحدث عنها ذكر لنا الفرق بين شعب بابل (بابل هو رمز للشعب السومري ) وشعب مصر ليساعدنا في فهم حقيقة نوعية المعارف التي ساهمت في تطور التكوين الروحي للإنسانية الذي تارة يقع تحت سيطرة روح السوء بسبب إنحراف الناس عن المخطط الإلهي  ، وتارة أخرى وبمساعدة إلهية يقع تحت سيطرة روح الخير العالمية فتعود الأمور ثانية لتتابع الإنسانية تطورها من جديد في المخطط الإلهي . كل تغيير يحصل في جهة تطور التكوين الروحي للإنسانية سببه هو نوعية المعارف التي يكتسبها الإنسان .الآية الكريمة هنا تستخدم الأسمين (هاروت وماروت) لتوضح لنا نوعية وطبيعة هذه المعارف . فالآية تقول عن هذه المعارف أنها (....فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ...) . وسنحاول هنا توضيح مفهوم هذين النوعين من المعارف . ولكن قبل أن نتابع الموضوع لا بد من شرح قانون إلهي يوضح لنا مبدأ هام في تطور المعارف والعلوم .

مبدأ هذا القانون الإلهي يعتمد فكرة أن دماغ الإنسان كجهاز منظم لجميع فعاليات الإنسان ، ليس له القدرة على اختراع أو اكتشاف أي فكرة جديدة مفيدة ، فكل فكرة تنتج عن نشاط الدماغ كجهاز عضوي هدفها تشويه المخطط الإلهي . أما الاختراعات والنظريات والأفكار الصحيحة المفيدة لتطور الإنسانية روحيا وماديا فهي موجودة في التكوين الروحي للإنسان قبل أن يولد . فكل فكرة مفيدة جديدة تظهر هي في الحقيقة نتيحة جهود وعمل متواصل لصاحب الفكرة ، فهذا المجهود المبذول هو الذي جعله يمتلك قدرة على تحطيم ذلك الجدار المحيط بالفكرة داخل تكوينه الروحي فجهوده وعمله المتواصل هو الذي سمح لها في الخروج من الظلام إلى النور لتستفيد منها الإنسانية في تطورها الروحي والمادي وفقا للمخطط الإلهي . فالدماغ هنا دوره أن يحول هذه الفكرة من إحساس إلى معنى تستطيع عقول الناس فهم هذه الفكرة  .وربما أفضل مثال بسيط يؤكد صحة هذه الفكرة هي ظهور فكرة بناء الاهرامات في المكسيك المشابهة كثيرا لفكرة بناء الاهرامات في مصر ، رغم وجود المكسيك في القارة الأمريكية المنعزلة تماما عن مصر والعالم القديم . فظهور الشكل الهرمي في عمليات البناء في مصر والمكسيك ومناطق أخرى ، ليس من فكر الإنسان ولكن من تكوينه الروحي لأنه يمثل رمز (٨) من الرمز الإلهي (١٨) الذي تكلمنا عنه وسنتكلم عنه بعد قليل لأنه يمثل رمز برج بابل موضوع حديثنا في هذه المقالة.              

إذا بحثنا في الكتب المقدسة للعهد القديم والعهد الجديد لن نجد أي ذكر للاسمين (هاروت وماروت) لهذا نجد تفسيرات عديدة مختلفة لهذه الآية حيث اعتمد فيها كل مفسر مصدر مختلف من الكتب المقدسة فظهر بتفسيره الخاص الذي بدلا من أن يساهم في فهم معنى الآية حدث العكس تماما فأبعدها عن مفهومها الحقيقي . فما حصل في تفسير هذه الآية كان شيئا طبيعيا ففهم معنى هذه الآيه كان يحتاج إلى معلومات لم تكن موجودة في عصر الحضارة الإسلامية ولا بعده ، وإنما بدأت تظهر في عصرنا الحاضر بعد تطور العلوم والتكنولوجيا التي ساعدت علماء التاريخ وعلماء الإنسان في الحصول على قطع أثرية تعطينا معلومات هامة تتعلق بسلوك ومعارف الشعوب القديمة . فهذه الآية تشرح لنا بشكل رمزي ما حصل من تطور في الإنسانية بعد طوفان نوح ، لهذا قبل شرح رمز (هاوت وماروت) لا بد لنا من عرض تاريخي سريع للمراحل الزمنية التي مر بها قوم نوح لنحصل على رواية واحدة توافق ما ذُكر في الكتب المقدسة وما تم العثور عليه من معلومات في القطع الأثرية تاريخية التي تم اكتشافها في العصر الحديث . كثير من المعلومات هنا تكلمنا عنه بشيء من التفصيل في المقالة رقم (51-بحيرة حواء) ومقالات سلسلة حقيقة طوفان نوح وغيرها من المقالات . 

قبل ثمانية آلاف عام كان البحر الأسود بحيرة مغلقة ذات مياه عذبة فكان الأسم الرمزي لهذه البحيرة (حسب رأيي الخاص) هو بحيرة حواء وعلى الجانب الشرقي منها كان يقع جبل البروز (القوقاز) الذي يعتبر أعلى جبل في أوروبا والمناطق المحيطة . على الشواطئ الشرقية والغربية الجنوبية لهذه البحيرة عاش قوم حواء (عائلة نوح) ، وكانوا جميعا يعيشون في حالة سلام وتعاون فيما بينهم يعملون في الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك فكان هذا القوم بمثابة مركز العالم حيث تم في توحيد جميع الصفات الإنسانية الحميدة . ولكن جاءت جماعات همجية من جهة القارة الأوروبية وراحت تقتل وتسلب أراضي وخيرات سكان المنطقة الغربية للبحيرة ، فهرب معظمهم أهاليها إلى  المناطق الشرقية الجنوبية للبحيرة وأخبروهم عن تلك الجماعات الهمجية التي أخذت ديارهم . فدار بينهم نقاش طويل حول ما يجب عليهم أن يفعلوه للتصدي لهذه الجماعات الهمجية ، فكان القرار المناسب الذي وافق معظمهم عليه  هو مبدأ إنسان الجنة {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) المائدة} . فقرروا الهجرة إلى موطن آمن يعيشون به بأمان وسلام . في تلك الفترة حدث زلزال قوي أحدث شق أرضي عميق (اليوم معروف بمضيق البوسفور) جعل مياه البحر المتوسط تتدفق بغزارة نحو بحيرة حواء ، الزلزال أيضا أحدث ثورة بركانية في قمة جبل إلبروس أدى إلى هبوط كميات هائلة من الجليد  المتراكم عليه وسقط في مياه البحيرة مما أحدث طوفان عظيم قضى على جميع الجماعات الهمجية ، فتحولت بحيرة حواء ذات المياه العذبة إلى بحر ذات مياه مالحة . قوم نوح ظنوا أن الطوفان سيستمر ليغمر جميع الأراضي فاتجهوا نحو الجنوب إلى المناطق المرتفعة القريبة من جبل آرارات وحاولوا العيش هناك ، ولكن طبيعة تضاريس المنطقة الجبلية الوعرة وصعوبة السكن فيها دفعتهم للبحث عن مناطق أنسب للسكن ، فاتجهوا نحو الجنوب حتى وصلوا إلى منطقة ذات مياه وافرة وسهول بمساحات كبيرة تصلح للسكن والزراعة ، هذه المنطقة اليوم معروفة بأسم رأس العين في شمال سورية التي تقع على نهر الخابور ، فأصبحت منطقة مابين نهر الخابور والفرات مكان سكنهم . في هذه المنطقة تأسس أول تجمع سكاني كبير جدا سيساهم في تمهيد تكوين أول حضارة (بمعناها الشائع) وسميت بالحضارة الحلفية نسبة إلى أسم تل حلف يُدعى تلف حلف.  حضارة تل حلف تميزت بالفخاريات المزججة والمزينة برسومات هندسية ورسوم حيوانات . 

حادثة طوفان بحيرة حواء وتدمير الجماعات الهمجية التي أرادت الاستيلاء على بلاد قوم عائلة نوح ، كانت حسب فهم حكماء هذا القوم بمثابة انتقام من قوى سماوية ضد تلك الجماعات الهمجية ، فكان الطوفان عبارة عن مكافئة لهم لذلك القرار السليم الذي اتخذوه برفضهم استخدام العنف لحل مشاكلهم . احساسهم أن جبل البروز هو الذي أحدث الطوفان ،  كان في تلك الفترة هي بداية شعور الإنسان ولأول المرة في تاريخ البشرية بوجود قوة سماوية تسيطر على الطبيعة وتساعد الناس الصالحين في حمايتهم وفي تدبير شؤونهم ، وبما أن هذه القوى السماوية هبطت من جبل (البروز) ، أصبح رمز شكل الجبل (٨) عبارة عن رمز روحي لتلك القوى الروحية السماوية . فسبب تسمية المنطقة التي سكنوها والمعروفة اليوم بأسم (رأس العين) ليس صدفة ولكن علامة إلهية ترمز إلى بداية رؤية الإنسان لله أي الشعور بوجوده . أيضا فإن تسمية هذا الشعب بأسم  (حلف) نسبة إلى تل حلف، ليس صدفة فهذه الكلمة اليوم تأخذ عدة معاني وجميعها تشرح الحالة الروحية لهذا الشعب ، فالحِلْفُ يعني المعاهدةُ على التعاضدِ والتَّساعدِ والاتفاق ، والحلف أيضا يعني القَسَم وأهم انواع القسم هو الحلف بالله .

الشعب الحلفي في منطقة رأس العين ظل شعب نقي لعدة قرون ، استطاع فيها تحسين أوضاع السكن وطرق الزراعة والصيد والتنقل . وكانت معارف هذا الشعب ذات مستوى عالي جدا بالمقارنة مع مستوى معارف الجماعات البشرية المجاورة لهم حتى أنه جعلهم يظنون بأن الشعب الحلفي قد هبط من السماء . ولكن مع مرور الزمن وبسبب سوء الأحوال المعيشية في الجماعات المجاورة ، فضلت هذه الجماعات العمل لدى الشعب الحلفي كعبيد لهم . هؤلاء العبيد مع مرور الزمن استطاعوا أن يأخذوا مكانة عالية في المجتمع الحلفي .فحدث نوع من التشويه في التكوين الروحي لهذا الشعب مما ادى إلى تغيير كبير في طبيعته ، والذي أدى إلى تدهور ظروف المنطقة مما دفعهم للهجرة نحو الجنوب وهناك  ظهروا بأسم جديد وهو (سومر) أي (الرأس الأسود) . أطلق علماء الآثار على هذا الشعب في البداية أسم (العبيديون) نسبة إلى اسم التل الذي أكتشفت آثارهم بقربه وهو (تل عبيد) ، حيث قاموا ببناء عدة مدن في منطقة ما بين النهرين (فرات ودجلة) ومنها مدينة أور التي ولد فيها ابراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام . الشعب السومري وبسبب التشويه الذي حصل في تراث الشعب الحلفي كان يؤمن بأن أصلهم من الشعب الحلفي الذي كان بالنسبة لهم عبارة عن أسياد هبطوا من السماء . لهذا حاولوا أن يستخدموا أحداث تاريخ الشعب الحلفي وينسبوها إلى تراثهم الشعبي ، منها مثلا حادثة طوفان بحيرة حواء والتي تحولت إلى اسطورة كنوع من غضب الأسياد في تدمير أعدائهم . فحدث تشويه لفكرة وجود قوى سماوية تغضب وتدمر الناس السيئين وتساعد الناس الصالحين ، وتحول مفهوم هذه القوى السماوية إلى آلهة بشرية . وحتى يستطيعوا أن يرفعوا مكانتهم إلى مستوى تلك الأسياد قاموا ببناء أبراج بطوب من الطين لتكون مسكنا لهم يجعلهم أسياد في نظر أفراد شعبهم ، كنوع من التحدي لتلك القوى السماوية . بسبب سلوكهم هذا دمرهم الله وبلبل أمرهم وحولهم إلى فئات عديدة متعادية فيما بينهم . حيث كل فئة لها زعيمها يعمل لمصلحته الخاصة فقط . 

علماء التاريخ يؤكدون أن اختراع الكتابة لأول مرة ظهر في الشعب السومري ، وهذا غير صحيح ، ففكرة التعبير عن الفكرة  باستخدام الكتابة ظهرت كفكرة بدائية في الشعب الحلفي الذي استخدم بالفطرة شكل جبل البروز (٨) كرمز يكون بمثابة رمز روحي يُعبر عن تلك الروح الإلهية التي منها انبثق كل شيء كون من ذوبان ثلوجه كانت تنشأ البحيرات والأنهار . فكان هذا الرمز هو بداية الشعور بالرمز الإلهي (١٨) . ولكن الشعب السومري شوه هذا الرمز وحوله إلى ما هو معروف اليوم بالكتابة المسمارية ، ففكرة الكتابة المسمارية هي في الحقيقة عبارة عن عملية تحطيم الرمز (٨ا) إلى قطع منفصلة (١١١) حيث  تعتمد على استخدام شكل واحد وهو (١) كخط مستقيم له بُعد معين يوضع بعدة اتجاهات مختلف بجانب بعضها البعض لتكوين كلمة معينة ، ولكن لضرورة السرعة في الكتابة تم استخدام شكل القلم نفسه كأداة لطباعة أحرف الكلمة بدل رسمها ، فتحول الخط المستقيم إلى خط يشبه المسمار حيث أحد أطرافه ينتهي بمثلث صغير  (كما هو واضح في الصورة) لهذا سُميت بالكتابة المسماريه ، فهذا النوع من الكتابة يعتمد على مبدأ مشابه لمبدأ كتابة الأرقام العربية والرومانية حيث يعتمد معاني مجردة مما جعله فقيرا روحيا ولهذا النسخ القرآنية تم كتابتها بالأرقام الهندية لأنها تعتمد على نفس مبدأ الكتابة الهيروغليفية التي تستخدم رموز أشكال روحية .

المشكلة اليوم أن بعض علماء التاريخ وبسبب استخدامهم الرؤية المادية فقط وليس الرؤية الشاملة ، يصرون على أن السومريون لهم الفضل الأول في اختراع الكتابة ، وهذا غير صحيح ، فتاريخ الشعب السومري مدته ثلاثة آلاف عام وتلك الكتابة المسمارية المتقدمة التي يتكلم عنها هؤلاء العلماء (ألواح ملحمة جلجامش مثلا) فقد تم كتابتها  بعد ولادة ابراهيم ويوسف عليهما الصلاة والسلام بعدة قرون. فالنبي ابراهيم الذي ولد في مدينة أور السومرية كان يستخدم نوع آخر من الكتابة أخذه من الشعب الحلفي ونقله إلى مصر وعندما أتى النبي يوسف إلى مصر طور هذه الكتابة وأخذت أسمها المعروف اليوم (الهيروغليفية) وتعني في اللغة اليونانية النقوش المقدسة . وسنشرح هذا الموضوع فيما بعد . ولكن حتى نستطيع فهم الفرق الروحي بين الكتابة المسمارية والكتابة الهيروغليفية المصرية ، أن الكتابة المسمارية كنشاط روحي نتجت من الرمز (٨١) الموجود في كف يد الإنسان اليسرى أي كانت بمثابة رؤية مادية لما يجري حول الإنسان ، أي فكر الإنسان هو الذي يحدد عدد وطريق تشكيل أحرف الكلمة . أما الكتابة الهيروغليفية المصرية فنتجت عن الرمز (١٨) الموجود في كف اليد اليمنى ، فكانت بمثابة رؤية روحية لما يجري حول الإنسان .  فكانت الطبيعة بما فيها من ظواهر طبيعية وكائنات حية مصدر إلهام فكر الإنسان بالنسبة له ، فشكل الدائرة مثلا كانت تعني الشمس وكذلك تعني النور والنهار ، وشكل العين يعني ينظر أو يتعلم أو مستيقظ . فكما ذكرنا في مقالات ماضية أن الرمز (١٨) هو رمز هابيل ، أما الرمز (٨١) فهو رمز قابيل الذي قتل أخاه هابيل ، ولهذا نجد في اسطورة الملك جلجامش أنه كان ملكا ظالما مستبدا لا يترك امرأة تزف الي زوجها حتي يدخل عليها أولا. فسلوكه كان معاكسا تماما لقوم بحيرة حواء الذين آمنوا بعقيدة السلام والعفة والعدل والتعاون والتي تحمل في داخلها التكوين الروحي لهابيل . ابراهيم ويوسف عليهما الصلاة والسلام كتكوين روحي كانا من هذه السلالة ، وعن طريقهما تم نقل مبدأ الكتابة الهيروغليفية من بلاد ما بين النهرين إلى مصر ، وهو نفس المبدأ الذي ذكره الله تعالى في قرآنه الكريم {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٣١) البقرة} .

ابراهيم عليه الصلاة والسلام عندما رأى ما يحصل من عشوائية في السلوك الروحي للشعب السومري ، أخذ معه ابن اخيه لوط وأفراد جماعته وهاجر باتجاه الشرق يبحث عن مكان مناسب يسكن به هو وجماعته ليحافظ على المبادئ السامية التي توارثها عن الحلفيين ، ولكن الظروف القاسية التي واجهها بسبب ظروف الجفاف التي حصلت في تلك المناطق دفعته في الذهاب إلى بلاد النيل في منطقة دلتا ، المشابهة لمناطق بلاد ما بين النهريين، حوالي عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد، وهناك حاول أن يستخدم معارف شعبه لتحسين المنطقة فبنى هناك أول مصطبة من الحجارة ، وقام بزراعة الأراضي ، ولكن زعيم تلك المنطقة أراد أن يأخذ زوجته ليجعلها عشيقته ، فعاقبه الله وساعد ابراهيم وقومه في الخروج من مصر .    

معارف ابراهيم انتقلت إلى ابنائه وأحفاده ووصلت إلى يوسف عليه الصلاة والسلام . وكانت الخطة الإلهية أن ينتقل النبي يوسف إلى مصر ليُنشئ هناك حضارة تكون رمزا لولادة الإنسانية لتبدأ مرحلة روحية جديدة . فمصر كانت بوابة القارة الأفريقية نحو بقية قارات العالم القديم. وكما ذكرنا في مقالات ماضية أن القارة الأفريقية كانت رمز لبلاد الشيطان فشكل القارة الأفريقية مشابه لشكل رأس إنسان له قرن تماما كما يتم تصويره في معتقدات أتباع الديانات . فكان دور يوسف هو تكوين دولة قوية تمنع خروج أي معارف شيطانية من هذه القارة نحو القارة الآسيوية التي جعلها الله كرمز القسم الروحي للإنسانية .

قصة حياة النبي يوسف تعتبر من أكثر  قصص الأنبياء غموضا ، وبسبب شدة غرابة أحداث قصه النبي يوسف نجد أن عصر الإهرامات وبشكل عام الحضارة المصرية وتراثها الشعبي يعتبر من أغرب الحضارات  سواء كان كمجتمع إنساني أو كمعجزات علمية عجز العلم الحديث عن فك أسرارها . والمشكلة هنا أن شرح أحداث حياة النبي يوسف بشكل مفصل سيدخلنا في عالم خيالي حيث إثبات صحة هذه الأحداث يحتاج إلى العديد من الصفحات لشرح رموز عديدة تتعلق بحياة النبي يوسف ، وشرح كل رمز أيضا يحتاج إلى ذكر معلومات عديدة ، وجميع هذه المعلومات متشابكة من جميع العلوم ستجعل القارئ يتوه وربما لا يستطيع أن يستوعب الكثير منها بسبب طبيعة المنهج العلمي الحديث الذي جعل من ثقافة الإنسان المعاصر ثقافة مادية متخصصة بنوع واحد فقط من العلوم .

هنا سنذكر فقط مثال بسيط يوضح لنا غرابة أحداث حياة يوسف ، إذا ذهبنا إلى الكتب والانترنت التي تتحدث عن أمحوتب (النبي يوسف) في مصر ، سنجد بعضها تذكر تاريخ ظهوره هو بداية الألف الثالثة عام ٢٩٠٠ ، أو ٢٨٠٠ قبل الميلاد . وعندما ننظر إلى فترة بناء الهرم المدرج الذي بناه نجد أنه تم بنائه حوالي عام ٢٦٥٠ قبل الميلاد . في  نفس المقالة التي تتكلم عن أمحوتب نجد هناك فرق زمني يعادل أكثر من ٢٥٠ عام . وكأن امحوتب قد عاش لفترة تتجاوز ال ٣٠٠ عام . ورغم عبقريته التي لم تعرف الإنسانية مثلها نجده يختفي بشكل مفاجئ ولا يترك أي أثر على وجوده سوى أعماله . والغريب في الأمر أن بعد فترة من اختفائه تصبح عملية تحنيط الأموات من أقوى العقائد المصرية . فهذه الحقائق جميعها لم تحدث بالصدفة ، ولكنها حكمة إلهية تعطينا لمحة عن حياة يوسف (أمحوتب) ، فيوسف ولد عام ٣٠٢٥ قبل الميلاد ، وتوفي بعمر أربعين لحظة بداية سقوط الأمطار وانتهاء سنوات العجاف ، ثم بعد ٣٠٠ عام عادت روحه إلى جسده ثانية وعاش بعدها ٥٠ عام . لهذا أسم (هاروت) المذكور في الآية القرآنية التي نتحدث عنها ، هو أسم أرمني ويعني في اللغة الأرمنية (القيامة بعد الموت) الذي سنشرحه فيما بعد .

قصة أصحاب الكهف التي تم ذكرها في سورة الكهف التي رقم ترتيبها (١٨) هي رمز لقصة يوسف ، فالكهف هنا هو رمز جوف الهرم الذي وضع به جسد يوسف بعد وفاته الأولى . قصة  أصحاب الكهف لا علاقة لها بقصة أولئك المسيحيين الذي يتكلمون عنهم العلماء المسلمين الذين لجؤوا إلى الكهف خوفا من الاضطهاد  ، فقصة هؤلاء هي قصة ادبية غير واقعية في التراث المسيحي ، والمسيحيون هم أنفسهم لا يؤمنون بصحتها كقصة واقعية تاريخية ولهذا كثير منهم لم يسمعوا بها . والله عز وجل ذكرها في سورة الكهف لتكون كدليل على حادثة رمزية من حياة يوسف . فقيام النبي يوسف من الموت هو الذي جعل المصريين بعد قرون عديدة أن يؤمنوا تماما بعقيدة عودة الروح إلى الجسد بعد الموت ولهذا أعطوا أهمية كبيرة في عملية التحنيط وتطويرها . فلولا حادثة قيام يوسف من الموت لما وجدت عقيدة التحنيط في مصر ولما استمر المصريون في الإيمان بها لثلاثة آلاف عام . القرآن الكريم يعطينا دليل على صحة هذه الحادثة في الآية/٣٤/ من سورة غافر (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) . فقصة يوسف في القرآن الكريم والكتب المقدسة لا تذكر حادثة تبرر ذكر كلمة (هلاك) يوسف . ولكن الحكمة الإلهية وضعت هذه الآية في سورة غافر كحادثة تاريخية من حياة يوسف وأن وفاة يوسف الأولى كانت نتيجة هلاكه ، وهلاكه حدث بسبب الجوع لأنه عندما رأى أن المؤنة التي قام بتخزينها لن تكفي لإطعام الجميع ، منع نفسه عن الطعام عدة أيام حتى ينقذ الجميع ولا يموت أي شخص آخر من الجوع ليعلم الناس معنى المسؤولية والتضحية من أجل الآخرين ، وهذا ما حصل فعندما لفظ روحه ، بدأ المطر يتساقط ليعلن انتهاء سنوات العجاف ، وكان ذلك في سنه الـ/٤٠/ وهو رقم ترتيب سورة غافر . فحياة يوسف الأولى كانت ذات طبيعة بشرية ، ولكن بعد قيامه من الموت أعطاه الله مقدرة خارقة تصنع المعجزات والتي نجد آثارها اليوم في غرائب عصر الاهرامات والتي بسببها ظهر السحر بمفهومه الشائع . فقيام يوسف من الموت هو الذي أقنع المصريين بوجود يوم الحساب بعد الموت . فكانت تلك المرة الأولى في تاريخ البشرية تظهر عقيدة الإيمان بيوم الحساب .  وهذا هو الفرق بين معتقدات الشعب المصري ومعتقدات الشعب السومري ، حيث السومريون كانوا لا يؤمنون بيوم الحساب . لهذا نجد أن موضوع اسطورة جلجامش كان بحثه عن طريقة ينتصر فيها على الموت ولكنه لم يصل إليها ، أما النبي يوسف فقد انتصر على الموت حيث توفي وعاد من جديد إلى الحياة .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنذكر أدلة أخرى توضح لنا دور يوسف عليه الصلاة والسلام في تطوير المعارف كذلك علاقته بالأسمين هاروت وماروت .

النبي يوسف وعلاقته بهاروت وماروت الجزء ٣

قد يعتقد البعض أن الفقرات التي أذكرها في مقالة اليوم هي خارج موضوع عنوان المقالة ، ولكن في الحقيقة الفقرات المذكورة هنا هي عبارة عن محاولة في تبسيط مفهوم العلاقة بين النبي يوسف عليه الصلاة والسلام ومعاني رموز هاروت وماروت . فبدون فهم حقيقة النبي يوسف لا يمكن فهم هذه الرموز .

في المقالة الماضية ذكرنا بعض المعلومات الغريبة عن المألوف ، وهذا ربما دفع العديد من القراء إلى الشك بصحتها أو استنكارها نهائيا . فكان من الطبيعي جدا أن يطلب بعض القراء الدليل على صحة هذه المعلومات . المشكلة هنا أن ظروف العصر الحديث فرضت على الإنسان المعاصر أن يتبع أحد النوعين من القاعدة الثقافية : القاعدة الأولى تعتمد على المبدأ المذكور في القرآن الكريم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠) البقرة} . أما القاعدة الثقافية الثانية فتعتمد على مبدأ (أنا أصدق العلم ) . القاعدة الأولى ساهمت في بقاء المجتمعات المتدينة في حالة تخلف مادي وروحي ، أما القاعدة الثقافية الثانية فساهمت في توجه المجتمع إلى الإلحاد والإنحلال الأخلاقي . لهذا فبدلا من أن تساهم هذه القاعدة في تقدم المجتمعات المتدينة ، حصل العكس تماما ، حيث زاد تشبثهم بالقاعدة الثقافية الثانية . فرغم أن بعضهم شعروا بوجود أزمة فكرية في مجتمعهم ولكن إيمان وخوفهم من أن تلعب هذه المعارف الجديدة في تشويه دينهم جعلهم يقفون حياديين منها .

في المقالة الماضية ذكرت أن قصة أهل الكهف هي حادثة رمزية تتعلق بحياة يوسف ، وأن هذه القصة كما يذكرها العلماء المسلمين هي قصة غير حقيقية . ودليلي على ذلك هو سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه السورة . فسبب نزول هذه السورة بشكل مختصر أن جماعة من المشركين أرادوا أن يمتحنوا الرسول فسألوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب . فوعدهم رسول الله أن يجيب على سؤالهم في اليوم التالي ، ولكنه تأخر عليهم خمسة عشر يوما . فسلوك رسول الله هنا له معنى بأن هذه القصة ليست بسيطة كما هي في تفسير علماء الدين فهذا تفسير يناسب مستوى معارف في ذلك الزمن حيث أنها تثير العواطف وتقوي الإيمان بالله . أما اليوم وقد حققت العلوم قفزات شاسعة ، فالأمر مختلف فهذه القصة اليوم تبدو قصة فقيرة بالمعاني ، وإذا قبلناها كما هي سنقع في الكثير من المتناقضات . فعلماء الميثولوجيا (أساطير الشعوب) وجدوا أن هذه القصة مشهورة عالميا فهي موجودة بطريقة مشابهة في أساطير العديد من الشعوب وبقرون عديدة قبل ظهور المسيحية ، حيث كل شعب ينسب هذه القصة لنفسه . فالفيلسوف اليوناني  أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل المسيح ذكرها في كتابه الجزء الرابع (الفيزياء)  حيث يقول في كتابه أن هذه الأسطورة كانت منتشرة إنتشار كبير بين الوثنيين اليونانيين ، ولهذا يوجد أماكن عديدة لذلك الكهف في مناطق بعيدة عن بعضها البعض ، حيث كل منطقة يدعي سكانها  أن كهفها هو الكهف المذكور في الأسطورة ، فلو كانت هذه الأسطورة حقيقية وتخص فقط الفتية المسيحية فلكانت قصتهم معجزة ربانية ولكان ذلك الكهف قد أصبح من أهم المراكز الدينية للمسيحيين حتى الآن . علماء الميثولوجيا يعتقدون تماما أن المسيحيين أخذوها ونسبوها لأنفسهم ، فهي مذكورة عندهم بنسختين ، نسخة تذكر أن الذي كان مع الفتية هو كلب ، ونسخة أخرى أنه كان ملاكا . فإذا كان المقصود من آيات القرآن عن أصحاب الكهف هو النسخة المسيحية لماذا إذا تم ذكر الكلب وليس الملاك ، فالكلب حيوان نجس ولا يستحق أن يكون مصيره مثل مصير الفتية الصالحين فيستيقظ معهم بعد ٣٠٠ عام . أيضا هناك تناقض آخر وهو أننا إذا قبلنا بصحة هذه الأسطورة هذا يعني أن زمن استيقاظ هذه الفتية كان قبل ولادة رسول الله بعشرات السنين وليس مدة زمنية غير معروفة ، فهذا يعني أن المسيحيين في ذلك الوقت كانوا على الصراط المستقيم (الإيمان بصلب المسيح مثلا) فكيف يتهمهم الإسلام بأنهم حرفوا دينهم وخرجوا عن تعاليم دينهم بهذه الفترة الزمنية القصيرة . هناك أمر آخر وهو كم كان عدد اصحاب الكهف ، فأسم الأسطورة كما سماها أرسطو وكما هي موجودة في النسخ المسيحية ( النيام السبعة) ، بينما في القرآن يذكر ثلاثة أرقام (٣-٥-٧) ، فوجود هذه الأرقام الثلاثة دليل واضح أن مضمون ما هو مذكور في القرآن مختلف تماما عما هو مذكور في الأسطورة . الله اختار كلمة دقيقة جدا في وصف أصحاب الكهف وهي (فتية) وهذه الكلمة مصدرها الحقيقي فعل  (فَتَّ) . ومنها تأتي كلمة مَفْتُوتٌ أي : الشَّيْءُ يَسْقُطُ فَيَتَقَطَّعُ وَيَتَفَتَّتُ ، لهذا سُمي الشاب في مرحلة من العمر بين (١٥- ١٨) فتى ، لان الإنسان في هذه المرحلة يتحول تكوينه إلى كائنين علوي وسفلي ، حيث في مرحلة الطفولة يكون تكوينه من كائن واحد لأن أعضائه الجنسية لا تعمل ، أما في مرحلة البلوغ حيث تبدأ الأعضاء الجنسية في النضج  فعندها يكون تكوينه متشابك بين الكائن السفلي والعلوي ، بعد ذلك يبدأ الإنفصال بين كائنه السفلي وكائنه العلوي وعندها يُسمى فتى . في القرآن تم وضع كلمة (فتية) للتعبير عن شيء واحد تفتت إلى (٣) أجزاء ثم (٥) أجزاء ثم (٧) أجزاء . وكان معهم كلب واحد (١) ، فإذا وضعنا رقمه بجانب الرقم (٧) ، سنحصل على الرقم (١٧) وهو رقم رمزي معاكس لرمز روح الله (١٨) والذي يمثل رقم ترتيب سورة الكهف . وهذا هو أحد معاني قصة أصحاب الكهف ، حيث بهذه الطريقة القرآن الكريم يشرح لنا ما حدث بروح آدم وحواء  بعد طرد الإنسان من الجنة ، فالرقم (١٧) يمثل بطريقة رمزية محتويات الثقب الأسود البدائي قبل إنفجاره الذي أدى إلى ولادة الكون . هناك  رموز أخرى في آيات أصحاب الكهف تعطينا معاني أخرى تشرح لنا التطور الروحي للإنسانية من مرحلة إلى مرحلة الأخرى . إحدى هذه المعاني له علاقة بقصة يوسف ولكنها تحتاج لشرح طويل وسنتكلم عنها بمقالة مستقلة في المستقبل إن شاء الله ، فقط هنا نستطيع أن نعطي إثبات بسيط ، فإذا قارنا بين معاني آيات قصة أصحاب الكهف بمعناها الحرفي وبين رحلة البعث المذكورة في كتاب الموتى الذي كان يؤمن به الشعب المصري القديم ، من حيث وصف شكل جسد أثناء الرقاد ، حركة الشمس ، دور الكلب (أنوبيس) ، سنشعر وكأن آيات القرآن الكريم تصف ما يحدث في هذه الرحلة بشكل مختصر جدا . هناك دليل آخر يوضح لنا المفهوم العام لقصة أصحاب الكهف سنذكره في نهاية المقالة .

الملحدون الذين اتهموا رسول الله بأنه في البداية لم يعرف شيئا عن قصة ( النيام السبعة) لهذا تأخر خمسة عشر يوما ، وأن أقتباسه لهذه القصة كان فيه أخطاء كثيرة ، فآرائهم هذه لا تدل سوى على شدة عمى بصيرتهم فقصص القرآن تحتاج إلى علوم أرقى بكثير من علومهم السطحية لفهمها .   

إن وجود معلومات غريبة عن المألوف في مقالاتي سببه أن أبحاثي تعتمد على المبدأ المذكور في الحديث الشريف (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) والتجديد المقصود هنا هو التجديد في جميع أنواع العلوم وليس فقط في فهم النصوص الدينية ، فالنصوص الدينية هي معارف شاملة تهتم في تحسين جميع نواحي الحياة الروحية والمادية لهذا فإن فهمها يحتاج إلى ثقافة شاملة من جميع أنواع العلوم .  

أحد انواع هذا التجديد حصل في عصر النهضة الأوروبيه ،  حيث ظهرت حكمة جديدة يتداولها المجتمع الأوروبي كقول مأثور (الشيطان يختبئ في التفاصيل الدقيقة) هذه العبارة سمعتها في اليونان وفي مواقع أوروبيه أخرى مئات المرات ، ولكن بسبب الإنحطاط الروحي فقد تم فهم هذه الحكمة بمعناه السطحي وليس بمعناها الفلسفي . فهذه العبارة هي في الحقيقة نوع من التجديد لمفهوم الحديث الشريف (.....وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة) . وقد شرحنا هذا الحديث في سلسلة مقالات ابن رشد الفيلسوف المظلوم . ولكن هنا سنعرض شرحه بشكل مختصر . فالمقصود بالفرقة الناجية (الجماعة) ، هو الفرقة التي توحد جميع الفرق ، ولهذا كان رقم عدد هذه الفرق هو الرقم (٧٣) وهو القيمة الرقمية لكلمة الله.  فتمزيق الأمة لفرق عديدة متعادية مع بعضها البعض هو بسبب عمل الشيطان الذي يجعل كل فرقة تنظر إلى التفاصيل الدقيقة في جزء معين من الشيء أو الحدث الذي يناسبها وتهمل تفاصيل الأجزاء الأخرى التي تناسب الآخرين ، لتُظهره وكأنه هو الشيء أو الحدث بأكمله . ولهذا يقول الله عز وجل {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) سبأ} .

هذه الرؤية التي يستخدمها الإنسان المعاصر هي رؤية مادية وقد بدأت في السيطرة على المنهج العلمي الحديث في البحث العلمي منذ حوالي ١٥٠ عام . هذه الرؤية هي رمز رؤية الثديات المفترسة . ولهذا كانت النتيجة الحتمية لهذا العصر هو ما تم ذكره في كتب التاريخ (لم تعرف الإنسانية وحشية كوحشية القرن العشرين) حيث وصلت الجريمة ولأول مرة في تاريخ البشرية إلى عالم الأطفال كرمز له معنى بأن الإنسان أصبح كائن مفترس أي أنه عاد إلى ما قبل طوفان نوح أي إلى عصر الكهوف .

اليوم وبسبب سيطرة الرؤية المادية على الثقافة العامة للمجتمع ، نجد كل شعب ينظر إلى نفسه وكأنه هو الذي صنع أرقى حضارة في تاريخ البشرية ، وأنه لولا حضارته لكانت الإنسانية لا تزال تعيش  كمجتمعات بدائية ، فالشعب اليوناني يؤمن بأن الكلمات : الفلسفة ،  الديمقراطية .... وغيرها من المصطلحات العلمية ، جميعها اصلها يوناني وهذا يعني بالنسبة لهم أن الحضارة اليونانية هي التي نشرت نور الحضارة إلى بقية الشعوب . والشعب العراقي أيضا يؤمن بأن حضارتهم هي التي نشرت النور إلى بقية الشعوب ، فشعوب منطقتهم المعروفة بشعوب بلاد ما بين النهرين هم من أسسوا أول مدينة (مدينة اريدو) في التاريخ وأنهم أول من اخترعوا الكتابة وأنهم أول من بنوا الأبنية (برج بابل) ... ، والشعب المصري أيضا يؤمن بأن حضارة بلاده هي التي غيرت مجرى تاريخ البشرية لأول المرة بإهراماتها الشامخة وأنها هي التي اخترعت الكتابة والتحنيط وعقيدة يوم الحساب ... ، وهكذا أيضا نجد كل شعب منطقة ما من العالم يجد في تاريخه تفاصيل معينة تجعله يعتقد نفسه أنه يستحق أن يكون أرقى شعب في العالم . فإذا نظرنا اليوم إلى ما يدعيه كل شعب عن نفسه سنجد أنه بفضل هذا التعصب الأعمى في كل شعب من هذه الشعوب  قد ساهم في تمزيق تاريخ الإنسانية وأنه فصل شعبه عن بقية الشعوب ليجعل من تاريخ الإنسانية قصة عشوائية لا معنى لها وكأنها تؤكد أن كل شيء وكل حدث قد حصل عن طريق الصدفة وأنه لا وجود لأي مخطط إلهي تسير عليه الإنسانية .

في مصر مثلا نجد الدكتور المصري زاهي حواس الذي يُعتبر من عمالقة علماء تاريخ مصر القديمة في العالم ، في جميع آراءه المنشورة في البرامج التلفزيونية والصحف والكتب إصراره الشديد وبشكل غير مباشر على أن إبراهيم ويوسف عليهما الصلاة والسلام عاشا في فترة وجود الهيكسوس في مصر حيث تعتبر هذه الفترة من أسوأ عصور تاريخ مصر القديمة حضاريا ، وكأنه بآرائه هذه يؤكد أن وجود أنبياء الله (ابراهيم ويوسف) في مصر لم يكن لهما أي أهمية في تأسيس أو تطوير الحضارة المصرية ، بمعنى آخر وكأنه يؤكد على أن الشعب المصري هو الذي صنع نفسه بنفسه. مثل هذا الرأي هو نوع من الشرك لأنه يحذف وجود الله ، أي وكأنه يقول (نحن خلقنا أنفسنا) . التعصب القومي الأعمى في الدكتور زاهي حواس موجود مثله تماما في الكثير من علماء بقية الشعوب .

من يتابع قراءة مقالاتي منذ فترة طويلة، يجد أنني أذكر أشياء كثيرة عن النبي يوسف في شرح العديد من المواضيع المتنوعة وكأن قصة يوسف هي باب لجميع أنواع العلوم . ورأيي هذا في النبي يوسف عليه الصلاة والسلام ليس من خيالي ولكن هو من القرآن الكريم ، فالآية (  نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ) وضعها الله في سورة يوسف ، ووجودها في هذه السورة هو حكمة إلهية لها معنى أن أحسن قصص الأنبياء هي قصة يوسف . فالنبي يوسف هو النبي الوحيد الذي له في القرآن سورة باسمه وتتكلم عنه فقط . فعصر الأهرامات الذي أسسه النبي يوسف هو في الحقيقة بمثابة خروج الإنسانية من رحم أمها لترى النور ولتبدأ مرحلة جديدة في تطورها الروحي والمادي . وللتأكيد على صحة هذه المعلومة ، سأذكر هنا حادثة من زمننا الحاضر تبين لنا مكانة النبي يوسف وتساعدنا أيضا على توضيح مفهوم (البصيرة) والتي من خلالها أحاول تفسير رمز (هاروت وماروت) .

في جنوب القاهرة وعلى بعد حوالي ١٩ كم يوجد منطقة تتألف من أربعة قرى صغيرة (ميت رهينة ، العزيزية ، سقارة ، بوصير) ، تسمية هذه القرى بهذه الأسماء ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فهذه الأسماء الأربعة لها علاقة بشخصية النبي يوسف ، ولكن شرحها هنا سيجعلنا نخرج عن موضوعنا . في هذه المنطقة تم تأسيس أقدم مدينة في مصر والمعروفة اليوم بأسم مدينة منف . الناس العامة في هذه المنطقة اليوم يعتقدون بإحساسهم الفطري بأن مدينة منف هي مدينة يوسف فهناك بعض الأماكن الأثرية التي تم تسميتها بأسم يوسف . ولكن علماء الآثار يرفضون تماما صحة إعتقادات أهالي هذه المنطقة بسبب عدم وجود أي دليل علمي يؤكد صحتها . والذي حصل في هذه المنطقة أنه بسبب إهمال السلطة المصرية لهذه المنطقة منذ سنوات عديدة تحولت هذه المنطقة إلى أخطر وأقذر منطقة في مصر . حيث يتم فيها جميع الأعمال الغير مشروعة من تجارة المخدرات وتجارة القطع الاثرية ، وتحدث بها شتى أنواع الجرائم ، حتى أن مياه الصرف الصحي تطفح على شوارعها، وأكوام القمامة تحيط بها من كل جهة ، والأهالي هناك في حالة يُرثى لها بسبب الأمراض والفقر والإهمال التام .هذه المنطقة التي يعتقد أهلها أن يوسف عليه الصلاة والسلام  عاش فيها ، بدلا من أن تكون منطقة مباركة جميلة تشرح زيارتها النفس ، أصبحت منطقة وكأن الشيطان هو نفسه قد سلط عليها لعنته ليجعل أهلها يحتقروا أنفسهم على سوء أوضاعهم .  في عام ١٩٩٢ حدث زلزال في هذه المنطقة أدى إلى إنهيار داخلي وخارجي في هرم زوسر القريب منها ، هذا الهرم كما ذكرنا في المقالة الماضية هو الهرم الذي بناه النبي يوسف . وبسبب هذا الخراب الذي حصل في الهرم ، قررت منظمة اليونسكو حذفه من قائمة المواقع التاريخية العالمية كونه أصبح يشكل خطورة كبيرة على حياة الزوار . ولكن الحكومة المصرية عهدت بترميمه بشكل يضمن سلامة زواره ، فتم إغلاق مجمع الهرم ، وفي عام ٢٠٠٦ بدأت عملية الترميم والتي احتاجت إلى ١٤ عام ، وفي العام الحالي ، العام الذي يحمل الرقم (٢٠٢٠) انتهت عملية الترميم وتم إفتتاح مجمع الهرم وأصبح مناسبا للزيارة .

الزلزال وانهيار الهرم كان حسب  مفهوم علماء الآثار وعلماء الدين في مصر ، وكأنه حادثة طبيعية حدثت بالصدفة ولا يحتاج البحث فيها لفهم مضمونها . ولكن من يرى الأمور برؤية شاملة (البصيرة) سيرى في هذه الأحداث رموز عديدة ستدفعه في البحث فيها ليفهم المعنى الروحي لما حدث في هذه المنطقة . فالزلزال حدث عام ١٩٩٢ ، قد يبدو هذا الرقم بلا معنى ولكن من يبحث في رموز الأنبياء بعين البصيرة ، سيرى أن هذا العام هو في الحقيقة عام ١٩٩٨ من عام ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام ( عام ٦ قبل الميلاد) ،  وهو يحمل نفس أرقام سورة مريم (أم عيسى) في القرآن . حيث الرقم ١٩ هو ترتيب السورة ، والرقم ٩٨ عدد آياتها . حيث سورة مريم هي السورة الوحيدة في القرآن التي تحمل اسم إمرأة ، ورمز المرأة هو (٨) الذي يمثل شكل الهرم ، حيث هرم زوسر يُعد أول هرم في تاريخ البشرية والمنطقة بأكملها هي منطقة أهرامات ، مريم أنجبت  عيسى عليه الصلاة والسلام ، أسم عيسى في الكابالا اليونانية له قيمة رقمية تعادل (٨٨٨) شكل هذا الرقم هو شكل أهرامات الجيزة القريية من المنطقة ، حيث أسم هذه الأهرامات مشابه لإسم عيسى في اللغات الأوروبيه (جيزيس) ، فشكل هذه الأهرامات في الحقيقة هي عبارة عن نبوءة تبشر بولادة عيسى بن مريم . فرقم عام الزلزال (١٩٩٨) هو في الحقيقة يعادل (٦٦٦+٦٦٦+٦٦٦) حيث الرقم (٦٦٦) هو رمز أعور الدجال  أي ثلاث مرات رمز أعور الدجال ، وهو رقم معاكس لرمز عيسى (٨٨٨) وله معنى أن الإنسانية حسب المخطط الإلهي ستمر بثلاث مراحل في تطورها (طفولة - مراهقة - سن الرشد) ، فالذي حصل أنه مع نزول آخر ديانة سماوية توقفت المساعدة الإلهية ، ولكن ومع ذلك استطاع الأوروبيون أن يساهموا في تطوير التكوين الروحي للإنسانية من خلال حضارة عصر النهضة ، أما عندما دخلت الإنسانية في سن الرشد (عصرنا الحاضر) ، عندها خرجت عن هذا المخطط وأصبحت تحت سيطرة روح الأعور الدجال ، التي استطاعت أن تخدع الناس وتلغي الرؤية الروحية في إدراكهم لما يجري حولهم فجعلت الإنسانية وكأنها كانت تحت سيطرته في كل المراحل الثلاث ، لهذا كان رقم عام الزلزال يحوي في داخله ثلاث مرات رمز أعور الدجال . لذلك وضع الله في هذه الحادثة رموز أخرى تشرح لنا حقيقة ما يحدث . فعملية ترميم هرم زوسر دامت (١٤) عام وهي مدة سنوات وفرة الرزق وسنوات العجاف (٧+٧) المذكورة في قصة يوسف . لهذا حدث زلزال آخر عام ٢٠١٣ في نفس يوم حدوث زلزال عام ١٩٩٢ (١٢ أكتوبر- تشرين الأول)  وكان لوقوع الزلزالين في نفس التوقيت صدى على مواقع التواصل الاجتماعي حتى بعض المصريين علقوا على هذا الزلزال بأن مصر هي الدولة الوحيدة فى العالم التي الزلزال فيها يحتفل بعيد ميلاده ، أما علماء الزلزال في مصر  فكان لهم رأي آخر ، بأن هذا التزامن في التوقيت هو مجرد صدفة ، ولكن الحقيقة غير ذلك فالذي يرى الأمور برؤية شاملة يعلم أن هناك تدخل إلهي في الأمر وأنه لا شيء يحدث بالصدفة فرقم يوم الزلزال هو /١٢/وهو رقم ترتيب سورة يوسف ، وأسم الشهر هو (اكتوبر) وهو رقم /٨/ في اللغة اللاتينية وهو رمز لشكل الهرم . أيضا نجد أن أشهر الناجيين من الزلزال الاول أسمه (أكثم سليمان) أسم أكثم يعني (شبعان ، كبير البطن) ، أما الأسم الثاني (سليمان) فمعناه المحب للسلام وهو رمز لأسم يوسف باللغة المصرية القديمة أمحوتب (الذي جاء بسلام) ، فأسم ( أكثم سليمان) هو رمز لحالة الشعب المصري في زمن سنوات العجاف  . الزلزال الثاني يوضح العلاقة بين هرم زوسر وقصة يوسف ، فتوقيت حدوثه يقسم زمن عملية ترميم هرم زوسر إلى قسمين : سبع سنوات (٢٠٠٦- ٢٠١٣) وسبع سنوات (٢٠١٣ - ٢٠٢٠). ففي السنة الأخيرة من سنوات العجاف كانت الشعوب المجاورة لمصر تعيش في حالة يرثى لها تماما كما تعيشها شعوب العالم اليوم في عام (٢٠٢٠) حيث ظهر وباء كورونا من بداية هذا العام فسبب أزمات صحية وإقتصادية لم تعرف الإنسانية مثلها من قبل ، ففي العصور الماضية كانت الأوبئة محصور في منطقة معينة من العالم ، أما وباء كورونا فاستطاع الانتشار في جميع أنحاء العالم . فأسم ( أكثم سليمان) أشهر الناجيين من زلزال /٩٢/ هو رمز لحالة الشعب المصري في زمن سنوات العجاف ، حيث كان (شبعان ، ويعيش في سلام) ، بعكس بقية الشعوب .

كان لا بد لنا من عرض هذه المعلومات عن النبي يوسف عليه الصلاة والسلام ، فبدونها سيصعب تفسير معنى عبارة (الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) . في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع شرح موضوع علاقة يوسف بهاروت وماروت .

وسوم: العدد 900