في مجتمعي الكريم

إيمان قاسم

في مجتمعي الكريم ، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبقى كريما ، أقول : لا مكان للرجل المناسب في المكان المناسب ، أقولها وهي حقيقة واقعة في مجتمعنا الكريم ، وأسمع الكثيرين من أبناء هذا المجتمع يقولونها . والكتابة في هذه الخاطرة لاتحتاج إلى كثير ذكاء ، بل ولا إلى المزيد من التفكير ، لأن الذي يمنح العقل فكرتها إنما هو الوجدان ، والشعور الفياض بالحب لهذا الوطن ولأهله الكرام . فقد حُرم الكثير من مكانهم المناسب الذي يمكن أن يبدعوا فيه خدمة لأبناء شعبهم ، ولرفعة هذا الوطن من جانب حضاري  ، كما أن هذا الأمر لايحتاج إلى أدلة ، ولا ضرورة  هنـا للبراهين  ، فإنك ترى في مكان مـــا مَن لايناسبه هذا المكان ، وتجد صاحبه يتسكع في شوارع القلق ، وفي أزقة الحزن ، ونسأل الله أن يبعد حالات  الانفعال عنه لكي يحافظ على إنسانيته في الصبر والاحتساب كرامة لوطنه العزيز .

     أرى أكثرنا اليوم يعبث بالقيم، وربما توارى الإيثار الذي هو أحد أعمدة تلك القيم الغالية التي يجب أن يتحلى بها  جميع أبناء وطننا العظيم ، وربما يشعر المتمعن في حال الناس  يجد أن الكثير منهم لايرى إلاّ نفسه : ( يحارب ، يجادل، بل ويماري وسط السّجال بين تمجيد وتخوين، وبين شعارات ومثاليات ) وغالبا لاتجد شيئا من تلك اللوائح والسياسات والنظم ما يتماهى مع واقعنا الكئيب والمترف بالفساد، والإسهاب في سرد هذه الفصول ، والتوسع في هذه الأبواب  سيجعل من الخاطرة مقالا ، ولا أريد ذلك ، بل أريدها خاطرة  ذات قيمة مع أنني لم أكن بحاجة إلى الإعداد لها  مسبقا  ، ولم تَلُحْ في ذهني كهاجس يمر بالبال على عجل ثم يتلاشى في خضم المعاناة التي تجتاح حياة الناس . فلست أدري على أي أسس يتم من خلالها الاختيار /الاختبار / الانتقاء ... وتلك هي المنغصات لقلوب  محبي الخير لرفعة الوطن وإكرام المواطن . ولعلها التوصيات  التي تنضوي تحت قائمة : (معارف، وصلات رحم ، أقارب،  وصداقات قديمة أو جديدة ، أم من تلك المدفوعة الأجر مسبقا:(الرشاوي ) ... أم أنها العشوائية التي لا ترتكز على إيجابيات مجتمعنا الكريم! أم أن الاختيار يتبع الاحتياج الممزوج بما قدمت من أنواع الصلات وكفى! فلا يوجد في معجم هذا الاختيار مايسمّى بالخطأ والصواب؟ 

حين  استبدلنا ماترضاه قيمنا  بمفردتين كئيبتن  لاترضاهما قيمنا التي ميَّزها الله سبحانه وتعالى عن كل الاعتبارات  : ( نحتاج ولا نحتاج ) كما فعل أحدهم حيث تروي القصص  الهادفة . فقد أخرج الحمار للسباق ، وأبقى الحصان للحراثة. وعندئذ خسر السباق، وفقد بيادر المحصول . هنا قد نصمد مسافة من الزمن  وقد يطول أمد هذه المسافة . ولكن ناموس الحياة في النهاية سيُسْقِطُ الشعارات المحمولة بأيدي من لايفقه معانيها،  ولا يدرك جمال مخرجاتها .

ما أجمل ، وما أجدى في هذا المجال لو عدنا إلى قيمنا المجيدة ، وإلى الإيثار  الذي لايعبأ بالواسطة ولا بكل ما أسلفنا قبل قليل ، إن قدرات الإنسان وخبراته ومواهبه وإخلاصه في عمله ... وما في هذه السلة المباركة من مزايا وصفات هي الأولى في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، إنها مسؤولية وأي مسؤولية . وأختم خاطرتي هذه بما ورد عن أبي ذر الغفاري  رضي الله عنه حيث  قلت: يا رسول الله، ألا تستعملُني؟ فضرب بيده على منكبيَّ ثم قال: ( يا أبا ذر، إنك لضعيف. وإنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) متفق عليه. 

وسوم: العدد 901