خواطر 970

إيمان قاسم

ماء البحر لايروي العطاش

نصوص تكاد أن تكون مبتورة

لِأولئك الأفراد الذين أشاهدهم يوميا دون أن أعرف أسماءَهم! كل ما يجمعني بهم هو ذات طريق الذهاب والإياب ، لذلك الذي ينتظر على الرصيف حافلة تقله ، وتلك التي تستعجل خطواتها لتصل مدرستها . لبحيرة الماء التي وصلت أمس بعد أن أمطرت السماء أرضا عطشى لشغف الأمنيات ، ولعيون الأمهات التي تنظر لأطفالها ملء قلبها قبل عينها تنتظر الغد الذي يشرقون به ، وللأب الذي حنى الزمان ظهره من ثقل الهموم وعبء حياة اقتصت من شبابه الذي تسلل من قبضته دون أن يشعر!  وللحالم... و المتفائل... والذي يعيش قيد انتظار منذ سنوات ... لكَ ولكِ... ولكل من ينتظر أن يكون هذا المساء مختلفا بعد نهاية شتاء بارد . مساء الخير .

***

على سيرة شتاء ...

ها قد بدأ شتاء جديد.. متعبة أنا قبل حتى أن يبدأ...

تقول الأرصاد إنه سيكون الشتاء الأشد قسوة منذ سنوات ، حسنا سأحاول أن أحتمي بمعطفي الصوفي ، وإن كان باليا ، لا بأس هو أفضل من لاشيء ، لديّ أيضا مظلة بها ثقبان ، تهطل من الأول الخيبات كلما أثقلت سماء الوجع بانكساراتها، والثاني للأحزان التي تليها . كنتُ دائما أتساءل ما إن كان باستطاعتي رتق الثقبين أو إيجاد حل لهذا الهطول . فكرتُ فيما لو كان باستطاعتي بيع المظلة لشراء أخرى جديدة ، لكنّ أحدهم لا يهمه أبدا جمع المآسي أو استبدال أفراحه وانتصاراته بخيبات وأحزان!

لا أحد يبدّل رخاء عيشه بضيق. ولا حتى ضيق عيشه بهموم إضافيّة. كل مَن عرفتهم اعتدتُ أن أستمع إليهم بأفراحهم وأحزانهم. فأنا منصت جيد ، لكنّهم فاشلون جدا بمبادلتي إنصاتهم ساعة حاجتي إليهم. هم يتلصصون على التفاصيل التي يريدونها فقط، لكنّ احتياجاتي لا تهمهم. حقيقة لا رغبة لديّ باستبدالها. قصدتُ مظلتي فأنا من الذين يتعلقون بتلك التفاصيل اللامنتهية ، والصغيرة جدا وإن كانت سبب شقائي. لا بأس هي الآن جزء منّي هي بعضي وأنا بها أكتمل ،  وإني لأثق بمَن يتم بيده التدبير .

***

هنــا ويكفي

اتفق مع صاحب البستان على جمع ثمره خلال ثلاثة أيام ، قبل أن ينتقل إلى جمع ثمار بستان رجل آخر في نفس القرية ، على أن يأخذ أجره عند نهاية وضع جميع الثمار في السلال المعدة لبيعها . واستلم مفتاح باب البستان مساء ذلك اليوم ، على أن يبدأ عملية الجمع منذ الصباح . غادر إلى داره وأخبر زوجته بأن الفاقة التي يعانون منها ستزول ، فلديه خمسة بساتين سيقوم بجمع ثمار كل منها وينال أجرها ، وحاول أن ينام ولكن هواجس نفسه ، ومرأى الدنانير التي ستملأ يديه ، منعته من النوم ، فهب مسرعا ، واتجه إلى البستان وأخذ يجمع الثمار  بكل ما أوتي من قوة ونشاط ، وأتم جمع الثمار  قبيل مغيب الشمس . ولم يشأ أن يذهب إلى صاحب البستان الأول ليسلمه سلال الثمار ، فقد اتفقا على ذلك بعد ثلاثة أيام . وعاد إلى بيته مسرورا ، وأخبر زوجته بأنه أكمل جمع الثمار خلال يوم واحد . كانت آثار التعب بادية على وجهه ، وقد هيأت له زوجته الطعام والمجلس الحسن ليستريح من عناء العمل ، ولكنه لـم يصبر ، فحفنة الدنانير من صاحب البستان الأول تتراءى له ببريقها ، فهبَّ واقفا عند ساعة الفجر الأولى ، واتجه إلى البستان الثاني ، ففتح بابه ، واندفع يجمع الثمار من الأشجار التي تحمل أغصانها الثمار اليانعات ، وأعاد نشاطه مرة أخرى ، وقبل انتصاف النهار كانت السلال قد امتلأت بالثمار ، فقفل راجعا إلى بيته والفرحة تملأ قسمات وجهه ، إنها دنانير صاحب البستان الثاني وكأنها  باتت في يديه ، أخبر زوجته بما أنجز ، فشكرت الزوجة سعيه وجهوده ، ولكنها قالت : أرى أن تستريح غدا لتعاود العمل بنشاط ، ولا تكلف نفسك أكثر مما تطيق . فما كان ليصغي لنصيحتها ، ففاجأها بتصميمه على الذهاب الآن إلى البستان الثالث ليتم مشواره الجميل الذي منعه من الراحة والنوم ، وانطلق بلا وعي يحث خطاه ، وفتح باب البستان الثالث ، وانقض على الأشجار يجمع ثمارها ، ولكنه شعر بصداع في رأسه ، نزل من أعالي الشجرة ، واستلقى تحت تلك الشجرة التي لم يتم جمع ثمارها ليستريح ، ولكنها كانت نهاية المشوار  الذي أغراه . وهنا يكفي . لقد فارق الدنانير ، بل خسر كل شيء . خسر السعادة التي كان يحلم بها ، فالطمع والجشع سدَّان منيعان أمام الوصول إلى السعادة . فمتى يتعظ الطمَّاعون ؟!

إضاءة نبويَّة :

( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) .

وسوم: العدد 970