الخاطرة ٣١٩ : فلسفة تطور الحياة الجزء ( ٢٦ ) .. الثدييات

ز . سانا

خواطر من الكون المجاور

حتى نستوعب بشكل أفضل موضوع مقالة اليوم عن تطور جهاز الحركة في الثدييات ، سنحاول أن نعرض ملخص سريع عن تطور جهاز الحركة في الكائنات الحية التي ظهرت قبل ظهور الثدييات . ذكرنا في الجزئين (٢٤-٢٥) أنه في بداية ظهور الحياة على سطح الأرض كانت وحيدات الخلية تتحرك بواسطة السوط أو الأهداب وأن الكائنات الحيوانية البدائية الأكثر تطورا من وحيدات الخلية قد إستخدمت طرق مشابهة للسوط والأهداب في حركتها ، ولكن مع وصول مراحل تطور الحياة إلى المرحلة المعروفة بحقبة ما بعد الإنفجار الكامبري الذي حصل قبل حوالي ٥٣٠ مليون عام ، ظهرت كائنات حية تتحرك عن طريق الأرجل معروفة اليوم بأسم مفصليات الأرجل والتي تنتمي إليها القشريات البحرية والحشرات والعناكب والعقارب . جميع هذه الحيوانات تمتلك خمسة أزواج من الأرجل أو أقل . أما لماذا الرقم خمسة هو الرقم النموذجي وليس ستة أوسبعة ؟ فالجواب هو أن الرقم خمسة هو رقم رمزي يمثل رقم عدد الحواس الخمسة (بصر، سمع ، شم ، لمس ، طعم) حيث كل رجل تمثل حاسة واحدة ، ولهذا كان عدد الأرجل في مفصليات الأرجل هو خمسة أو أقل في كل جانب من الجسم . فموضوع تطور الأطراف كجهاز حركي هو موضوع فلسفي (روحي ومادي) وليس مادي فقط ، فالحواس في الحقيقة هي تلك الوسائل التي عن طريقها نحصل على إدراك شامل يسمح لنا فهم حقيقة ما يحدث داخلنا وكذلك فهم حقيقة الأشياء والأحداث من حولنا.

فعن طريق الإدراك الشامل سيتم تنقية التكوين الإنساني من تلك الشوائب التي شوهته والتي كانت سببا في خروجه من الجنة ، فعن طريق الحواس (الإدراك) سيكتسب الإنسان نوع من الحركة تستطيع بها الروح العودة ثانية إلى الجنة.

وذكرنا أيضا أن رقم عدد الأرجل (الرقم خمسة) لم ينتقل إلى عدد الأصابع في رباعيات الأطراف عن طريق النسل المباشر (من الأب والأم إلى الأبناء) ولكن بواسطة طرق روحية مشابهة لقوانين الفيزياء الكمومية (إنتقال روحي)، حيث إنتقل الرقم (خمسة) من مفصليات الأرجل إلى رباعيات الأطراف رغم وجود فجوة زمنية بينهما مدتها أكثر من (١٥٠) مليون عام . وذكرنا أيضا أن عدد الأصابع (٤) في الأطراف الأمامية في البرمائيات مصدرها مختلف عن أصابع أطرافها الخلفية والتي عددها (٥) بمعنى أن مصدر صفات الجسم الأمامي (الكائن العلوي) يختلف عن مصدر الجسم الخلفي (الكائن السفلي) ، وكون البرمائيات لا تحمل الظفر في مقدمة كل أصبع فهذا يعني أن مصدرها لا علاقة له بالزوج الأول من الأرجل -في مفصايات الأرجل- والذي يحوي على الملقط والذي أيضا يمثل رمز حاسة الطعم وكذلك رمز غريزة القتل ولهذا كانت الضفادع تمثل الخطوة الأولى في عملية تطور إنتصاب الجسم كون تكوينها خالي من أداة القتل (الملقط) . أو بمعنى آخر أن التخلص من غريزة القتل قد أدى إلى ظهور الحركة الأولى وهي الإنتقال من الأسفل (بيئة مائية) إلى الأعلى (بيئة يابسة) . لهذا وبعد تمكن البرمائيات من المقدرة على العيش في الماء وكذلك على اليابسة ، ظهرت الزواحف كمرحلة جديدة في تطور الحياة أرقى من البرمائيات بحيث تستطيع العيش في جميع مناطق العالم وبدون الحاجة إلى بيئة مائية .

إن تطور الحياة بشكله العام هو في الحقيقة صورة مطابقة لتطور الإنسان ، فالمرحلة الأولى لتطور الحياة والتي حدثت في بيئة مائية (من وحيدة الخلية وحتى الأسماك) ، تمثل التطور الجنيني في رحم الأم ( مدتها في تطور الحياة حوالي ٣ مليار عام ، بينما مدتها في رحم المرأة تسعة أشهر ) . أما المرحلة الثانية وهي مرحلة تطور البرمائيات فتمثل مرحلة الرضاعة والتي مدتها في الحد الأقصى حوالي عامين {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...(٢٣٣)البقرة} . حيث الطفل في البداية يتعلم تحريك الرأس والأيدي والأرجل ، ثم يتعلم الحبو على أطرافه الأربعة ، ثم الوقوف ، ثم السير على قدميه . ولهذا فإن حياة البرمائيات بشكل عام مرتبطة بوجود بيئة مائية فهذه البيئة المائية تمثل رمز الأم للبرمائيات ، فالمقصود هنا ليس (الرضاعة) بالذات ولكن الإرتباط الروحي الوثيق مع الأم (البيئة المائية) كما تذكر الآية القرآنية {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ(١٤) لقمان} .

المرحلة الثالثة وهي مرحلة ظهور الزواحف وتطورها ، هي المرحلة التي تمثل نمو الطفل من بداية تعلمه للمشي على قدميه وحتى بداية دخوله في مرحلة المراهقة . حيث الطفل في مرحلة ما بعد الرضاعة يتحرر من إرتباطه الشديد بأمه ويخرج من عالمه الصغير (عالم الأسرة) إلى عالم الحي المحيط بمنزله . ولهذا إنتشرت الزواحف في جميع مناطق اليابسة في العالم بحيث أصبح جسد كل نوع منها متأقلم تماما مع الظروف المناخية والطبيعية في المنطقة التي تعيش فيها .

بعد ظهور الزواحف بحوالي /١٠٠ / مليون عام ، ظهرت الثدييات كمرحلة رابعة لتطور الحياة ، وهي المرحلة التي تمثل مرحلة المراهقة في نمو الإنسان أو بمعنى فلسفي أدق هي المرحلة التي تمثل مرحلة نمو الكائن السفلي في الإنسان . فأهم تغير خارجي واضح يحصل في مرحلة المراهقة عند الفتيات هو تضخم حجم الثدي . فتسمية هذه الأنواع من الكائنات الحية بالمصطلح العلمي الثدييات (Mammalia) التي صاغها العالم السويدي كارولوس لينيوس عام /١٧٥٨/ هي مشتقة من كلمة mamma' اللاتينية وتعني (حلمة الثدي). حيث أنثى جميع أنواع الثدييات تقوم بإرضاع صغارها من غدد تفرز الحليب .

جميع أنواع رباعيات الأطراف التي عاشت قبل ظهور الثدييات (أسماك ، برمائيات ، زواحف) كانت ذوات الدم البارد ، فهي ليس لديها آلية تسمح لها في تنظيم ذاتي لحرارة جسمها، لهذا فهي تعتمد على نفسها في تنظيم درجة حرارة جسمها ، وذلك إما عن طريق التعرض للشمس لرفع درجة حرارة جسمها في الفصول الباردة ، أو عن طريق الإختباء في أماكن باردة في الفصول الحارة لتخفيض درجة حرارة جسمها .

أما الثدييات فقد إكتسبت آلية في جسمها يمكن من خلالها أن تقوم بتنظيم درجة حرارة جسمها ليكون بدرجة ثابتة طوال الوقت ، ولهذا تسمى بذوات الدم الدافئ كونها لا تحتاج لمصادر خارجية لتنظيم حرارة جسمها ، وكأن لديها مكيف حراري داخل جسمها يجعلها تتمكن في العيش والتنقل على اليابسة بحرية أفضل بكثير من الزواحف . هذا التطور من الدم البارد إلى الدم الدافئ ليس تطورا عبثيا حصل بالصدفة ولكنه حدث ضمن مخطط إلهي يشرح لنا ذلك التغيير الذي يحصل في نمو الطفل بعد دخوله في مرحلة المراهقة . فقبل سن المراهقة يكون العالم الفكري او الروحي للطفل محصورا في عالم الأسرة وعالم الحي الصغير الذي يعيش به والذي يتألف من أفراد عائلته وأفراد الجيران الذين يعيشون معه في الحي ، أما بعد المراهقة فيحصل إنفتاح المراهق على عالم أوسع يشمل جميع الأحياء المحيطة به . ولهذا نجد أن الثدييات قد إكتسبت سلوكا جديدا وهو الهجرة من منطقة إلى منطقة قريبة منها مع إختلاف فصول السنة . أما الطيور والتي ستظهر بعد الثدييات والتي تمثل مرحلة سن الرشد في نمو الإنسان ، فنجد أن الطيور -التي سنتكلم عنها في المقالة القادمة إن شاء الله - لديها القدرة على الهجرة من قارة إلى قارة أخرى لتضمن لنفسها ولصغارها مكان أنسب للعيش فيه . فهذا التطور في الحركة من مسافات قصيرة إلى مسافات أكبر ثم أكبر ثم أكبر في الأنواع المختلفة من الكائنات الحية، ليس صدفة ولكنه حكمة إلهية لها معنى أن هدف وجود الإنسان على سطح الأرض ليس البقاء فيها ، ولكن هدفه الحقيقي هو إكتساب القدرة على تحقيق تلك الهجرة الأخيرة وهي الإنتقال من كوكب الأرض إلى الوطن الأم (الجنة) التي طُرد منها . وهذه الهجرة لا يمكن تحقيقها بوسيلة مادية عن طريق الأرجل أو الأجنحة أو الوسائل الأخرى المعروفة مثل السيارة أو الطائرة ، ولكن من خلال تنمية الحواس الخمسة والتي تسمح للإنسان الوصول إلى الإدراك الشامل والذي من خلاله يمكن للإنسان تنقية نفسه من جميع تلك الشوائب التي حدثت في تكوينه الإنساني بسبب تلك الخطيئة التي أدت إلى طرده من الجنة . فموضوع تطور جهاز الحركة ليس المقصود به معناه المادي كوسيلة للتنقل من مكان إلى مكان ، ولكن المقصود منه هو معناه الرمزي وهو الوصول إلى ما وصفته الآية القرآنية عن التكوين الإنساني في الجنة {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) التين} ، ولهذا كان العدد النموذجي للأصابع في رباعيات الأطراف هو الرقم خمسة الذي يمثل عدد حواس الإدراك .

قبل أن نتكلم عن الإختلافات في شكل الأطراف في الثدييات ، هناك معلومة هامة يجب ذكرها ، وهي أن علماء الأحياء يحاولون معرفة كيفية أو طريقة ظهور الشعر أو الوبر أو الصوف الذي يميز الثدييات عن الزواحف والبرمائيات التي ظهرت قبلها ، فهم يعتقدون أن طفرة ما قد حدثت وسببت ظهور هذه الصفة في الثدييات . هذا الموضوع بشكله المادي لا يهمنا هنا ولكن ما يهمنا هنا هو معناه الروحي . فظهور الشعر أو الوبر أو الصوف في الثدييات لم يحدث بالصدفة ولكن ضمن مخطط إلهي فهو صفة من صفات التكوين الإنساني ، فالإنسان مع دخوله في مرحلة المراهقة يبدأ نمو الشعر في مناطق مختلفة من جسمه ، شعر الإبط وشعر العانة وشعر الذقن وشعر خفيف على بقية مناطق الجسم . والمصدر الأول للوبر أو الشعر أو الصوف هو المملكة النباتية حيث منها إنتقل إلى المملكة الحيوانية. وأفضل دليل على ذلك هو شدة الشبه بين الصوف والقطن رغم شدة الإختلاف في طبيعة تركيبهما المادي . ما نريد أن نقوله هنا هو أن جميع الكائنات الحية لم تظهر عن طريق الصدفة ولكن ضمن مخطط إلهي فجميعها مرتبطة ببعضها البعض لتساهم في تكوين الإنسان.

كما ذكرنا في المقالات الماضية بأن المبدأ العام لتطور الحياة يعتمد بشكل أساسي على العلاقة بين الذكر والأنثى (عفة - زنى) ، والتي نتيجتها تحدد سلوك الكائن الحي (مسالم - مفترس) . الثدييات هي المسؤولة عن تطور القسم السفلي (القسم الغريزي) في التكوين الإنساني ، أما الطيور فهي المسؤولة عن تطور القسم العلوي (القسم العاطفي) في تكوين الإنسان. لهذا فإن فهم تطور جهاز الحركة في الثدييات يساعدنا في فهم تكوين القسم السفلي في جسم الإنسان وتأثيره على سلوكه .

في الحقيقة لا يوجد أي صفة في شكل اليد أو القدم أو في شكل الحركة في الثدييات قد ظهرت هكذا بالصدفة ، ولكن كل شيء فيها يتبع قانون إلهي يُعبر عن نوعية تلك الروح التي تكمن في كل نوع من أنواع الثدييات . فطريقة الحركة في الثدييات الجرابية - مثلا - توجد على نوعين : النوع الأول وهو النوع المسالم الذي يعتمد في تغذيته على النباتات ، نجد أن مكان الجراب يقع في مقدمة بطنه ، بحيث تكون جهة فتحة الجراب نحو الأمام ، لهذا نجده يستطيع الإنتصاب والسير على أقدامه الخلفية وأفضل مثال على هذا النوع هو حيوان الكنغر . أما النوع الثاني فهو النوع المفترس والذي يعتمد في تغذيته على لحوم الحيوانات الأخرى ، حيث يقع فتحة الجراب في أسفل البطن وجهة فتحته نحو الخلف . جميع أنواع الثدييات الجرابية المفترسة تسير على الأربع ولا تستطيع الإنتصاب والسير على أطرافها الخلفية وأفضل مثال على هذا النوع المفترس هو حيوان شيطان طاشمانيا (كما توضح الصورة) . المعنى الفلسفي لهذا القانون في الثدييات الجرابية والتي تُعتبر ثدييات بدائية ، هو أن تنمية غريزة حب العنف والقتل والإنتقام ستجعل روح الإنسان تعود في تطورها نحو الوراء ونحو الأسفل لتسير على الأربع كما هي في هذا النوع من الحيوانات الجرابية (شيطان طاشمانيا). أما تنمية عاطفة حب السلام والتعاون مع الآخرين فهي ستساهم في تطور الروح نحو الأمام ونحو الأعلى (الكنغر) . وطالما أن الإنسان يسير منتصبا على قدميه فهذا يعني أن تكوينه الذي خلقه الله عليه يفرض على الإنسان حب السلام ومساعدة الآخرين والتعاون معهم بغض النظر عن جميع تلك الإختلافات العرقية والدينية واللغوية بينهم ، وأن تنمية الفتنة والعداوة بين الناس هي نوع من المعصية للتعاليم الألهية كونها تُحدث نوع من التناقض بين الشكل والمضمون .

بالنسبة للثدييات الحديثة فهناك أيضا قانون إلهي يحدد طريقة الحركة فيها وذلك حسب نوعية تلك الروح التي تكمن في داخل كل نوع . فالقانون يقول كل حيوان ثدي يعتمد على نوع واحد من التغذية سواء كان عاشب أو لاحم فطريقة حركته تعتمد السير على الأربع ، فالغزال -مثلا- رغم أنه حيوان نباتي (مسالم) ولكنه يسير على الأربع ولا يستطيع الإنتصاب والسير على أطرافه الخلفية. ونفس الشيء ينطبق على النمر والذئب (آكلة اللحوم) وغيرها من الحيوانات المفترسة فهي أيضا تسير على الأربع . أما الثدييات آكلات كل شيء (عاشبة ولاحمة في نفس الوقت) فنجد أن جميع أنواعها تستطيع الإنتصاب بسهولة والسير على أطرافها الخلفية ، كالقرد والدب والفأر وغيرها من آكلات كل شيء (الصورة) . هذا القانون الإلهي يشرح لنا حقيقة معنى الإدراك ، فطالما أن جهاز الحركة هو في الأصل رمز للحواس الخمسة ، وهذه الحواس هي المسؤولة عن الإدراك ، فهذا القانون يقول لنا أنه هناك نوعين من الإدراك : الأول وهو الإدراك الروحي ورمزه الثدييات ذات التغذية النباتية ، والثاني وهو الإدراك المادي ورمزه الثدييات ذات التغذية الحيوانية . فكل نوع من الإدراك بمفرده هو إدراك ناقص لا يستطيع بمفرده كشف حقيقة الأشياء والأحداث . فالإدراك الروحي بدون مساعدة الإدراك المادي سيقود فكرنا إلى الخرافات وإلى عالم خيالي غير واقعي . وهذا ما كان يحصل في العصور الماضية والذي دفع إلى إنحطاط الحضارات نتيجة تشويه معاني النصوص الدينية . وكذلك الإدراك المادي بمفرده دون مساعدة الإدراك الروحي سيقودنا إلى مبدأ العلم للعلم والفن للفن وليس لخدمة الإنسان والذي في النهاية سيؤدي إلى الإلحاد ، وهذا في الحقيقة ما يعاني منه اليوم المنهج العلمي الحديث والذي أصبح خاليا من الروح . فالإصرار على إثبات صحة معلومة أصل الإنسان حيوان شبيه بالقرد ، تؤكد بأن العلماء اليوم يعانون من عمى الإدراك الروحي كونهم لا يشعرون بأن سبب إختلاف التكوين الإنساني عن تكوين جميع بقية الكائنات الحية هو أن الإنسان هو فقط الذي يملك في تكوينه جزء من روح الله .

هناك دوما بعض الشذوذ في كل قانون ، ولكن ومع ذلك فهذا الشذوذ أيضا ليس صدفة ولكن يحمل حكمة إلهية ، فالخنزير -مثلا- يشذ عن هذا القانون فرغم أنه حيوان آكل كل شيء ولكنه لا يستطيع الإنتصاب على أطرافه الخلفية ، ولهذا في الديانة الإسلامية يُعتبر حيوان نجس (موضوع شذوذ الخنزير تكلمنا عنه بشكل مفصل في مقالات ماضية) .

أيضا الأرنب يشذ عن القانون ، فرغم أنه ثدي عاشب ولكنه يستطيع الإنتصاب على أرجله الخلفية ، الديانة اليهودية والمذاهب الشيعية حرمت أكله ، أما المذاهب السنية الأربعة فحللت أكل لحمه . (موضوع شذوذ الأرنب يحتاج لشرح طويل ، وإن شاء الله سنتكلم عنه في مقالة منفصلة) .

ذكرنا قبل قليل أن الثدييات هي المسؤولة عن تطور الكائن السفلي للإنسان. لهذا نجد أن تطور أصابع أطراف الثدييات بدأ بخمسة أصابع . ونجد أن الثدييات آكلات كل شيء (عاشبة ولاحمة) قد إحتفظت بأصابعها الخمسة ، فجميع أنواع الثدييات الحديثة آكلات كل شيء أطرافها تمتلك خمسة أصابع كالقرد أو الفأر وغيرها . أما الثدييات المفترسة فهناك نوعان من المفترسات : النوع الأول وهو المفترسات النجسة والتي تنتمي إليها جميع أنواع فصيلة الكلبيات (كلب ، ذئب ، ثعلب ...إلخ) . حيث نجد أن أطرافها الأمامية وكذلك الخلفية تمتلك خمسة أصابع . هذه المفترسات تمثل رمز حب العنف والقتل والإنتقام وهي رمز الغرائز الحيوانية في الإنسان والتي تدفعه إلى الرغبة في إيذاء الآخرين أو إلى إستعمار البلدان الأخرى لإستغلال خيراتها لتأمين رغبات النفس الدنيئة . فنجد -مثلا- أن قطيع الذئب عندما يهاجم قطيع من الخرفان يقوم بعض أكبر عدد ممكن من الخرفان ليقتلها ، رغم أن خروف واحد أو إثنين يكفيها لتأمين طعامها.

أما النوع الثاني فهو المفترسات الطاهرة وهي الأنواع التي تنتمي إلى الفصيلة القططية (قطة ، نمر ، أسد ... إلخ) ، فهذه الأنواع عادة تستخدم مخالبها وأنيابها للدفاع عن نفسها فقط ، وأحد أنواع الدفاع عن النفس هو عدم الموت جوعا كونها حيوانات لاحمة لا تستطيع هضم المأكولات النباتية ، لهذا فهي مضطرة إلى الإفتراس لتأمين طعامها . ولكنها عندما تكون في حالة شبع لا تهاجم الحيوانات الأخرى . المفترسات الطاهرة تمثل حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ، فطالما هناك روح سوء عالمية تدفع ببعض الناس إلى قتل وسلب حقوق الآخرين ، لهذا وجب وجود أشخاص أو جيوش يقومون بدور التصدي لهم للدفاع عن النفس أو عن حقوق الأخرين أو عن الوطن. لهذا كان تكوين المفترسات الطاهرة مختلف عن تكوين الثدييات المفترسة النجسة ، حيث نجد عدد الأصابع في الأطراف الأربعة للأنواع المفترسة الطاهرة مشابه لأطراف الضفدع ، وهو أربعة أصابع في الأطراف الأمامية وخمسة في الأطراف الخلفية. فغياب أصبع واحد من الأطراف الأمامية ووجوده في الأطراف الخلفية يعني أن وجود غريزة القتل في هذه المفترسات الطاهرة سببه حاجة إضطرارية وليس سببه الشعور باللذة والمتعة في إيذاء الحيوانات الأخرى .

هنا لابد أن نذكر معلومة هامة وهي أن الثدييات المفترسة بشكل عام تمثل القسم المذكر من الثدييات ولهذا فهي تمتلك غريزة القتل لتأمين الغذاء والدفاع عن النفس أو عن المجموعة . أما الثدييات العاشبة فهي تمثل القسم المؤنث من الثدييات. ولهذا نجد أن أطراف جميع أنواع الثدييات العاشبة عدد الأصابع فيها أقل من خمسة (الصورة) . فالثدييات كما ذكرنا قبل قليل هي المسؤولة عن تكوين الكائن السفلي في الإنسان ، وأهم وظيفة للأرجل في الكائن السفلي هو حمل الجسم والتنقل من مكان إلى آخر ، حيث الأصابع في قدم الإنسان لا تلعب أي دور في الأعمال سوى حمل الجسم والسير ، ولهذا نجد أن الأصابع في الثدييات العاشبة أثناء تطورها قد تناقص عددها حتى وصل إلى أصبع واحد كما هو في الحصان . فالحصان كتكوين هو أفضل من يمتلك تعبير روحي بين أنواع الثدييات في توضيح معنى الكائن السفلي بشكله الصحيح . ولهذا نجد أن الإحساس الفني عند الفنانين قد دفع إهتمامهم الشديد في وصف الحصان كأجمل حيوان بري . فمن أسماء الحصان هو (الخيل) وهذه الكلمة مشتقة من "الخيلاء" لأنها تمشي بزهو وكبرياء وشموخ. ومن اسم "الفرس" اشتق اسم "الفارس" و"الفروسية" التي تحمل معاني الأخلاق السامية النبيلة والشهامة والكرامة والعفة والسمو . وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصان في حديثه الشريف (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) ، وكذلك القرآن الكريم {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨) النحل} فالمقصود بالآية الكريمة ليس فقط معناها الحرفي ، ولكن أيضا معناها الرمزي وهو أن الكائن العلوي في الإنسان يركب على الكائن السفلي الذي رمزه الخيل والذي ينقله من مكان إلى آخر.

ما يجب أن نفهم جيدا هو أن علاقة الكائنات الحية بالتكوين الإنساني ليس بهذه البساطة لنشرحها بصفحات قليلة ولكنها معقدة جدا ، فكل نوع من أنواع الثدييات تشرح لنا صفة من صفات جزء من تكوين الكائن السفلي في الإنسان. وقد شرحنا بعض منها في مقالات ماضية (فيل ، بقرة ، خنزير ... وغيرها من الثدييات ) .

هناك أنواع من الثدييات تمتلك ما يشبه الأجنحة كالسنجاب الطائر أو الخفاش، تسمح لها بالحركة في الجو . في المقالة القادمة والتي تتعلق بجهاز الحركة عند الطيور ، سنتكلم إن شاء الله عن الثدييات الطائرة وسنذكر الإختلاف الروحي بينها وبين الطيور والتي تمثل مرحلة جديدة في نمو الإنسان وهي مرحلة سن الرشد في التكوين الإنساني.

وسوم: العدد 1003