كلمات ... في قيمة التوعية

إيمان قاسم

التوعية مادة لايستغني عن ثمارها الآباء في البيت ، ولا المعلمون في مراحل التعليم ، ولا أصحاب المؤسسات على تهيئة إنتاجهم على الوجه الأفضل ، ولا تستغني الحكومات الرشيدة على العناية بذا الجانب نحو مواطنيهم ، فالفرد الواعي ينتج ويقدم الخير لآله و وطنه ، بل وللإنسانية جمعاء . وتقوم التوعية على الموعظة الحسنة ، والحديث عن القيم الإنسانية في المجتمعات ، وإبراز دور النصيحة في التوجيه السليم . وهنا يأتي دور القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وفي معاملاته المباشرة مع الآخرين ، فالناشئ يقلد مّن هو أكبر منه في أفعاله ، وهو يتأثر بالقدوة الصالحة التي تجتمع مع ماتقدم من أنواع التوعية . فرب مرتكب لأفعال مشينة يرى نتائج سيرة صديقه الحسنة ومحبة الناس له ، ونجاحه في حياته العملية فيقلع عن عاداته السيئة ، ويقتدي بصاحبه الذي تفوق ونال وسام الفخر . فالتطبيق العملي لخلق مـا يظهر محاسن تطبيق ذاك الخلق ، فيكون أكثر تأثيرا في نفوس الآخرين . وخصوصا في هذا العصر الذي تعصف في أرجائه رياح الأهواء والطيش والتفلت من القيم ، والانجراف وراء تجار أسواق الانهيار الأخلاقي ، هذا الانهيار الذي جلب العار على الأسر ، والدمار على المجتمعات ( وإنما الأمم الأخلاق مابقيت ... فإن هــمُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا ) .

فعادات غربية ، ومساوئ شرقية ، وسلوكيات بائرة ... غزت بلادنا ، وأمعنت في تفكيك الأسر ، وفي غواية الشباب والشابات فيما لاتُحمد العقبى ، ولا يُنتظر منها إلا المشاكل الأسرية ، والموبقات التي يندى لهـا الجبين ، ولم يعد يخفى على ذي بصيرة مانال أبناء أمتنا من الانحرافات والشذوذ والتفلت الأعمى ، والركض خلف حقول الشر البائسة . ومن هنا خسر المجتمع ما حباه الله بـــه من خير وبركة وتكافل وغير ذلك من سمو في الأخلاقيات ، وصدق في المعاملات ، والبعد عن كل مايشين سمعة الفرد أو الأسرة ، وبالتالي يشين المجتمع الذي يعيش في الشر والأذى . وهاهنا يأتي بيت القصيد كما يُقال حيث يجب أن يُرَى الذي يشار إليه بالبنان ، ويُقال هذا صادق وهذا أمين وهذا صاحب مروءة وشهامة ... أي أن السلوك الصحيح كان ثوبا لهؤلاء لاينكره الآخرون .

إنَّ التوعية تستدعي الإلمام بالحقوق والواجبات في التعامل بين الناس ، كما أن التوعية المنزلية للأبناء من الضرورة بمكان ، ولديننا الحنيف الدور الريادي الأسمى في الوقوف على أنواع التوعية الجادة التي تقود الأبناء على مدارج الحق والخير والتواصي بتلك القيم الغالية . فغرس العقيدة في نفوسهم ، وتقويم الأخلاق ، والنصائح التي تُقدم للأبناء يوميا ، حيث تسمو النفوس ، وتتألق السير الحميدة في حياتهم ، فالوعي يصنع من الأبناء رجالا ، وينمي مهاراتهم ، وينير آفاق مساعيهم الأثيرة ، ويشحن هممهم ، ويغني مداركهم في أمور الحياة . وهذا ما يؤمله منهم أهلوهم ومجتمعهم .

ومن المؤكد وعلى امتداد القرون التي مرَّت أن المحضن الكريم للتربية الإسلامية الفاضلة يُشعر الفتى بأهمية ماوهبه الله من طاقات وقدرات عقلية لاحدود لآفاقها ،كما أنها تزرع الثقة في نفوسهم ، وتدفعهم إلى خلق بيئة صالحة نظيفة ، تُزرع فيها بذور القيم ، وحب العمل والابتكار واستغلال الأوقات فيما يرضي الله تبارك وتعالى . ويعود نفعها على المجتمع الذي يعيش فيه . فظلال هذا المحضن مساحة آفاقها ممتدة ، يتنافس فيها الجيل على حسن الأخلاق وصدق الأداء ، والأخذ بالأسوة الحسنة ، وإذكاء روح الإبداع الكامن في الصدور ، وهي بيئة يرضاها ويطمئن إليها أولياء الأمور لأنهم يحرصون على صيانة نشأة أبنائهم على مكارم الأخلاق ، والبعد عن المفاسد ومسبباتها ، ونيل ما أعدَّ الله للفتى الذي يلتحق بموكب السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة .

ولقد كثرت كتابات المصلحين الاجتماعيين ، وتنوعت أساليب التوعية لتغيير سلوك من نأى عن مناهج الحق والخير . ولكن تبقى قيمنا الإسلامية وعاداتنا المجيدة راسخة في جبين نهضة حضارية ملآت الوجود بِــرًّا وفضلا وإحسانا ، ولقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في إدارة عجلة التوعية في قومه ، من خلال دعوته الربانية ، وخلقه العظيم ، وسيرته الحميدة ، فقد صبر على الأذى ، وعامل الآخرين بالحسنى فلم يغضب لنفسه أبدا ، ولم ينتقم من أحد واستطاع بفضل من الله سبحانه وتعالى أن يُنشئ أمة كانت خير أمة أُخرجت للناس ، ولا تزال الأيام تتغنى بمكارم أخلاق الفاتحين ، ومعاملتهم للناس وإكرامهم وإرشادهم إلى مافيه خيرُهم في الدنيا والآخرة . فلدى شريعتنا الغراء مناهج للتوعية ، وللرقي بإنسانية الإنسان ، فالصبر على معالجة بعض المواقف والعادات أو التصرفات يفيد الداعي أو المرشد الناصح في التغلب على المشكلة مهما بدت أنها معقدة أبدا ، ولقد جاء في الأثر : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) . فالرحمة واردة في هذا المجال ، ولا يتراجع مَن يقوم بالتوعية من نفور بعض الناس وغضب آخرين ... فإن الله ‘لمنا وأمرنا بالعفو والصفح وفي ذلك وردت الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة ، ولقد خاطب الله عزَّ وجلَّ نبيَّه صلى الله عليه وسلم مادحا له عليه الصلاة والسلام : (فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك) 159/ آل عمران . فالقول الهادئ المتزن يجذب القلوب ، ويؤثر فيهــا فتستجيب لنداء الحق . إن إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والابتسامة في وجه مَن تلاقيه ، وتعزية الناس عند نزول المصيبة وما إلى ذلك من الأعمال الاجتماعية العالية ، تعمل على توعية القلوب وإرشاد النفوس إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين .

*إضاءة :

( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ...

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا...

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )

وسوم: العدد 1015