خاطرة

أبو المعالي الظاهري

عندما تقرأ كُتبَ ورسائل أبي عثمان الجاحظ ، ترى فيها طَرْحا لمسائلَ بلغَ فيها الإسفافُ إلى ما هو دونَ الأزُرِ مِن الحديث ! وتجدُ فيها أقاويلَ تَنمُّ عن رِقة الديانة ! ويتبدّى ثوبُ الوقارِ أحيانا مُرقَّعا ! وتطرقُ معه فيها أبوابا تُفتح على الشذوذِ والإغراب ، والمقامُ مُستغنٍ عن المِثالِ الذي يقربُ ههنا مِن المُثلة !!

ولكن .. !!

سلطان البيانِ الذي يكسوها يتبدَّى كمَثلِ الحاجبِ الذي يحجبُ عن السلطان كلّ ذي كَدَر من الناس ، أو كمثلِ فَلقِ الصّبح الذي يمحو ظلامَ الليل ، ولقدْ تجده بمنزلة الحسناتِ التي تمحو السيئات ، أو الحُسن الذي يشفعُ لذنب الحبيب ..

إنَّه البيان الذي يُقبّح الحَسنَ ويُحسّن القبيحَ ! ويسحرُ ذوي الألباب ! فتجدُ العاقل مسوقا سوقَ البِغالِ إلى كتاب البغالِ له ، ولو كانَ لغيره من ذوي العَياء لكان نادرة لكل بادرة ! ولا يجدُ ذو الحجا في نفسه حرجا من قراءة القيان والبرصان والعرجان وتفضيل البطن ومفاخرة الغلمان .. !! لما سيلقاه فيها من المُكفرات التي تكفر عنه ذلك ،حتى المجون بما معه وما فيه  !! وترى - بعد - عيانا أن المعاني مطروحة على الطّرق ! وتعلمُ أنّ البيانَ هو ما كان سِحرا كذلك السِّحر ..

وسوم: العدد 859