خطبة عيد الفطر السعيد

محمود مشّوح

خطبة عيد الفطر السعيد

1 شوال 1396 / 24 أيلول 1976

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

        الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله العظيم وبحمده بكرة وأصيلاً .. سبحان الله وله الحمد في الأولى والآخرة .. الله أكبر فوق كل كبير ، نداء تتردد في سمع الدنيا منذ انطلقت به شفتا محمد صلى الله عليه وسلم ، وورثت ذلك النداء أمة اختارها الله تعالى لوراثة نبيه وحمل دينه وحماية كلماته .

       الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام ، ولم يهنا بالكفر والفسوق والعصيان ، الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .

       أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، أما بعد أيها الإخوة الأحبة ..

       فهذا أول يوم من شوال أحلّ الله لكم فيه الطعام والشراب بعد أن قضيتم شهراً كاملاً تأخذون أنفسكم بألوان من الحرمان أراد الله لكم أن تعانوها لكي تبلغ التقوى قلوبكم ويمس الرفق والحنان شغافكم وتزداد بينكم المودة وعوامل الإخوّة والألفة ، ولكي يطهركم مما تراكم على النفوس بفعل العادة والاستمرار ، من استمرار الحياة الرتيبة والأمور الهينة وإعطاء النفس ما تشتهي وتتمنى ، فلقد قال الله تعالى في بيان حكمة الصوم ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فأبان الله تعالى أن غاية التي يكدح إليها الصائمون إنما هي الحصول على اتقاء الله تعالى ، واتقاء الله تعالى تتمثل في التزام ما أمر واجتناب ما نهى عنه والوقوف عند ما حدد للناس وطلب إليهم أن يقفوا عنده ، فالإنسان المسلم الذي كلف بالتكاليف وطوق بالأوامر يريد له الله تعالى أن لا يأخذ الحياة الدنيا كما تأخذها الدواب والأنعام كلأ مباحاً وشيئاً هيناً ميسوراً ، يتناوله الإنسان متى شاء ويكف عنه متى شاء ، فذلك شأن الذين لا يعقلون وشأن الذين يتخذون الحياة الدنيا مسرحاً لريّ الشهوات وإشباع الأنفس مما حلّ ومما حرّم .

       لكن الإنسان المسلم على خلاف هذا ، إنسان أنزل الله إليه منهجاً فهو يتقيد به ، وحدد له حدوداً فهو يقف عندها ، وأوضح له آماداً وغايات فهو يعمل على أن ينتهي إليها ، فحياته ليست سدى ، وليست عبثاً وليست انطلاقاً بغير ضابط . على الإنسان أن يعرف أن الحياة الدنيا لا تستقيم إلا أن يعرف كل أحد الحد الذي ينبغي أن يقف عنده . وما يفيدنا بشيء أن يكون سوط القانون ورهبة السلطة هي التي توقف الناس عند الحدود ، أبداً إنما الذي يجدي وينفع هو أن يتعلم الناس أن يقفوا عند الحدود طواعية واختياراً ، ذلك أدل على أن الإنسان قد امتلأ بالمعاني العظيمة والتوجيهات الحكيمة .

       وهذا الصوم الذي مضى إيقاف النفس عند الحدود من غير سوط ينزل على الظهور ومن غير رهبة تقف على المعالم لتردّ الشاردين ، إنما هي طاعة محضة لا يطلع عليها إلا الله تعالى . فالصوم أريد به أن يربى المسلم على هذا المعنى العظيم ، أن يكون لنفسه من نفسه رقيب ، وأن يقيم عليها منها حسيباً يحاسبها ويوقفها دائماً وأبداً عند حدها حتى لا تشرد ولا تضل ولا تضيع .

       هذه كلمة لا بد أن تقال ونحن نودع الشهر الكريم وداع الذين لم يقضوا منه أرباً ، ولم يقضوا منه وطراً ، فقد عهدنا الناس كما حدثنا عنهم التاريخ يجزيهم أن يصوموا يوماً وأياماً فإذا هم قد تطهّرت نفوسهم وصغت قلوبهم لأمر الله ، والناس اليوم يصومون ويفطرون وكأنهم ما صاموا ولا أفطروا ، وكأن الفرائض التي يأخذون أنفسهم بها لم تنزل لهؤلاء البشر الذين أريد لهم أن يفيدوا منها وأن يتعلموا من دروسها ، ومن هنا كان ضرورياً جداً في مثل الموقف وكان يمكن أن يكون كلمتين تذكيراً على هامش الصوم ، كان ضرورياً أن يُلفت النظر إلى بعض المعاني .

       أول شيء لا بد أن نلفت الأنظار إليه ضرورة أن يكون درس الصوم الأول على بال الناس ، فأنت أيها المسلم قضيت شهراً ترد نفسك عما تشتهي ، فجعتَ وعطشتَ وقاسيت من ألم الحرمان ، ويقيناً لو أنك حُدّثت عن متاعب الجوع والعطش وعن الآلام القاسية التي يكابدها المحرومون ما بلغ ذلك منك معشار المبلغ الذي يبلغه حينما تعاني أنت بالذات هذه الحالة . فالإسلام أراد للإنسان المسلم أن يحس إحساساً حياً بجوع الجائعين وحرمان المحرومون لكي يكون اندفاعهم إلى ردّ الجوعى وستر العري والحاجة اندفاعاً مبنياً على تجربة حية عاناها الإنسان المسلم خلال شهر يتجرع غصص الحرمان ومتاعب الجوع والعطش .

       والله تعالى غني عن أن يكلف الإنسان هذه المشقة ، فما يعود على الله من شيء ، فتعالى الله عن ذلك ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) ولكن الفائدة تعود على الناس في كل فريضة يؤدونها وفي كل أمر يقومون به ، وليس يكفي في مجتمع المسلمين أن يحس الإنسان بهذا لكي يمدّ اليد إلى الجيب في الآن بعد الآن كي يتصدق بقليل من القروش على فقير يمر في الطريق ، ذلك تصور ساذج ، بل تصور أبله لقضية الترابط في المجتمع المسلم ، إن المسألة في عرف المسلمين واعتبارهم أسمى من ذلك وأعلى ، ليست المسألة أبداً هي أن نسنّ القوانين ونضع الشرائع ونقيم المؤسسات التي تحرس القوانين والشرائع ، أي فارق بين مجتمع يساس بالسوط والعصا ويقف عليه جملة من الحراس وما أشبه الحراس ، وبين قطيع من الأغنام يمسك الراعي بعصاه كي يردّ كل دابة تريد أن تخرج على القطيع ؟ إن نظر الإسلام أسمى من ذلك وأعلى وأعرق في الإنسانية ، إنه يريد المجتمع الذي تحركه عوامل الإنسـانية نابعة من ذاته غير مفروضة عليه ، لأنه يعرف أن المجتمع الذي يقاد بالقوة والسوط مجتمع يتربّص بنفسه ، فهو حري بأن يحطم نفسه كما يفعل الصبي وكما يفعل المجنون .

       إن الإسلام قاد الناس من داخل النفوس ، ولم يقدهم بسلطة الدولة ولا برهبة القوانين ولا بسياط الشرطة وما أشبه ذلك ، الإسلام يريد هذا ويريد لهذا المجتمع أن يكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اشتكى بعضه اشتكى كله . فكان تخطيطه وكان نهجه أن يكون كل بلد مسؤول عن بلده ، بل كل حي مسؤول عن حيه ، وأنه إذا مات أحد جوعاً فعلى أهل الحي وعلى أهل البلد أن يؤدوا دية هذا الميت الذي مات بإهمالهم ومات بتضييعهم ، وأن البلد وأن الحي يعتبران قتلة بكل ما في الكلمة من معنى . أين القانون وأين السلطة ؟ لا قانون ولا سلطة ، وإنما هو مجرد التقوى التي تدفع الإنسان المتقي أن يتحسس مواضع الحاجة وأن يبادر إلى سدّ الحاجة ، ذلك هو ثمرة إحساسك بآلام الجوع والعطش ، وثمرة مكابدتك لآلام الحرمان في هذا الشهر .

       من هنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروي الرواة عنه كان جواداً وكريماً على كل حال ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يعارضه جبريل عليه السلام بالقرآن ، فالرسول صلى الله عليه وسلم آنئذ أجود بالخير من الريح المرسلة ، ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة في التعبير عن هذا الشعور الذي يستفاد من الصوم ، وأيضاً فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا فرغ من خطبة العيد وصلاته أمر الناس بالصدقة وحضهم على النفقة ولم يكتفِ بهذا بل كان حين ينزل من منبره صلى الله عليه وسلم يمر على الرجال ويأمرهم بذلك ، ثم يذهب إلى النساء ومعه بلال رضي الله عنه ويأمرهن بالإنفاق والصدقة ، فترى النساء المسلمات رضوان الله عليهن يتصدقن بما تصل إليه أيديهن من حليهن وما أشبه ذلك .

       إن هذا العمل تعبير مثالي عن الاستفادة الكاملة من عبرة الصوم ، ودليل على أنما ما أنفق الإنسان من جهد وما كابد من جوع وعطش وما أحس به من آلام لم يكن عبثاً ولم يذهب سدى . فيا ليت شعري هـل تستفيد أمتي من هذا الدرس ؟ وهل تلتفت في هذا العصر المادي المغرق في ماديته إلى هذه المعاني الإنسانية النبيلة الرائعة التي يكاد دولاب الحياة يسحقها سحقاً ؟ وهل لهذه الإنسانية جميعاً وهي فيما هي فيه من صراع حول الأمور المادية البحتة دون نظر ولا التفات إلى ما ينبغي أن ينظر وأن يلتفت إليه الإنسان .. هل لهذه الإنسانية أن تجد في هذه الأمة المحمدية مثالها الحي علـى رفعة وكرامة الإنسانية ؟ أرجو أن يكون ذلك ، بل أنا واثق من أن ذلك لا بد أن يكون طال الزمان أو قصر . ولئن أفلست الإنسانية من هذه الأمة فهي تسير في طريق مسدود .

       وأيضاً فإن هذا الصوم الذي يشترك فيه القادرون من الأمة في مشارق الأرض ومغاربها يشترك فيه الرجال والنساء والشباب والصبيان ، يشترك فيه المزارع والموظف والعامل وغير ذي العمل يُشعر الإنسان المسلم بقيمة هذا الرباط الذي يشده إلى أمة تنتشر على مدى الكرة الأرضية كلها ، ذلك يمنحه عزماً ويعطيه قوة ، إنه ليس ضائعاً على ظهر هذا الكوكب ، لكنه عضو في أمة عريقة وكبيرة وغنية ، وغنية بمثلها وأخلاقها ومبادئها ، إن هـذا الشعور ضروري ، ولكن هذا الشعور لا يكفي لوحده ، لأنه وشيك أن يغتال وأن يذهب أدراج الرياح ، لا بد من أن تأتي قواعد الإخوة وأسس المحبة لتتوجّ هذا الشعور ، كي يوجد بين أيدينا ذلك الكيان الذي أراد الله تعالى له أن يبرز في الوجود وهو كيان الأمة المسلمة ، إننا نبكي أو نتباكى بين الحين والحين أو دائماً على ما وصلت إليه الأمة من تمزق ومن فرقة ومن انقسام ، إن ذلك لازم ولكن الذي يغفل الأسباب المباشرة والعوامل الأولية فهو كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب كي لا ترى الخطر المحدق بها والماثلة أمام ناظريها

       إن التمزق على صعيد الأمة تعبير عن التمزق في الكيانات الصغيرة داخل الأسر ، في الأحياء في المدن في المناطق القروية ، إنك تفتش عن هذه الإخوّة التي غرسها الإسلام في نفوس المسلمين فلا تكاد تعثر لها على ظل ، اللهم إلا أن يكون ظلاً باهتاً لا يقدم ولا يؤخر ولا يغني عن الأمة شيئاً . إننا محتاجون لأن نقيم دعائم الإخوة على أساس المحبة والتسامح فيما بيننا ، وإنه لو عاد كل أحد إلى نفسه فسأل : لماذا أنا أخاصم فلاناً ؟ لما وجد لذلك أسباباً جوهرية ، ولو عاد كل شعب من شعوب المسلمين إلى نفسه يسألها : لماذا أنا أقاتل هذا الشعب الآخر المسلم ؟ لما وجد أي سبب جوهرياً يدعو إلى ذلك ، ومع هذا فنحن نحب أن نؤكد بهذه المناسبة أننا بالرغم من شجبنا الكامل وعدم رضانا واتهامنا بالخيانة والعمالة والإجرام ومساعدة العدو على النفس لكل من يشق عصا الأمة ويعبث بوحدتها مع أننا نؤكد هذا ونلتزم به موقفاً يعبر عنه بالسلوك والقول جميعاً فإننا لا نسقط من حسابنا أبداً أن مسؤولية ذلك تعود علينا أولاً وآخراً .

       من أجل ذلك كان واجباً على المسلمين في هذا اليوم أن يستقبلوا عهداً جديداً فيه المحبة والألفة والمودة وأن يضربوا صفحاً عن كل ما مضى ، فإن ما مضى سخيف جداً ، وأن يستقبلوا عهداً جديداً يقيمون فيما بينهم دعائم الإخوة على أساس من المحبة الغامرة في الله تعالى . إنها ليست مسؤولية عن راحة فرد ولا عن راحة أسرة ولا عن طمأنينة بلد ولا عن سلامة قطر ، ولكنها مسؤولية أضخم من ذلك بكثير ، مسؤولية التاريخ الإنسانية كله ، ومسؤولية المصير البشري برمته .

       وأيضاً إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : دينار أنفقته في سبيل الله ( يعني من أجل القتال في سبيل الله وهو في قمة التضحيات ) ودينار أنفقته على نفسك ودينار أنفقته على عيالك أعظمها أجراً الذي أنفقته على عيالك . إن التوسعة على العيال وتفريح الصبيان وإشاعة المودة والبشاشة واللطف في هذا اليوم واجب . من الضروري أن يوسع الإنسان على عياله في هذا اليوم ، ومن الضروري أن يفيض بخيره وجوده على الآخرين . وأنتم لو رجعتم إلى مبررات صدقة الفطر وهي مقدار من المال أو الطعام يؤخذ عن كل حي في الأمة إلى صبيحة يوم العيد في وصاياه يقول : أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم . فليس من البر ولا من العطف ولا من الإخوة في قليل ولا في كثير أن تكون أنت موسعاً عليك في الرزق وأن يكون أولادك فرحين ومستبشرين ، وأن يكون جيرانك ومن يقرب منك على خلاف ذلك . هذا يوم يجب أن تشيع فيه عواطف البر والمرحمة بين المسلمين .

       أظن أن هذا يكفي مع ملاحظة أخيرة وهي أنني لاحظت أن بعض الإخوة حين دخل إلى المسجد كان يصلي قبل صلاة العيد ، لا أدري لعلها تحية المسجد أو شيء من هذا القبيل ، فأحب أن أقول لهؤلاء الإخوة إن السنة مضت أنه لا صلاة قبل صلاة العيد وأن الداخل إلى المسجد عليه أن يجلس مباشرة وينتظر إقامة الصلاة ، لا يصلي تحية المسجد ولا أي شيء آخر ، هكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو عمل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم .

       كان الإمام علي كرم الله وجهه يهم بدخول المسجد الجامع في الكوفة حين كان خليفة المسلمين ، فرأى رجلاً يصلي قبل صلاة العيد فقال أما وجد هذا من ينهاه عن الصلاة ؟ قال قائلون : لما لا تفعل وأنت أمير المؤمنين ؟ يعني لك الأمر ولك النهي وعليك المسؤولية . قال إني أحتشم قول الله تبارك وتعالى أي أستحي أن أكون مندرجاً تحت هذا الحكم ( أرأيت الذي ينهى ، عبداً إذا صلى ) فإذا كان علي كرم الله تعالى وجهه يريد أن يقوم غيره مقامه في هذا ، فإنه لم يكن بكفه عن النهي مسقطاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان شاعراً بالحياء من الله تعالى أن يدخل تحت عموم قوله تعالى ( أرأيت الذي ينهى ، عبداً إذا صلى ) فبعد الآن أرجو أن لا يتكرر هذا المنظر وأن يدخل كل مصلٍ إلى المسجد في صلاة العيد ليجلس مباشرة دون أن يصلي لا تحية مسجد ولا سواها .

       كذلك شأن آخر نقوله لبيان السنة ، نحن اليوم في أول يوم من شوال يعني في يوم العيد ، وهو أي هذا اليوم يوم جمعة ، والجمعة فيها اجتماع حاشد في صلاة الجمعة ، وصلاة العيد لا تصح إلا صلاة جامعة ، أي أنها تشترك مع صلاة الجمعة في هذا الاجتماع وفي سماع خطبة الخطيب ، تقريباً من كل الوجوه تشبه صلاة الجمعة ، إن الإسلام دين اليسر ودين السماحة وما جاء ليشق على الناس ولا ليوقعهم في الحرج والعنت ، وإنما جاء ليزيل عنهم الإصر والأغلال التي كانت عليهم ، وجاء باليسر والتسهيل ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقول : يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا . ومن كلامه لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا منفرين . وحين أطال معاذ الصلاة ذات يوم بمن خلفه حتى شكاه من شكاه من العجزة والشيوخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أن عنّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : أفتان أنت يا معاذ .

       ففي مثل هذا اليوم وجرياً على قاعدة اليسر ورفع الحرج فإن السنة مضت بتخيير المسلم حينما يصادف العيد يوم جمعة أن يحضر أي الصلاتين الجامعتين شاء ، أو أن يحضرهما جميعاً . هذا لا يعني كما ينبغي أن يكون واضحاً أن الخيار ينصب على المساجد ، لا ، المساجد لا بد أن تُفتح لصلاة العيد ولصلاة الجمعة ، ولكن الخيار يتناول المكلف ، فالمكلف إن شاء حضر الصلاتين وإن شاء حضر صلاة واحدة .

       هذا كل ما أردت أن أقوله لكم في صبيحة هذا اليوم ونحن نستقبل أول يوم من أيام عيد الفطر ، سائلين المولى جلت قدرته أن يديم علينا نعمة الإسلام وأن يمتعنا بنعمة الإخوة والمحبة وأن لا يحرمنا أجر ما صمنا وما قمنا وما تلونا ، وأن يجعلنا دائماً إلى زيادة في الخير لا إلى نقصان .

       وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. والحمد لله رب العالمين .