فرقة المغامرين الخيريّة (2)

ضرغام فاضل

فرقة المغامرين الخيريّة (2)

((رواية بوليسية للفتيان والفتيات))

ضرغام فاضل

[email protected]

المهمّة بدأت

اقترب صالح ومصعب وزياد وعبد العزيز من المركز الطبّي لجراحة الأسنان.. الذي تحيط به حديقة عالية الأشجار من كل جوانبه..والذي أغلق أبوابه هذا اليوم,ولم يستقبل زبائنه إلى إشعار آخر,بسبب ما أصابه..وصاروا يدورون حوله ..سحب صالح نفساً عميقاً ..وقال:

- رائحة النار ما تزال موجودة..

ابتسم عبدالعزيز وهو يقول:

- هذه الرائحة تذكرني برائحة أجلدة الكتب النايلون. ..

لاحظ مصعب أن أوراقا قد تطايرت من المركز ..وتناثرت في كل مكان, قسم منها قد أكلته النيران..والآخر بين محترق وسليم.وأورق أخرى ماتزال النيران لم تمسسها...فخطرت بباله فكرة ..إذ قال:

- هذه الأوراق المتناثرة حول المركز ستكون سبباً لدخولنا إليه.

سأل صالح:

- كيف؟.

أجابه مصعب:

- سنتعاون على جمعها ..رغم أنها لاتنفعنا بشيء ..فعلى مايبدو أنها ملفّات قديمة ,أو أوراق تخصّ الحسابات ..لكنها حجّة للدخول.

ابتسم عبدالعزيز قائلاً:

- فكرة ممتازة...هيا إذن لنجمعها...

وخلال دقائق قليلة استطاع الأربعة أن يجمعوا كلّ ماتطاير وتبعثر من الأوراق ..نظر مصعب إلى عبدالعزيز, وهو يحتضن إلى صدره أوراقا مختلفة الألوان والأحجام..وقال:

- هيا يا عبدالعزيز..اتبعني لندخل من الباب الرئيس ..أما أنتما ياصالح وزياد .فانتظرانا في حديقة المركز.

تبعه عبدالعزيز ..وتوجّها إلى البوابة الرئيسة ..التي كانت ترتفع ثلاث درجات عن المدخل الرئيس ..كان الباب الزجاجي مغلقاً. لكن لم يبقَ منه أيّ زجاج سليم ..كلّه قد تكسّر من أثر الحرارة العالية الناتجة من الحريق.لكنّهما لاحظازرّ جرس يمين الباب ..وفوقه عبارة..بصعوبة استطاعا أن يقرآها, بسبب اسودادها وتعرّضها للأدخنة: ((أخي الزائر ..اضغط زرّ الجرس ..نحن في خدمتك 24 ساعة)) .

رنّ الجرس..الحمد لله إذن الكهرباء ماتزال موجودة.. وإذا بموظفة الاستقبال ليلى,تخرج من إحدى غرف المركز المنتشرة على جانبي ممرّ طويل ..وعندما لمحت الصديقين الواقفين عند الباب, راحت تؤشّر بكفيها بالنفي وهي تقول بصوت مرتفع:

- المركزمغلق لمدة أسبوع في الأقل.

هزّ مصعب رأسه..وهو يحاول أن يتكلّم بصوت مرتفع أيضاً كي تسمعه الموظفة من بعيد:

- نعرف ذلك , جئنا لنساعد .

ابتسمت الموظفة ثم تقدّمت نحو الباب..وعندما صارت قريبة منه .لاحظت الأوراق التي يحتضنها الصديقان .ففتحت لهما الباب .وقالت مبتسمة:

- أهلاً وسهلاً بكما..وشكراً لكما.. فلربّما تكون أوراقاً مهمّة للمركز..

أجابها مصعب وهو يضع الأوراق على مكتب الموظفة :

- وهذا كان رأينا أيضاً..

قالت الموظفة:

- آسفة لاأستطيع أن أقوم بواجب الضيافة ,لأنكما بالتأكيد تعرفان الوضع الذي نحن فيه الآن . ولكن أرجو أن تستريحا قليلاً, لأنكما تلهثان من التعب.

قال مصعب:

- لايهمّ ..فنحن نعرف أنكم بصدد إعمار ما أصاب المركز.

أجابت الموظفة:

- لا..فقد طلبت منّا الشرطة أن نترك كلّ شيء على ماهو عليه, ريثما ينتهي التحقيق.وبعدها يتم إعمار المركز ..

سألها عبدالعزيز متظاهراً بعدم معرفة ماتقصده الموظفة:

- تقولين تحقيق؟؟لماذا؟.

أجابته ليلى:

- لأنهم.. أي الشرطة.. اكتشفوا أن الحريق صار بفعل فاعل..أي أن هناك يداً خبيثة ارتكبت الجريمة.

نظر عبدالعزيز إلى مصعب وهو يهزّ رأسه, وكأنه أدرك ماتعنيه ليلى ,ثم قال مجاملاً:

- للأسف ..فبالتأكيد هي خسارة فادحة للدكتور لطفي.

أجابت ليلى بعد أن سبقت كلامها حسرة طويلة:

- بل قل خسارتين .

لم بفهم الصديقان ماتعنيه الموظفة ..فتشجّع مصعب أن يسأل:

-لم نفهم ماتعنيه!! ..

أردفت ليلى:

- لأننا كنّا قبل أسبوعين تقريباً من الحادث قد انتهينا للتوّ من إجراء صيانة كاملة على المركز, وقمنا بدهن جدرانه,وعمل ديكورات جديدة لردهاته ومرافقه المختلفة .مما اضطرّنا أن نغلق المركز ريثما تنتهي هذه الأعمال ,وهذا ماشجّع الدكتور لطفي على أن يتمتع بإجازة ,وعندما انتهينا من العمل قمنا بالاتصال به لنخبره بذلك...

سأل مصعب:

- يعني أنكم تعاونتم على القيام بهذه الأعمال ..أم ..

قاطعته ليلى ضاحكة:

- لا ..بل إن مكتب أعمال الديكور, هو الذي قام بكل شيء..فهذا عمل لايتقنه إلا المختصّون بهذه المهنة..

كان مصعب يتعمّد أن يكون أبله ,ليحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات ,لذلك سأل:

- مكتب ديكور!!؟ ..وهل هناك شيء اسمه مكتب ديكور.؟؟.

ابتسمت ليلى وهي تجيب:

- طبعا ..يبدو أنك لم تقرأ اللافتة الموضوعة على ذلك المحل الكبير(( اللمسة الأخيرة), الموجود في أول الشارع الرئيس؟. وهو نفس المكتب الذي قام بعمل الديكور في مركزنا.

هزّ مصعب رأسه قائلاً:

- ربما ..لكنّها لم تجذب انتباهي لأنها لاتعنيني..

استرسلت ليلى قائلة:

- فريق عمل متكامل جاء إلى هنا وباشر العمل ,وقام بإجراء ترميمات وأعمال صيانة كثيرة استغرقت أياماً, ولكن للأسف ضاعت الجهود من غير فائدة .وهانحن بحاجة لهذه الأعمال من جديد.

أدرك مصعب وعبدالعزيز أنّ المسألة ازدادت تعقيداً ,بعد أن دخل العمّال على الخطّ.وصارت المسألة بحاجة لتفكير عميق.

أما في الخارج, حيث زياد وصالح ينتظران في الحديقة الكبيرة التي تحيط بالمركز الطبي, والتي تبدو أشجارها قد احترقت, وتحوّلت الخضرة إلى السواد ..فيبدو أن زياد قد رأى شيئاً أثار انتباهه..إذ أشار بيده إلى شجرة ساقطة على الأرض, متيّبسة الأغصان ومتفحّمة.وقال موجّهاً كلامه لصالح:

- انظر هناك !! .

توجّه الصديقان ليصيرا قريبين من الشجرة اليابسة المحترقة . وراح مصعب يتفحّص الأرض المحيطة بها ,ثم أشار بإصبعه إلى آثار أقدام مطبوعة على الأرض, قائلاً:

- انظر!!.. إنها آثار أقدام واضحة..

أجاب زياد:

- نعم.. أثر نعل قديم.. فيه نقوش متميّزة!!.

ثم أخرج الكاميرا من جيب سترته,والتقط صورة مقرّبة لأثر القدم ..تلفّت صالح حواليه خوف أن يراهما أحد من المركز , وقال وهو مايزال يراقب المكان:

- ماذا تفعل ؟.

أجاب زيادوهو يكرّر التقاط أكثر من صورة من جهات مختلفة:

- هذه الصورستفيدنا بالتأكيد...

بعد أن انتهى زياد من التقاط صوره,وبعد أن أدرك الصديقان أنّ لاأحداً يراقبهما ,جلسا قرب الشجرة,بحجّة انتظار صديقيهما ..قال زياد :

- يبدو أنّ شخصاً ماكان مختبئاً خلف هذه الشجرة...ظلّ يراقب المكان حتى سنحت له الفرصة ليشعل النار..

أجاب مصعب:

- نعم ..فآثار الأقدام تشير إلى أن صاحبها قد ظلّ جالساً هنا فترة طويلة.

ثم أضاف زياد:

- نعم ..هذا بالإضافة إلى أن آثار الأقدام هذه ,وحسب خبرتي المتواضعة. لم يمضِ عليها سوى ساعات فليلة.

أما في الداخل فكان مصعب وعبدالعزيز مايزالان يحاولان الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات, التي تساعدهم في التوصّل إلى معرفة الجاني.وهاهي موظفة الاستقبال تواصل إدلاءها من غير قصد بمعلومات مهمّة:

- لاأدري ماذا حصل للدكتورلطفي هذه الأيام..فقد تشاجر مع أكثر من شخص.ومنهم البستاني الذي يعتني بحدائق المركز. وكذلك مع الدكتورأسعد أحد الأطباءالعاملين في المركز, بعد أن طرده من عمله.. وتخاصم مع الأستاذعادل المحاسب أيضاً.لذلك قرّر أن يسافر خارج البلد للراحة والاستجمام..وعندما عادكان قد حصل ما حصل..

انشغلت ليلى بتوظيب الأوراق التي أخذتها للتوّ من الصديقين , بينما راح عبدالعزيز يهمس في إذن صاحبه:

- أسمعت يا مصعب؟..ثلاثة أشخاص تحوم حولهم الشكوك .

أجاب مصعب هامساً:

- سنحاول أن نعرف منها أين نجد كلاً من هؤلاء الثلاثة..لنتحرّك بعدها لاكتشاف الفاعل ..

وفعلاً استطاع مصعب وعبدالعزيز بدهائهما, أن يحصلا على عناوين الثلاثة المشتبه بهم..وشكرا ليلى على حسن استقبالها لهما, رغم الظروف التي ألمّت بالمركز الطبي الذي تعمل فيه.وبينما هما في طريقهما للخروج من الباب الزجاجي الرئيس , وإذا بالدكتور لطفي يفتح الباب بشدة, ليدخل إلى المركز قاطعاً طريقهما, وهو متجهّم الوجه وإلى جانبه الدكتورة مينا, وخلفهما تمشي سيدة ترتدي مريولاً أزرق...

- ماهذا ؟! ومن هم هؤلاء الأولاد ؟ كيف سمحت لنفسك بأن تدخليهما. ألم أقل إن اليوم عطلة؟ ها؟

قالها الدكتور لطفي بعصبية ,موجّهاً كلامه لموظفة الاستقبال.فماكان من ليلى إلا أن تردّ عليه بارتباك:

- عفواً يا دكتور.. ولكن..

لكنّ مصعب تدارك الأمر بقوله:

- رأينا حول المركز بعض الأوراق المتناثرة..فجلبناها لكم كي لاتتطاير مع الهواء ..فربما تكون مهمة..

وقال عبدالعزيز:

- ونعتذر إن كنا قد ضايقناكم دكتور.

أرادت ليلى مداراة الموقف , فقالت:

- دكتور لطفي يمزح معكما..أنتم أولاد رائعون..

كان الدكتور لطفي متعكّر المزاج , وفي حال من العصبية جعلته يدفع مصعب وعبدالعزيز إلى الخارج قائلاً:

- شكراً مع السلامة. لاتتأخّرا أكثر من ذلك, فقد يقلق عليكما أهلكما.

وجد الصديقان نفسيهما فجأة في الخارج , والباب تغلق بعنف خلفهما .قال عبدالعزيز منزعجاً:

- سامحه الله على هذا التصرف..

أما مصعب فقد كان يقف واجماً مفكّرا ً..سأله عبدالعزيز:

- مابالك تفكر ؟؟ هيا.. ماذا تنتظر؟.

أجاب مصعب:

- لاأدري أين رأيت وجه السيدة التي ترافقهما ..كانت تنظر إلينا بعين العطف .

أجاب عبدالعزيز:

- تقصد الخادمة ؟.

سأل مصعب:

- مصعب: أهي خادمة ؟؟.

أجاب عبدالعزيز:

- طبعاً. ألم تلاحظ أنها ترتدي زيّ الخدم ؟..إنها خادمة منزلهم..

نزل مصعب من الدرج مسرعاً وهو يقول:

- هيا بسرعة يا عبدالعزيز, لأتصّل بطارق وأكلّفه بمهمّة جديدة...

في الحديقة الخارجية كان صالح وزياد يقفان قريباً من الباب الخارجي بانتظار صديقيهما ..وعندما صار مصعب وعبدالعزيز قريبين منهما..قال زياد:

- وأخيراً حضرتما..لقد تأخّرتما كثيراً..

أجاب مصعب:

- أعرف ذلك, ولكنّنا حصلنا على معلومات مهمّة..

ردّ صالح مبتسماً:

- ونحن كذلك ..

أخرج مصعب من جيبه قصاصة الورق, التي سجّل عليها العناوين التي حصل عليها من موظّفة الاستقبال ..وتوجّه نحو كابينة الهاتف, الموجودة على بعد أمتار من الباب الخارجي للمركز ..وهو يقول:

- سنناقش كلّ المعلومات بعد أن أتصل بطارق.

اتصل مصعب بصديقهم طارق, الذي ينتظر في البيت لتكليفه بمهمّة حسب الاتفاق , وأعطاه عنوان منزل الدكتور أسعد, وطلب منه أن يتحرّك إليه فوراً.لكنّه لمح عند الباب الخارجي سيارة, يقف قربها رجل يرتدي ملابس أنيقة, ويضع على رأسه قبّعة زرقاء ..فسأل هامساً:

- من يكون ذاك الرجل؟.

أجاب صالح:

- إنه يرتدي الملابس الرسمية للسائق..

قال مصعب:

- تقصد أنه سائق ؟

أجاب صالح :

- ملابسه توحي بذلك ..

تمتم زياد :

- كأنني رأيت هذه السيارة من قبل .

هزّ مصعب رأسه مبتسماً:

- آه ..نعم ..تذكّرت. إنها سيارة الدكتور لطفي, التي شاهدناها ساعة اندلاع الحريق ..ويبدو أنّ هذا هو سائقه.

وعلى عجل تبادل الأصدقاء المعلومات التي حصلوا عليها ..وكانوا سعداء لأنهم استطاعوا أن يجمعوها بهذه السرعة ..قال زياد وهو يشير لكاميرته :

- سأذهب فوراً إلى بيتي, لأقوم بطبع الصور..وسأعود بعد نصف ساعة.لنلتقي في منزل مصعب في الحديقة..

فقال مصعب:

- طيّب ..ولكن أرجو أن تطبع أكثر من نسخة.

تركهم زياد وانصرف,وبعده بلحطات قصيرة ,لاحظ الأصدقاء خروج السيدة التي كانت ترافق الدكتور وزوجته من المركز ..

قال عبدالعزيز موجّها ًسؤاله لمصعب:

- هذه السيّدة التي كنت أخبرتنا أنّ وجهها ليس بغريب عنك .أليس كذلك ؟.

أومأ مصعب برأسه بنعم..وطلب من صديقيه التزام الصمت, عندما لاحظ أن السيدة تقترب منهم.وعندما صارت على مسافة قريبة جداً ..ألقت على الأصدقاء السلام ..وبعد أن ردّوا عليها ,قالت السيدة :

- لاعليك يا مصعب ..لقد فعلت أنت وأصدقاؤك الخير .وهذا يدلّ على خلقك الطيب ياولدي .

ابتسم مصعب وسألها :

- عجباً ..من أين تعرفينني؟.

بادلته الابتسامة وأجابته:

- هل نسيتني؟؟ ..أنا التي تتبضّع الخضار وباقي حاجيات البيت من محلاّت السعادة . كنت أراك باستمرار مع والدتك ..عندما كنت تحضر لمساعدتها .

ابتسم مصعب وكأنه قد تذكّر شيئاً:

-آه ..صحيح ..آسف لأنني لم أتذكرك لحظتها ..نعم أنت الخالة فوزية .

ابتسمت الخالة فوزية وقالت:

- أحسنت ..حتى إنك أردت أن تحمل عني بعض الحاجيات, لكنني لم أرِد أن أكلّفك تحمّل عناء ذلك.

هزّ مصعب رأسه وقد تذكّر كل شيء:

- نعم ..أتذكّر ذلك.

ثم انتبه لشيء ما فقال:

- ولكن مالذي كنت تفعلينه مع عائلة الدكتور لطفي في المركز ؟.

وما إن أنهى مصعب سؤاله حتى وخزه عبدالعزيز بذراعه ..فأدرك مصعب ماسبّبه من حرج للخالة فوزية بسؤاله هذا ,ومع هذا أجابته:

- أنا أعمل في منزل الدكتور لطفي منذ أكثر من سنة ,وعندما تراني أتسوّق الحاجيات من المحل. فهذا لبيت الدكتور .أما أنا فأسكن مدينة أخرى.

أراد مصعب أن يعتذر عمّا سببّه من حرج , ولكنّه قبل أن يفعل ذلك قالت الخالة فوزية:

- أرجو أن لاتنزعج من حديث الدكتور معك.فهذا سببه المصيبة التي حلّت به..فالمسألة ليست هيّنة .

إجابها مصعب:

- نعم .أعرف ذلك .وشكراً لمشاعرك الطيّبة ياخالة .

ربتت الخالة فوزية على كتفه قائلة:

- والان أستودعكم الله ,يجب إن أعود للمنزل ,وأرجو أن تبلّغ تحياتي لوالدتك.

أجابها:

- سأفعل .

ثم انصرقت والابتسامة تعلو محيّاها.

يتبع إن شاء الله..