تنصّر المسلم ردّة بينما إسلام النصراني هداية

لم تستغل كلمة " حرية "  من قبل كما استغلت عقب إفشال ثورات الربيع العربي من طرف جهات كانت تتحين الفرصة للكشف عن رغباتها في أمور مخالفة لدين الإسلام والمطالبة بها تحت شعار الحرية .

وعلى غرار مطالبة العلمانيين بما يسمونه مجتمعا مدنيا حداثيا يكون الإسلام فيه على هامش الحياة ، طالبت جهات أخرى بما صار يسمى حرية المعتقد ، ويقصد به المروق من الدين عموما بكفر وإلحاد أو بتنصر، أو المروق من العقيدة التي تجمع الأمة بتشيع أو بغيره من العقائد الضالة المستحدثة في دين الإسلام .

ولقد تداولت مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي نقلا عن القناة الفرنسية الثانية فيديو لبعض المهاجرين من دول شمال إفريقيا وهم يتنصرون ويعمّدون ، ويعلنون تنصرهم مع الإساءة إلى دين الإسلام ، والافتراء عليه وعلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم . ومما صرحت به إحدى المتنصرات ،وهي من منطقة القبائل بالقطر الجزائري قولها أن نبي الإسلام قد مات وانتهى أمره ،ولا يمكنه أن يستجيب لم يطلبه أو يسأله ،بينما المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام موجود في كل وقت وحين يجيب من يدعوه أو يسأله .

وقبل الحديث عن تنصّر المسلمين من شمال إفريقيا وخصوصا بعض المهاجرين من منطقة القبائل، نشير إلى أن هذا التنصّر إنما هو الرغبة في عرض الدنيا الزائل الذي لا يزيد عن الطمع في بطاقة إقامة في فرنسا أو الطمع في الحصول على الجنسية الفرنسية أو الطمع في عمل أو دراسة أو زواج ... أو غير ذلك .

ومعلوم أن المسلم المتنصّر يعتبر مرتدا لقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( ومن يرتدد منكم عن دينه  فيمت وهو كافر  فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) . ومعلوم أن المتنصّر يعتقد ما يعتقده النصارى ، وما يعتقده النصارى هو أن الله عز وجل ثالث ثلاثة  تعالى عما يزعمون علوا كبيرا ، كما أنهم يزعمون أن المسيح بين مريم إله ، وأنه ابن الله ، وقد قال الله تعالى عن اعتقادهم في محكم التنزيل : ((  لقد  كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون  ليمسّن الذين كفروا منهم عذاب أليم )) كما قال سبحانه وتعالى : ((  لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم  وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)) . وقال سبحانه أيضا  : (( وقالوا اتخذ الله ولدا  لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدا أن دعوا للرحمان ولدا وما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا لقد أحصاهم وعدّهم عدّ  وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا )) .

ويذكر الله عز وجل في محكم التنزيل  عبدية المسيح عيسى بن مريم ونبوّته  نافيا ما يزعمه النصارى من أنه ابنه فيقول : (( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّا )) كما يذكر سبحانه وتعالى براءة المسيح مما يقوله عنه النصارى ، فيقول : (( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله  قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته  تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم  فلما توفيتني كنت أن الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ))

ويتضمن هذا النص القرآني إشارة واضحة إلى وفاة المسيح عليه السلام خلافا لما يدعيه النصارى من أنه يسمعهم ويجيب دعواتهم ، علما بأنهم يزعمون أنهم صلبوه وقتلوه ، وهو ما يكذبه الله عز وجل في محكم التنزيل إذ يقول : (( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله  وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا )) ، كما يقول سبجانه : (( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي  ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون )) علما بأن الاختلاف في عيسى  هو اختلاف في القول بعبديته والقول بألوهيته وبنوة لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .  والذين اتبعوه هم الذين قالوا بعبديته ونفوا ألوهيته وبنوته لله ، والمسلمون لا يعتقدون بألوهيته  وبنوته لله تعالى بل يحتجون على من يزعمون ذلك بما مر بنا من نصوص قرآنية وبنص آخر يصرح فيه المسيح عليه السلام بأنه قد بشر بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث بقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( وإذ قال عيسى بن مريم  يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ))  

هكذا سفّه الله تعالى في محكم التنزيل عقيدة الذين زعموا أو يزعمون  في كل زمان  إلى قيام الساعة أن المسيح عيسى بن مريم هو ابنه وهو إله ، وعليه فإن من يتنصّر من المسلمين إذا ما اعتقد هذا الاعتقاد، فهو مشمول بما وصف به الله عز وجل من يعتقدونه ، وهو الكفر الصريح الذي يعتبر ردّة ، والردّة كما جاء في كتاب الله عز وجل كفر.

وفي الوقت الذي يقنع هذا المنطق القرآني بالحجة الدامغة الكثير من النصارى بمن فيهم أهل العلم والمفكرون والمثقفون فضلا عن عامتهم أن تأليه المسيح عيسى بن مريم اعتقاد خاطىء يفضي إلى الكفر،فيعتنقون الإسلام ، نجد البعض عندنا وبدافع مما سبق أن ذكرنا أو لمجرد الحقد على  الإسلام والمسلمين  يريدون اختلاق مظلمة مفادها أنهم مضطهدون ،ولا يسمح لهم بالردّة بعد إسلامهم. ويجد العلمانيون ضالتهم في هذه المظلمة المختلقة ، فيطالبون بحق هؤلاء في الردة على غرار مطالبتهم بحق ممارسة المثلية والرضائية ، وحق المجاهرة بالإفطار العلني في شهر الصيام دون عذر شرعي ، وحق الإجهاض ... كل ذلك تحت شعار احترام الحريات الفردية ، ولا يستثنون من ذلك سوى حق المرأة المسلمة في ارتداء لباسها أو لباس سباحتها الذي لا تسمح  لها به فرنسا بلد العلمانية التي منها ينهل "المتعلمنون" عندنا والذين يثيرون ضجة  كبرى حول المظلمة المختلقة للمتنصّرين أو المرتدين .

ومعلوم أن حملات العلمانيين المشبوهة ضد الإسلام والتي زادت حدتها بعد الربيع العربي ، تعتمد أسلوب تغيير المسميات القرآنية وتعويضها بأخرى من أجل إضفاء المشروعية عليها، فصار الزنا رضائية ، وفاحشة قوم لوط مثلية ، والردة حرية المعتقد ، والإجهاض حرية الجسد ... وإذا ما نجحت في ترسيخ مسمياتها ، فإنها ستخرب المجتمع المغربي المسلم خرابا كبيرا بل مدمرا . فلو سمح بالردة في مجتمعنا لتنصر الآلاف ليس اقتناعا بما يعتقده النصارى بل من أجل الهجرة إلى بلدان النصارى للاستفادة من الإقامة فيها أو التجنس بجنسياتها أو الحصول على مصادر رزق فيها  ليس غير ،علما بأن أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية تشجع على الهجرة نحو القارة العجوز خصوصا في أوساط الشباب المتذمر من انسداد الآفاق بسبب البطالة المستشرية والمتزايدة سنة بعد أخرى. وسيجد الراغبون في الهجرة ذريعة في التنصر لتحقيق حلمهم إذا ما نجح المطالبون بحق التنصر في فرض مطلبهم عن طريق استغلال ما اختلقوه من مظلمة  يسمونها الاضطهاد العقدي .

وفي غياب معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي  المتردي سيظل الباب مفتوحا على احتمال تزايد المتهافتين على التنصر المفضي إلى تحقيق مكاسب دنيوية . ألم تنقل لنا وسائل الإعلام أن مثلي مراكش يحاول طلب اللجوء إلى إحدى الدول الاسكندنافية بذريعة اضطهاده لشذوذه الجنسي ؟ فعلى غرار هذا سيطالب آخرون باللجوء أيضا بذريعة اضطهادهم لتنصّرهم أو ستتبنى دول غربية مظلمتهم المختلقة لفرض إملاءاتها على المغرب ، وستمارس التنصير بشكل مقنن بذريعة الدفاع عن حرية المعتقد ، علما أن بعضها يمارس التضييق على المرأة المسلمة حتى في أبسط حقوقها الإنسانية وهي لباسها في البر والبحر، فضلا عن  حرمانها من حقها في الاعتقاد الذي  يجعل للباسها دلالة  عقدية ودينية.

فمتى سيتنبه المسؤولون عندنا إلى عملية تغيير المسميات من أجل تكريس ما يخالف تعاليم ديننا الحنيف ؟

وأخيرا نأمل ألا يعتبر هذا المقال دعوة للكراهية كما يعتقد البعض لأننا بصدد الحديث عن مسلمين تنصروا ، ولا نهدف من ورائه إلى التدخل فيما يعتقده النصارى لأن القرآن الكريم شعاره : (( لا إكراه في الدين ))   ، وفيه (( لكم دينكم ولي دين )) في خطابه الموجه للكافرين ، ولا يسمح بالاعتراض على من لا يدين بدين الإسلام ، وهو يسمي الأشياء بمسمياتها كما يسمي غيره الأشياء كما يعتقد أو يشاء .

وسوم: العدد 809