التآمر القرمطي الصفوي على العروبة والإسلام (11)

د. أبو بكر الشامي

التآمر القرمطي الصفوي

على العروبة والإسلام (11)

د. أبو بكر الشامي

هذه نبذة عن بعض معتقدات وشعائر وعبادات النصيرية في واقعها الحالي .

ولقد أجمع علماء الأمة في القديم والحديث على كفرهم وضلالهم وخروجهم من الإسلام جملة وتفصيلاً ،  ولعل من أعظم من وقف في وجههم وشخّصهم من العلماء العاملين ، والأئمة المجتهدين ، هو شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله ، ولقد جاء رأيه فيهم شاملاً جامعاً دقيقاً صادقاً ، وهو مبسوط في كتابه القيّم مجموع الفتاوى ( ج/35/ص146 ) ، وهذه هي أهم النقاط الواردة فيه :

" سئل شيخ الإسلام ، وناصر السنة ، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية عن النصيرية وما يتعلق بهم بمقتضى سؤال حرره الشيخ أحمد بن محمد بن محمود الشافعي رحمه الله : وهذا نص جواب شيخ الإسلام :

( الحمد لله رب العالمين ، هؤلاء القوم المسمون النصيرية ، هم  وسائر أصناف القرامطة الباطنية ، أكفر من اليهود والنصارى ، بل أكفر بكثير من المشركين ، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين ، مثل كفار التتار والإفرنج وغيرهم ، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت .

وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ، ولا بأمر ولا بنهي ، ولا ثواب ولا عقاب ، ولا بجنة ولا بنار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بملة من الملل ، ولا بدين من الأديان السالفة ، بل يأخذون من كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين ويتأولونه على أمور يفترونها ، ويدّعون  أنها علم الباطن من جنس ما ذكره السائل .

كما أنهم ليس لهم حد محدد فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته ، وتحريف كلام الله تعالى ورسوله عن مواضعه ، إذ مقصودهم إنكار الإيمان ، وشرائع الإسلام بكل طريقة ،مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس ما ذكر السائل ، ومن جنس قولهم أن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم ، والصيام المفروض كتمان أسرارهم ، وحج البيت العتيق زيارة شيخهم ، وأن أيدي أبي لهب هما أبو بكر وعمر ، وأن البناء العظيم والإمام المتين هو علي ابن أبي طالب .

ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة ، وكتب مصنفة ، فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين ، كما قتلوا إمرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم ، وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة ، وقتلوا علماء المسلمين ومشايخهم وأمراءهم وجند لا يحصي عددهم إلا الله .

وصنفوا كتباً كثيرة مما ذكره السائل وغيره ، وصنف علماء المسلمين كتباً في كشف أسرارهم ، وهتك أستارهم ، وبينوا ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم فيه ، فهم أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام ، وما ذكره السائل في وصفهم قليل من الكثير الذي يعرفه العلماء من وصفهم .

  ومن المعروف عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم ، وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين ، فهم مع النصارى على المسلمين ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار ، و من أعظم أعيادهم إذا استولى والعياذ بالله تعالى النصارى على ثغور المسلمين ، وما زالت في أيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص يسر الله فتحها عن قريب ، وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، فتحها معاوية ابن أبي سفيان إلى أثناء السنة الرابعة .

والنصيرية هم السبب في سقوط القدس في أيدي الصليبيين ، وهم السبب في سقوط الخلافة العباسية ،  فهؤلاء المحادين لله ورسوله كثروا بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل ، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره ، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ، ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين الشهيد ، وصلاح الدين الأيوبي وأتباعهم ، وفتحوا السواحل مع النصارى ممن كان بها منهم وفتحوا  أرض مصر، فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة ، فاتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ، ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام في الديار المصرية والشامية ، ثم إن التتار ما دخلوا لبلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم ، فإن مرجع هؤلاء الذي كان وزيرهم وهو " النصير الطوسي " كان وزيراً لهم وهو الذي أمر بقتل الخليفة بولاية هؤلاء

وللنصيرية أسماء أخرى ، ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين ، فتارة يسمون " الملاحدة " ، وتارة يسمون " القرامطة " ، وتارة يسمون " الباطنية " ، وتارة يسمون " الإسماعيلية " وتارة يسمون " النصيرية " ، وتارة يسمون " الخربوية " ، وتارة يسمون " المحمرة " ، وهذه الأسماء منها ما يعمهم ، ومنها ما يخص بعض أصنافهم ، كما أن الإسلام والإيمان ولبعضهم أسماء تخصه إما النسب وإما المذاهب وإما البلد وإما غير ذلك ، وشرح مقاصدهم يطول .

وهم كما قال العلماء فيهم : ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، وحقيقة أمرهم أنهم لايؤمنون بنبي من الأنبياء المرسلين : لا بنوح ولا بإبراهيم ولا بموسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله عليهم أجمعين . ولا بشيء من كتب الله المنزلة ، لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن ، ولا يقرون أن للعالم خالقاً خلقه ، ولا بأن لهم ديناً أمر به ، ولا بأن لهم داراً يجزي الناس فيها على أعمالهم غير هذه الدار ، وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة الضالين ، وتارة يبنونه على قول المجوس الحاقدين..

وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ، ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ، ولا يتزوج منهم امرأة ، ولا تباح ذبائحم ، وأما الجبن المعمول بأنفحتهم ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر أنفحة الميتة ، وكأنفحة ذبيحة المجوس وذبيحة الإفرنج الذين يقال عنهم بأنهم لا يذكون الذبائح . وأما أوانيهم وملابسهم فكأواني المجوس وملابس المجوس على ما عرف من مذاهب الأمة ، والصحيح في ذلك أن أوانيهم لا تستعمل إلا بعد غسلها ، فإن ذبائحهم ميتة ، ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ، ولا يصلى على من مات منهم ، فإن الله تعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين كعبد ا لله بن أبي ونحوه ، وكانوا يتظاهرون بالصلاة والزكاة والجهاد مع المسلمين ولا يظهرون مقالة تخالف الإسلام ، ولكن يسرون ذلك فقال الله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) فكيف بهؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق يظهرون الكفر والإلحاد .

وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من الكبائر ، وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم ، فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم ، وهم أحرص الناس على إفساد المملكة والدولة ، وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين ، وعلى إفساد الجند على ولي الأمر وإخراجهم عن طاعته ، ويحل لولاة الأمور قطعهم من دوواين المقاتلة ، فلا يتركون في ثغر ولا غير ثغر فإن ضررهم في الثغر أشد ، وأن يستخدم بدلهم من يحتاج إلى استخدامه من الرجال المأمونين على دين الإسلام ، وعلى النصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، بل إذا كان ولي الأمر لا يستخدم من يغشه وإن كان مسلماً ، فكيف بمن يغش المسلمين كلهم ؟ ولا يجوز تأخير هذا الواجب مع القدرة عليه بل أي وقت قدر على الاستبدال بهم وجب عليه ذلك ، وأما إذا استخدموا وعملوا العمل المشروط ، فلهم إما المسمى وإما أجرة المثل ،لأنهم عوقدوا على ذلك ، فإن كان العقد صحيحاً وجب المسمى وإن كان فاسداً وجبت أجرة المثل ، وإن لم يكن استخدامهم من جنس الإجارة اللازمة فهي من جنس الجعالة الجائزة ، لكن هؤلاء لا يجوز استخدامهم فالعقد عقد فاسد ، فلا يستحقون إلا قيمة عملهم فإن لم يكونوا عملوا عملاً له قيمة فلا شيء لهم .

وإذا أظهروا التوبة ففي قبولها منهم نزاع بين المسلمين ، فمن قبل توبتهم إذا التزموا شريعة الإسلام اقروهم عليها ، ومن لم يقبلها ، وورثتهم من جنسهم ، فإن مالهم يكون فيئاً لبيت مال المسلمين ، لكن هؤلاء إذا أخذوا فإنهم يظهرون التوبة لأن أصل مذهبهم التقية والكتمان لأمرهم ، وفيهم من يعرف وفيهم من قد لا يعرف ، فالطريق في ذلك أن يحتاط في أمرهم ، فلا يتركون مجتمعين ، ولا يمكنون من حمل السلاح  وأن يكونوا من المقاتلة ، ويلزمون شرائع الإسلام ، من الصلوات الخمس ، وقراءة القرآن ، ويترك بينهم من يعلمهم دين الإسلام ، ويحال بينهم وبين معلمهم ، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاءوا إليه قال لهم الصديق : اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية . قالوا : يا خليفة رسول الله هذه الحرب المجلية قد عرفناها ، فما السلم المخزية قال : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم ، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، ونقسم ما أصبنا من أموالكم ، وتردون ما أصبتم من أموالنا ، وتنزع منكم الحلقة والسلاح ، وتمنعون من ركوب الخيل ، وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يرى خليفة رسول الله والمؤمنون أمراً بعد ردتكم . فوافقه الصحابة على ذلك إلا في تضمين قتلى المسلمين فإن عمر بن الخطاب قال له : هؤلاء قتلوا في سبيل الله فأجورهم على الله يعني هم شهداء فلا دية لهم ، فاتفقوا على قول عمر في ذلك . وهذا الذي اتفق الصحابة عليه وهو مذهب أئمة العلماء والذي تنازع فيه العلماء . فمذهب أكثرهم على أن من قتله المرتدون المجتمعون المحاربون لا يضمن ، كما اتفقوا عليه آخراً وهو مذهب أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين ، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى وهو القول الأول . فهذا الذي فعله الصحابة بأولئك المرتدين بعد عودتهم إلى الإسلام يفعل بمن أظهر الإسلام والتهمة ظاهرة فيه ، فيمنع من أن يكون من أهل الخيل والسلاح والدروع التي تلبسها المقاتلة ، ولا يترك في الجند من يكون يهودياً ولا نصرانياً ، ويلزمون شرائع الإسلام حتى يظهر ما يفعلون من خير أو شر ومن كان من أئمة ضلالهم وأظهر التوبة أخرج عنهم ، وسير إلى بلاد المسلمين التي ليس لهم بها ظهور فإما أن يهديه الله تعالى ، وإما أن يموت على نفاقه من غير مضرة للمسلمين .

ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات ، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ، فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين ..

والصديق وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب . فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين ، وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه ، وجهاد من لا يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين، وحفظ رأس المال مقدم على الربح ، وأيضاً فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ، وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب .

يجب على كل مسلم أن يفشي أسرارهم ، وأن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب ، فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ، ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر به الله ورسوله ، فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر ما لا يعلمه إلا الله تعالى . فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم كما قال الله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس . . ) قال أبوهريرة : كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام ، فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان ، فمن هداه الله منهم سعد في الدنيا والآخرة،  ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره .

ومعلوم أن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أفضل الأعمال ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله تعالى ) وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيل الله ) وقال صلى الله عليه وسلم ( رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ) ،ومن مات مرابطا مات مجاهداً وجرى عليه عمله ، وأجرى عليه رزقه من الجنة ، وأمن الفتنة ، والجهاد أفضل من الحج والعمرة كما قال تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم ) .

والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ) . انتهى الاقتباس .