إذا كان عصيد يملك ذرة من شجاعة فعليه أن يصرح بما يعتقده عوض اللف والدوران في التعبيرعنه

طلع علينا المدعو عصيد بمقال  آخرجديد نشر على الموقع الذي دأب على نشر مقالاته بانتظام تحت عنوان : " في الحاجة إلى ضمير جمعي منتج وفعّال " هاجم فيه مرة أخرى الإسلام بنفس الطريقة  التمويهية التي دأب عليها في كل مقالاته ،وهو يعلق الآمال العريضة  من وراء ذلك على إيجاد منفذ لتمرير أطروحته العلمانية في مجتمع مسلم اعتنق  الإسلام منذ الفتح الإسلامي المبارك الذي كان هبة إلهية ونعمة كبرى وخيرا عظيما أراده له الله عز وجل رحمة بهذه الأمة التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  في أرض على بعد آلاف الأميال من أرضها ، فأحبته  كأشد  ما يكون الحب ،وتعلقت به أيمّا تعلق ، وكلها يتشوق للحظة الوقوف عند  روضته الشريفة للسلام عليه ، وهي تتوسل إلى رب العزة به إذا ما ضاق بها أمر من الأمور ، أو نزل لها بلاء  .

ويتهم عصيد  في مقاله غالبية المسلمين ، ولا ندري هل يقصد بهذه الغالبية المغاربة منهم فقط  أم غالبية المسلمين في العالم ،وعددهم اليوم يفوق المليار ونصف أو يزيد ؟ بأنهم يمانعون ويعاندون ضد التغيير والنقد والعلم والتفكير الواقعي والقيم الإنسانية . ومعلوم أن التغيير الذي يقصده إنما هو مشروعه العلماني لا غير ، وأن العلم والتفكير المنطقي والواقعي بالنسبة إليه هو كل ما يقصي  الإسلام  من المجتمع المغربي المسلم  لتجد علمانيته فسحة كي تصول وتجول ، وأن القيم الإنسانية عنده هي قيم المثلية والرضائية والإجهاض للتخلص من مواليد السفاح ، والأمومة العازبة ... وغير ذلك  مما أقرته المجتمعات العلمانية من انحلال خلقي ، وهي تحاول فرضه على المجتمعات الإسلامية عن طريق ضغوط الإغراء بتقديم الديون لها  وجدولتها أو عن طريق التهديد بضم  أسمائها إلى لوائح الإرهاب .

ويتهم عصيد المسلمين بأنهم يتنكرون للعالم بأسره ،علما بأنه يقصد العالم العلماني الذي يحلم بابتلاعه للمغرب مع أنه في قرارة نفسه  على يقين تام بأنه مرّ مذاقه ، وعسير هضمه على العلمانية .

وعلى عادته في الاصطياد في الماء العكر، استغل ظرف الجائحة ليكرر أسطوانته الممجوجة، فوصف غالبية المسلمين بأنهم ينتظرون اكتشاف غيرهم للقاح  لها ، وأنهم لا يتوقفون عن إشاعة الخرافات والأفكار المضادة للتدابير الحازمة ، وأنهم ينجحون في ذلك  بفضل الخوف وضعف الكائن البشري أمام قوى الطبيعة ، وأمام المجهول . ومعلوم أن ما يقصده بالخرافات  هو التوجه إلى الله عز وجل بالدعاء والضراعة إليه من أجل رفع هذا الوباء عنهم وعن الناس جميعا ، علما بأنه لا يوجد في هذه الغالبية التي يتهمها بإشاعة الخرافات من يعترض على التدابير الحازمة لمواجهة  هذه الجائحة إلا من كان جاهلا بما شرعه الإسلام من أجل هذه المواجهة، وهو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر حين وقوع الوباء، وهذا ما اضطرت إليه كل دول العالم بدءا بالبلد الذي ظهرت في الجائحة ،ومرورا بالبلاد الأوروبية العلمانية التي انتقلت إليها ونقلتها بدورها إلى غيرها . وفي انتظار الوصول إلى اللقاح أو العلاج لا يوجد بديل عن الحجر الذي شرعه الإسلام في حال وقوع الأوبئة ، وحقوق الطبع محفوظة له  كما يقال .

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن من سمّاهم عصيد غالبية المسلمين إن كان يقصد كل المسلمين، ففيهم أطباء ومختصون في مجال البحوث عن اللقاحات والأدوية ، ومن ضمنهم مغاربة ،وأنهم يشاركون غيرهم في مواجهة هذه الجائحة ، ولا يمكن  أن ينكر ذلك إلا جاحد أو معاند من فئة عصيد .

ويتهم عصيد غالبية المسلمين بأنهم  يتنكرون مع سبق الإصرار للعلم والمعارف ،وذلك بسبب إيمانهم بالمعجزات والخوارق ، ويعتبر هذا رمزا على انهزامهم وتفوق غيرهم عليهم . ودون خجل أو حياء يقول بالحرف : " ويظهر هذا من مفهوم العلم ذاته في الثقافة الإسلامية " ، ويضيف أن كلمة علماء  في بلدان العالم المتقدم ينصرف ذهن من يسمعها إلى المختبرات والنظريات الجديدة وجوائز نوبل ومناهج العلوم الدقيقة ، ومعدات البحث المتطورة ، بينما في بلاد المسلمين تنصرف الأذهان عند سماع هذه الكلمة إلى أصحاب العمائم واللحى الذين ينتجون من الكلام ما يزيد عن القدر المألوف والضروري . هكذا بكل وقاحة تدل على ما بلغ به الحقد على الإسلام الذي يحاول التمويه عليه باستهداف  غالبية أتباعه ، ولو كانت عنده ذرة من شجاعة لتنكب طرق التمويه واللف والدوران ، وعبر بصراحة عن خروجه من ملة غالبية المسلمين فأراح واستراح ، واشتغل بالحديث عن ملة العلمانية دون أن يتعب نفسه ويجهدها بالحديث عن ملة الإسلام ومقارنتها بملة العلمانية ،علما بأنه أعجز ما يكون عن الحديث عن علمانيته دون إقحام الإسلام واتخاذه مطية للتنفيس عن عقدته أو مركب نقصه .

ويختم عصيد مقاله بالقول أن الثقافة السائدة في كل مجتمع هي التي تحدد سلوكات الأغلبية وأنماط وعيهم وكذا الشعور الوطني ، وهي إما أنها تسمح بالإنتاج والنهوض أو بالانغلاق والجمود . ويضيف في لحظات الأزمة تحتاج المجتمعات إلى ضميرها التي هي عنده قيم المواطنة ، وهي عبارة علمانية طالما كررها ،وهو يجعلها دائما  بديلا عن القيم الإسلامية .

هذه العبارات الأخيرة تعكس مدى الهزيمة التي يشعر بها عصيد وقد كسدت بضاعته العلمانية في مغرب غالبية سكانه مسلمون متمسكون بإسلامهم لا يرضون عنه بديلا . ولا شك أن الذي غاظه كثيرا أن إغلاق المساجد تجنبا للعدوى، وهو سلوك إسلامي أفتى به العلماء الذين وصفهم بأصحاب العمائم واللحى حين استفتاهم أمير المؤمنين وهو رئيس مجلسهم الأعلى ، ومع إغلاق المساجد ظل الأذان يرفع فيها ، وهو ما كان عصيد يود ألا يحدث لتطرب عاطفته العلمانية هو ومن هم على شاكلته ممن لا زال الإلحاد يستهويهم في وقت صار فيه أبناء البلاد العلمانية التي يسبحون هم بحمدها يدخلون في دين الله أفواجا ، وقد صاروا جزءا  لا يتجزأ من الغالبية المسلمة التي يستخف بها عصيد وأمثاله من الطوابير العلمانية الخامسة المندحرة .

ومما يزيد عصيد وقبيله غيظا أن غالبية المسلمين في المغرب والعالم بأسره مع أخذهم بالأسباب التي تقاوم الجائحة كما أمرهم ربهم سبحانه وتعالى ونبيهم صلى الله عليه وسلم ، وكما يذكّرهم بذلك علماؤهم الأجلاء  يتوجهون بالدعاء إلى خالقهم سبحانه وتعالى الذي يحاول عصيد أن يستبدل اسمه الأعظم بكلمة الطبيعة التي هو خالقها  كي يكشف عنهم البلاء لأنهم يؤمنون بما أنزل وفيه قوله تعالى : (( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) . وفيه أيضا قوله تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )).

إن هؤلاء يجمعون بين  التوكل على الله عز وجل والأخذ بالأسباب  التي هي بيده سبحانه يهدي إليها من يشاء ، بينما عصيد يتخذ الأسباب أربابا  ، وعليه ينطبق قول الله تعالى : (( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون )) صدق الله العظيم .

وسوم: العدد 869