حلقة جديدة من حكاية إسقاط أحمد عصيد الطائرة كعادته في حديقة بيته ليكرر وصفها للمرة الألف

من الحكايات التي يتندر بها المغاربة حكاية تلميذ قيل أنه لا يجيد في مادة الإنشاء الكتابي سوى وصف حديقة بيته ، وكلما طلب منه وصف  شيء آخر حوّر موضوعه لينتهى به إلى الوصف الذي اعتاد عليه والذي لا يجيد غيره ، وذات مرة  طلب منه وصف رحلة على متن طائرة ،فما لبث وهو يصف الرحلة أن أسقط الطائرة مغامرا بحياة ركابها وحياته أيضا ليصف كعادته حديقة بيته التي تشبه مكان سقوط الطائرة  .

وهذه الحكاية تنطبق على العلماني الطائفي المدعو أحمد عصيد الذي اعتاد على انتقاد الإسلام عقيدة وشريعة ، وعبادة ومعاملة ، وهو يغتنم كل فرصة تعنّ له ليعبر بطريقة مكشوفة عما يكنه من بغض وحقد للإسلام  بطريقة غير مباشرة حيث ينال منه وهو يموه على ذلك بانتقاد المسلمين على اختلاف فئاتهم .

وحلقته الجديدة من حكاية إسقاط الطائرة كعادته في حديقة بيته عبارة عن مقال نشره موقع هسبريس تحت عنوان : "  بين الواجب والصدقة " وقد موّه فيه على استهداف الإسلام من خلال انتقاد وزير من حزب العدالة والتنمية ،وهو الحزب الأكثر استهدافا عنده وعند كل علماني أو حداثي  لأنه من أسهل الطرق التي تمهد لهم النيل من الإسلام . وحكاية هذا الوزير وقد كان قبل أن يوزّر محاميا أنه كانت تشتغل عنده كاتبة لقيت الله عز وجل، وقيل أنها لم تكن مسجلة في صندوق الضمان الاجتماعي أو بالأحرى لم يسجلها فيه مشغلها .

واغتنم عصيد فرصة هذه النازلة لينال نيله المألوف من الإسلام، وفيما يلي بعض الفقرات الواردة في مقاله والتي تكشف عن قصده من وراء المقال :

 يعيش الإسلاميون ذهنيا خارج الدولة الحديثة ومؤسساتها، وعندما يضطرون إلى خوض الصراع السياسي داخلها فذلك فقط من أجل الوصول إلى السلطة، أما منطق الدولة فهو يزعجهم ولا يتماشى مع أهدافهم، ولهذا فالمعجم الذي يعمل به الإسلاميون ويؤمنون به هو : "الثواب" و"الأجر" و"الجزاء" و"الحسنات" و"المغفرة" و"العطف" و"الشفقة"، وهو معجم لا علاقة له بمؤسسات الدولة الحديثة، التي تقوم على ثلاثية: "القانون"، "الحق" و"الواجب". فتسجيل الكاتبة في صندوق الضمان الاجتماعي عمل لا "ثواب" فيه ولا "أجر" لأنه فقط مجرد "واجب"، أي أمر دنيوي محض لا جزاء فيه عند الله، بل هو مجرد تدبير انتفاعي لعلاقة الفرد بالدولة، لكنه لا يُدخل الإنسان إلى الجنة، أما إرسال قُفة إلى بيت الكاتبة وعائلتها في شكل صدقة أو مساعدتها عند مرضها فهو يدخل ضمن العمل الصالح الذي يجلب "حسنات"، لأنه "صدقة"، ولأن ثقافة الصدقة هذه هي المنتشرة عوض ثقافة الواجب، فإن معظم المغاربة يفضلون تمويل مسجد على تمويل مدرسة متهالكة وتجهيزها، فالمدرسة شأن دنيوي يتعلق بصناعة المواطن، أما المسجد فهو استثمار في الآخرة، وفضاء للتفريغ والتهدئة.

ومما جاء أيضا في مقاله :

فالسياسة والحكامة الرشيدة موجودة في الدانمارك، البلد الذي احتل الرتبة الأولى في جودة الحياة خلال السنة الماضية، والذي تقول الإحصائيات إنّ 83 في المائة من سكانه ملحدون لا يؤمنون بالغيبيات ولا ينتظرون جزاءً أخرويا من قيامهم بواجبهم ومن احترام القانون، ولكنهم يُحسنون تدبير شؤون دنياهم لكي لا يُظلم عندهم أحد، ولا يُعتدي عليه،

وما يستوقف في هاتين الفقرتين من مقال عصيد هو أنه اتخذ من قضية الكاتبة الهالكة مطية للحط من شأن الإسلام ، والرفع من شأن العلمانية  والإلحاد ،وبيان ذلك إنكاره الواضح للثواب ، والأجر ، والجزاء ،والحسنات ، والمغفرة ، وهو يعتبر ذلك معجما لا علاقة له بما سماه مؤسسات الدولة الحديثة وهي الدولة العلمانية التي يحلم هو وأمثاله كي تكون بديلا عن الدولة المغربية المسلمة التي ينص دستورها وقد أجمع عليه المغاربة بأن دينها الرسمي هو الإسلام . ومما يعتقده هذا العلماني الذي ليست لديه شجاعة وجرأة على إعلان إلحاده في بلد مسلم هو قوله أن العمل الدنيوي لا جزاء فيه عند الله عز وجل ، وفي هذا إنكار صريح وواضح بأن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الناس في هذه الدنيا ليختبرهم فيما يقومون به من أعمال  بل و ما يصدر عنهم من أقوال أيضا كما ينص على ذلك الذكر الحكيم والسنة النبوية المشرفة ،علما بأنه لا يوجد عمل مهما كان أو قول مهما كان لا يحاسب عليه الإنسان  مصداقا  لقوله تعالى : (( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ))  ، وقوله أيضا : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ، وقوله كذلك : (( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين  يعلمون ما تفعلون )).

ومعلوم أن الذي ينكر بأن العمل الدنيوي لا جزاء عليه عند الله عز وجل أحد اثنين:  إما جاهل بما في كتاب الله عز وجل أو جاحد به ومكابر ،وهو ما يرجح بالنسبة لعصيد الذي  يشهد كل ما ينشره أنه أميل  إلى الاحتمال الثاني .  ومما يؤكد ذلك إشادته ببلد الدنمارك  العلماني وبأهله الملحدين الذين لا يؤمنون بالله عز وجل ولا بالآخرة ولا بالبعث ، ولا بالحساب، ولا بالجزاء ، والذين تنتهي عندهم حكاية الدنيا  بفنائها دون عودة على حد قول الدهريين الذين  نقل القرآن الكريم مقولتهم : (( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون )) .

 ولقد أشاد عصيد بعمل الدنماركيين  وغاب عنه أو تعمد تغييبه قوله تعالى : (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعناه هباء منثورا )) ، ذلك أنه كبر في عينه  الهباء المنثورل للدنماركيين لأنه مهوّس بالعلمانية الغربية ،وقد اختار كنموذج لها  بلد الدنمارك العلماني وأشاد به ، وهو الذي تعمد سفهاؤه الإساءة إلى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاية منه  في الإسلام والمسلمين .

وهكذا تعمد عصيد إسقاط طائرة الوزير وكاتبته في حديقة الإسلام لينال منه لأنه ندب نفسه لذلك  كعلماني ، وهو لا يجيد سوى ذلك .

وسوم: العدد 882