تلقي الأسر المغربية اقتراح وزارة التربية الوطنية الخاص بالموسم الدراسي الجديد باستغراب

يبدو أن وزير التربية الوطنية أراد التملص من مسؤولية الإعلان عن انطلاق الدراسة في موسم دراسي جديد  في ظرف استفحال جائحة كورونا، وذلك من خلال اقتراح صيغتين : صيغة الدراسة الحضورية ، وصيغة الدراسة عن بعد مع ترك الحسم في اختيار إحداهما لأولياء أمور المتعلمين ، الشيء الذي أوقع هؤلاء في حيرة شديدة  نظرا لصعوبة الحسم في أمر  واضح أن الوزير نفسه  لم  ولن يستطع  الحسم فيه، ولن يستطيع غيره ذلك أيضا ما لم ترحل الجائحة عن بلادنا.  أما الدراسة الحضورية ،وهي خيار استهدف دون شك فئة معينة من أولياء الأمور باعتبار تجربة الدراسة عن بعد لم تحظ بثقتهم خلال الموسم الدراسي الفارط لأسباب معروفة.

 والدراسة الحضورية المنشودة والمفضلة لديهم تبدو في حكم المستحيلة في ظرف استفحال الجائحة . فإذا كان الوزير قد أصدر قراره بإغلاق المؤسسات التربوية والجائحة ليست في أوج انتشارها كما هي اليوم ، فكيف يجرؤ على فتحها والحالة في منتهى الخطورة ، والمؤسسات التربوية أكثر الأماكن كثافة وتقاربا بين المعلمين واحتكاكا فيما بينهم ، وخطورة تفشي الوباء فيها أكثر من خطورة تفشيه في غيرها من أماكن التجمعات البشرية ، وعليها يسري حكم المساجد التي لا زال معظمها مغلقا ،ولا زالت صلاة الجمعة فيما فتح منها  معلقة ، وما فتح منها قليل مع صرامة في شروط ارتيادها لا توجد في غيرها من أماكن التجمعات البشرية  .

فهل ذهب فكر وزير التربية الوطنية إلى اعتماد صيغة فتح بعض المساجد ؟ وهو يضع نصب عينيه  تحديدا بعض مؤسسات التعليم الخصوصي التي يحرص أولياء أمور المتعلمين فيها على مواصلة أبنائهم  وبناتهم الدراسة الحضورية، وقد نشب بينهم وبين أربابها صراع خلال الموسم الدراسي الفارط بسبب خلافهم المتعلق بما يؤدى من واجب  عن الدراسة الحضورية وعن الدراسة عن بعد.

ومع  إمكانية قدرة بعض مؤسسات التعليم الخصوصي في بعض المدن على توفير أكبر قدر ممكن من الاحتراز من عدوى الوباء عن طريق توفير ما يلزم من تباعد وتعقيم وتكميم ... وهو ما سيزيد من نفقات الدراسة دون شك ، فإن مؤسسات التعليم العمومي على الصعيد الوطني لا يمكنها توفير ذلك  بله توفير ما يتطلبه التعليم عن بعد .

 ولا يمكن أن تحذو المؤسسات حذو المساجد التي فتح القليل منها ،وبقي معظمها مسكّرا ، وقد لوحظ نوع من التمييز في فتح القليل منها ،وربما كان السبب في ذلك هو الرهان على توفر شروط الاحتراز من عدوى الوباء فيها  اعتمادا على نوعية الرواد، وهو ما قد يكون وزير التربية الوطنية استوحاه أيضا في قراره بترك الخيار لأولياء الأمور بخصوص اعتماد صيغة الدراسة عن قرب، وهو دون شك أراد تحديدا فتح أبواب بعض مؤسسات التعليم الخصوصي وعلى وجه الدقة مؤسسات البعثات الأجنبية .

وعين الصواب إن  كان وزير التربية يروم صوابا في معالجة موضوع الدخول المدرسي بدراسة حضورية أن يعتمد شرطا واحدا لا ثاني له، وهو التأكد من انحسار الجائحة انحسارا يشهد عليه أهل الاختصاص في المجال الصحي ،وهو أمر لا يرتبط بموعد محدد وإلا لن يخسر المغرب شيئا إذا ما اعتمد حتى خيار سنة بيضاء إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه لا قدر الله ،لأن السلامة خير من الندامة كما يقول المثل المغربي ، هذا في حال عدم ثقة أولياء الأمور في الدراسة عن بعد، والتي تستوجب شروطا وإمكانيات ليست متوفرة في كل جهات البلاد وفي كل المؤسسات التربوية  ولدى جميع الشرائح الاجتماعية .

ويبدو أن صيغة التعليم عن بعد إذا ما تم تطويرها عما كانت عليه الموسم الفارط باعتبارها أول تجربة تخاض في بلادنا قد تكون حلا اضطراريا إذا ما ظل الوضع الوبائي على ما هو عليه عملا بالمثل المغربي " نار تدخّن خير من خمودها " .

ومعلوم أن خيار أولياء الأمور صيغة الدراسة عن بعد ليس بالخيار السهل أيضا ،لأن ذلك سيكلفهم وقتا زائدا عن وقت مشاغلهم اليومية لمصاحبة ومرافقة أبنائهم وبناتهم ، وهو ما لا يتأتى للجميع لأسباب عدة أهمها ضرورة  توفر هؤلاء الأولياء على مستويات تعليمية تمكنهم من ذلك ، فضلا عن توفر ما يتطلبه التعليم عن بعد تقنيا ...إلى غير ذلك من الشروط التي يتطلبه ليفي بالغرض .

وقد يتطلب التعليم عن بعد أن تنخرط  كل القنوات التلفزية المغربية  ،وكل المحطات الإذاعية  لإنجاح تجربة التعليم عن بعد لأن الوسائل الأخرى غير متاحة للجميع في كل جهات الوطن . وهذا الانخراط يتطلب وضع جدولة زمنية تسهر عليها وزارة التربية الوطنية مع وزارة الاتصال كي تعطى الحصص الدراسية اليومية في وقتها المعلوم الذي يعتمد في الدراسة الحضورية مع توزيع الأدوار بين كل تلك القنوات والمحطات . ومع ذلك يتوقف الأمر على دور أولياء الأمور في ضمان التزام أبنائهم وبناتهم بالمواظبة على تتبع ما يقدم  لهم من دروس  علما بأن ذلك سوف لن يغطي سوى جانب من الدراسة عن بعد ، هذه الأخيرة لها طرق وأساليب وإمكانيات تقنية لتسمى دراسة تشاركية عن بعد كما تعتمدها دول متقدمة لست لدى بلادنا إمكانياتها  ولا تجاربها .

وفي الأخير نتوجه إلى وزير التربية الوطنية بطلب مراجعة قراره، لأنه قرار غير صائب ، ولن يعفيه من مسؤولية اتخاذ قرار مناسب وشجاع ترك الخيار لأولياء الأمور بين أمرين ينطوي أحدهما على تعريض الناشئة المتعلمة لخطر الوباء ، والآخر يعتبر حلا ترقيعيا باعتبار قلة الإمكانيات التقنية ، وصعوبة البرمجة  والمتابعة ....

وإذا كانت السنة البيضاء خسارة كما قد  يعتقد البعض ، فإن الخسارة الأفدح منها هي أن نعرض الرأسمال البشري الذي نراهن عليه مستقبلا  للخطر من خلال قرار متهور يجعلنا نندم عليه  ندما شديدا ،ولات حين مندم .