من سيكون سيد البيت الأبيض؟

محمد فاروق الإمام

مصالح الأنظمة العربية والانتخابات الأمريكية

تشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثًا هامًا بالنسبة لأنظمة الدول العربية الحليفة لواشنطن، إذ ترتكز سياساتها الخارجية والداخلية بشكل كبير على التنسيق مع الولايات المتحدة، مما يجعل من اسم الساكن الجديد للبيت الأبيض محل ترقب ودراسة من جانبها.

أما ما يتعلق بالمصالح العربية من تلك الانتخابات فهي تتوزع حسب تصنيف هذه الدول من منظور الولايات المتحدة الأمريكية، تحديدا في ظل غياب الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة في معظم الأقطار العربية، وبالتالي فالمصلحة الأولى والأخيرة للدول العربية من علاقاتها مع الولايات المتحدة أو مع غيرها هو المحافظة على الوضع الكائن، وبكلمات أخرى الاستمرارية في الحكم دون النظر لأي مصالح أخرى. لذا فإن المصالح الأمريكية تتمثل بمصالح وطنية عليا؛ بينما المصالح العربية تتمثل في المجمل في المصالح الفردية المرتبطة بأنظمة الحكم السائدة، ومدى استفادة كل بلد من الإدارة التي تحكم أمريكا.

على الجانب الآخر، تبدو الأجواء أكثر قلقا من ناحية العرب، في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وهو ما يزيد التساؤلات المصحوبة بالقلق لدى الحلفاء العرب لأمريكا، خصوصًا في ظل خلفيته السياسية، مرشحًا للحزب الديمقراطي ونائبًا للرئيس السابق باراك أوباما، بما يعني أنه يحمل رؤى مناقضة لتوجهات ترامب في كثير من القضايا نحو الدول العربية.

فخلفية الرجل السياسية، وتصوراته لشكل العلاقة مع الشركاء العرب، والتي سبق أن شارك في صياغتها خلال فترة شغله منصب نائب الرئيس السابق، ستحمل الكثير من السيناريوهات، لعل أبرزها صدام مع بعض الدول.

دول الخليج والعلاقة مع أمريكا

ويُعد بناء علاقة جيدة ومنسجمة بين دول الخليج وواشنطن أولوية لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مدار العقود الماضية، فدول الخليج بالنسبة لواشنطن هم حلفاؤها الأهم في المنطقة العربية، وأكبر عملاء لشراء الأسلحة والخدمات العسكرية الأمريكية.

الحال ذاته ينطبق على حكام هذه الدول التي ترى في واشنطن، التي تتمركز قواعدها العسكرية في عواصمها، خط الدفاع الأول ضد أي تهديد عسكري محتمل يهدد أمنها القومي.

وتحظى طبيعة العلاقات المُحتملة بين واشنطن في عهد بايدن ودول الخليج بأهمية كُبرى وترقب أكبر لما سيفعله الرئيس المُحتمل، في ظل الخلافات الواسعة داخل مجلس التعاون الخليجي، وكثير من القضايا الداخلية لهذه الدول التي غضت عنها الإدارة الأمريكية الحالية البصر.

كيف ستكون طبيعة العلاقة بين واشنطن والرياض إذا فاز بايدن؟

حال صعود بايدن لمنصب الرئيس في البيت الأبيض، يبدو أنه من المؤكد تغير نمط العلاقة المُحتمل بين واشنطن والرياض، خاصة في ظل معارضة الرجل ومساعديه لسياسة ترامب الخارجية مع الرياض خلال ولايته.

وهذا لا يعني أن التوتر سيخيم على العلاقة بشكل دائم، أو أن بايدن سيدفع لتصعيد عنيف كقطع العلاقات، فالرجل مؤمن بضرورة استمرار العلاقات بالتزامن مع ممارسة واشنطن ضغوط فعلية على الرياض لإنهاء "الحرب المأساوية" في اليمن، على حد تعبيره، وإعادة تقييم العلاقة بشكل عام حتى لا ينتهي الحال بحلفاء واشنطن، في إشارة لقادة السعودية، أشخاصًا "منبوذين"، كما وصفهم في مناظرة مع مرشحي الحزب الديمقراطي السابقين قبل شهرين.

أحد القضايا الداخلية التي تؤرق بايدن في تعامله مع الرياض هي القضايا الحقوقية، وأبرزها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتي تستدعي، وفقًا له، ممارسة ضغوط على قادة السعودية لاحقًا من أجل علاقات "صائبة".

أيضا؛ لخص محللون سياسة بايدن ومستشاريه تجاه حلفاء واشنطن بوصفها سياسة "تقاسم الأعباء"، التي سيُلزم بها حلفائه في الشرق الأوسط، ولن تستمر سياسة التعويل المُطلق على واشنطن لحل قضاياهم، خصوصًا مع نفور الجمهور الأمريكي من الانخراط الدولي، وبالأخص العسكري، في قضايا الشرق الأوسط.

وذكر تحليل منشور في مركز بحثي بواشنطن، قبل شهر، أن وصول بايدن للحكم سيعكس سياسة خارجية مختلفة للولايات المتحدة ستكون المفتاح لإقامة علاقة يتم تصويبها مع المملكة العربية السعودية والشركاء الخليجيين الآخرين، ويؤكد في الوقت ذاته أن تهديدات الإرهاب الدولي والهيمنة الإيرانية وغيرها من المخاوف المشتركة توفر أساسًا صلبًا لإعادة إحياء الشراكة، إذا تمت إعادة تقييمها من جديد، في عهد بايدن. وهو ما يعد مؤشرًا مهمًّا على تغير قد يطرأ في علاقة واشنطن مع الشركاء الخليجيين.

الانتخابات الأمريكية وجائحة كورونا

كما أنه علينا أن لا نغفل أن الانتخابات الأمريكية تزامنت مع أزمة جائحة كورونا التي يشهدها العالم لا سيما أمريكا التي سجلت حتى الآن أكثر من 9 ملايين و400 ألف إصابة وتخطت الوفيات حاجز الـ200 ألف، ولربما هذا هو الملف الذي يلاحق ترامب في هذه الانتخابات ويرى العديد من الناخبين أنه فشل في الاستجابة للوباء، كما أن عدد الناخبين الذين خرجوا للتصويت المبكر كان قياسياً إذ تجاوز 90 مليون صوت.

المتنافسان على البيت الأبيض لا رغبة لهما في الانغماس في مشاكل الشرق الأوسط

وسواء فاز ترامب أو بايدن لن يرغب الطرفان في الانغماس أكثر في المنطقة العربية، إذ لا ترغب الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر بالملف الليبي إنما تكتفي في أن يكون الدور الروسي محدوداً في روسيا.

أما عن الملف السوري فمن المتوقع أن يذهب ترامب للمفاوضات وسيعمل على بناء سورية جديدة عبر الطريقة السياسية وليس عبر الهجمات العسكرية.

أما بايدن في حال أصبح رئيساً فهو يفضل أن يبقى الأمر كما هو في سورية وليبيا وذلك خدمة لبعض المصالح الأمريكية من وجهة نظر الديمقراطيين الذين يمثلهم بايدن.

وفيما يخص الملف العراقي فإن كلاً من بايدن وترامب اتفقا على دعم الحكومة الحالية لتقوم بوضع حد للدور الإيراني في العراق، وفي حال كان ترامب هو المنتصر سيكتفي بضربات عسكرية بسيطة جداً تلحقها ضغوط سياسية دبلوماسية وأمنية على الحكومة العراقية.

الملف الإيراني وحضوره البارز

أما عن الملف الإيراني فإن هناك احتمالاً كبيراً أن يعقد بايدن صفقة للرجوع للاتفاق النووي مع إيران، ولن يقوم بالحد من الدور الإيراني ما يعني أنه في زمن بايدن قد يكبر ويعود الغول الإيراني للمنطقة مرة أخرى، وقد يقوم بايدن في الثلاثة أشهر الأولى من رئاسته بمغازلة إيران.

الكيان الصهيوني وسبب انحيازه لترامب

أما من ناحية الكيان الصهيوني فإن أكثر التحليلات السياسية تشير إلى رغبة الكيان بفوز ترامب ليكمل مسيرة التطبيع بين الدولة العبرية والعديد من الدول العربية لتصل في نهاية المطاف لعقد صفقة مع الفلسطينيين شبيهة باتفاقية أوسلو.

الشرق الأوسط والفروق بين المرشحين

أما بالنسبة للشرق الأوسط بشكل عام فإن تصريحات المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة جوزيف بايدن التي تعهد فيها أنه لو انتخب فسيعيد أمريكا “على رأس الطاولة” و”حشد العالم الحر لمواجهة التحديات التي تواجه العالم اليوم.. ولا أمة لديها القدرة على عمل هذا” غير الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي يهم فيه عودة أمريكا لقيادة العالم في مجال التعاون الصحي العالمي ومواجهة التغيرات المناخية والوقوف أمام ممارسات القرصنة التجارية الصينية إلا أن منطقة واحدة لم تعد مهمة لأمريكا كما كانت وهي الشرق الأوسط. فأياً كان الفائز في الانتخابات فمن المهم الاعتراف أن الشرق الأوسط المضطرب الذي تسافر إليه الأفكار لتموت لم يعد مهما للسياسة الخارجية الأمريكية ومصالح أمريكا.

وعليه فإن القيادة والخصوصية الأمريكية لا يمكنها إصلاح الشرق الأوسط المحطم أو أن تلعب دوراً يقوده إلى مستقبل أفضل. صحيح أن الولايات المتحدة لديها مصالح لحمايتها لكن على الأمريكيين أن يلتزموا بالواقعية والحصافة والانضباط لكي تؤمنها. فلو تصرف الأمريكيون بانضباط فسيجنبون أنفسهم المبالغة والغرور والمشاكل التي جلبوها على أنفسهم وتسببت بمعاناة غير ضرورية لهم ولغيرهم.

أولويات الأمريكيين هي في حل المشاكل الداخلية

الأمريكيون بشكل عام أولوياتهم المحلية مقدمة على أي مغامرة في الشرق الأوسط، وستواجه الإدارة المقبلة أكبر تحد في التعافي منذ الأربعينات من القرن الماضي بدون أن تكون هناك حرب عالمية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وتركت أمريكا كقوة مهيمنة في العالم. وبالإضافة لهذا هناك أزمة استقطاب تقوم على الخطوط الطبقية والعرقية والسياسية وفقدان الثقة والأمانة بالمؤسسات الحاكمة. كما سيفرض العجز في الميزانية والدين العام قيودا على أي محاولة لمتابعة المصالح الأمريكية الحيوية منها في الخارج. وبالنظر إلى العناوين اليومية فإنها تؤكد التحديات الاستراتيجية التي تواجه الحكومة الأمريكية وتحرف نظرها عن الشرق الأوسط: فيروس كورونا الذي يعيث فسادا ويقتل الأمريكيين ومصادر حياتهم ومصداقيتهم حول العالم، الحرائق المندلعة في الغابات في كاليفورنيا، إعصار لورا، وموجات من الحر الشديد المرتبطة بالتغيرات المناخية وهناك الصين التي تستعرض عضلاتها في منطقة آسيا والباسيفيك. فيما تواصل روسيا سلوكها المارق كما في تسميم المعارض الروسي أليكسي نافانلي ومواصلة الكرميلن التدخل في الانتخابات الرئاسية بالإضافة لتصاعد القومية البيضاء داخل أمريكا.

الطاقة وكيفية التعامل مع حاجة الولايات المتحدة لها

لقد كان الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج مصدراً للطاقة، ففي أثناء الحرب الباردة، وكانت السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على حماية تدفق النفط ومصادر الطاقة من الشرق الأوسط. وفي هذه الفترة كانت حصة الخليج وبشكل غير متكافئ مع احتياطات النفط العالمي الأخرى، وهذا أصبح تاريخا. فقد أدى اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي خارج منطقة الخليج وتطوير الطاقة النظيفة، وتزايد إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة إلى تراجع أهمية المنطقة الاستراتيجية لأمريكا. كما استمرت أسعار النفط بالتراجع رغم المشاكل التي تمر بالعراق وإيران وليبيا التي أخرجت من السوق مليارات البراميل من النفط. وفوق هذا، فنسبة 85% من نفط الخليج تذهب إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وليس الولايات المتحدة. وهذا لا يعني تراجع منطقة الخليج، فلا يزال نفطه يشكل 20% من الناتج العالمي وتمر نسبة ثلث النفط المنقول بحرا عبر مضيق هرمز. ومن هنا فلا تزال الحاجة قائمة للحفاظ على تدفق النفط بدون إرباك يؤدي لارتفاع أسعاره محليا. ولو حصل هذا فيمكن للولايات المتحدة تخفيف حدته عبر الأسطول الأمريكي الصغير في الخليج وفتح الاحتياطي الوطني لفترة قصيرة لتعويض النقص.

المصالح الأمريكية الحيوية

اعتمدت المصالح الأمريكية الحيوية في منطقة الشرق الأوسط على ثلاثة أمور وهي: الحد مما تسميه الإرهاب، وحماية النفط واستمرار تدفقه، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي. وقبل خروج ترامب من الاتفاقية النووية كانت أمريكا تقوم بمهمة جيدة لحماية هذه المصالح. ومنذ هجمات 9/11 لم تتعرض أمريكا لهجوم إرهابي من الخارج. والمفارقة، وحسب دراسة علمية موثقة هي أن أمريكا أنفقت 6 تريليونات دولار لمواجهة ذلك التهديد وتجاهلت تهديد الوباء الذي قتل 180.000 أمريكي ودمر الاقتصاد. ولا حاجة لنشر قوات أمريكية على أراض أجنبية ويمكن استخدام القوات البحرية والخاصة في بلد لمواجهة المنظمات التي تريد الإضرار بأمريكا. وربما اطمأنت أمريكا لوجود النفط العربي، لكن العالم لا يزال بحاجة إليه، ومن هنا فأي إرباك للنفط سيترك أثره على الاقتصاد العالمي والأمريكي أيضا. وربما كانت إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز لكنها لا تملك القدرة العسكرية لإغلاقه بشكل دائم، وليس من مصلحتها هذا. ويمكن لأمريكا في هذه الحالة حماية تدفق النفط من الخليج بدون أي زيادة كبيرة للقوات أو استثمار اقتصادي واسع. وتظل إيران دولة واقعة وسط عالم عربي سني وهي ليست قوية وتعاني من عقوبات اقتصادية. والطريق الوحيد لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي هو العودة لاتفاق ما. وعلى الإدارة المقبلة أن تختبر المياه مع طهران ومعرفة ما هو ممكن. وسيظل الشرق الأوسط يعاني من فوضى في السنين المقبلة، وهو منطقة لا يمكن التكهن بها وربما قدم لأمريكا أزمات لا تتوقعها. ولكن عليها ألا تعرض نفسها للفشل من خلال ملاحقة طموحات غير واقعية والتعامل مع المنطقة بطريقة أكبر مما تعنيه. وفي رسالة لبايدن: الشرق الأوسط ليس ملكا لأحد ولا قوة في الداخل أو الخارج قادرة على السيطرة عليه. وبالتأكيد فأمريكا لم تعد كلب الحراسة القوي في المنطقة وهي ليست بحاجة إلى هذا.

اتفاقيات التطبيع في ميزان ترامب وبايدن

يعتقد محللون وخبراء في الشأن الأمريكي أنه في حال فوز بايدن بالرئاسة فلن يحوز ملف التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية على جانب كبير من الاهتمام، خاصة مع غياب أشخاص من نوعية غاريد كوشنر صهر ترامب الذي يتحرك في الأمر من منطلق عقائدي بصورة أكبر مما تحركه المصالح السياسية للولايات المتحدة، بحسب الخبراء.

ويرجع بعض المحللين السبب في ذلك إلى أن جو بايدن نفسه شخص كاثوليكي وأن الدائرة المحيطة به لا يوجد بها الكثيرون من المسيحيين الإنجيليين كالدائرة الحالية المحيطة بترامب، كما أن بايدن نفسه أظهر غير ذات مرة أن هذا الملف ليس على قائمة أولوياته.

ويقول محللون إنه إذا فاز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية فإنه "قد يعيد التوازن إلى النهج الأمريكي في التعامل مع ملف السلام العربي – الإسرائيلي وربما سيكون الأمر على نهج أوباما بشكل أو بآخر، كما سيعمل على إشراك الفلسطينيين في الحوار وأخذهم على محمل الجدية بشكل أكبر، وقد يسعى إلى إشراك أطراف وشركاء دوليين آخرين، بما في ذلك الأوروبيين، بعكس سياسة ادارة ترامب شديدة الأحادية"، مشيرين إلى أن عهد التوافق بين إدارة ترامب وإدارة نتنياهو الذي رأيناه في العامين الماضيين لن يستمر حال فوز بايدن بالرئاسة.

المصدر

*مصر العربية-4/11/2020

*الرؤية-4/11/2020

*القدس العربي-4/9/2020

*أكاديمية D W -16/9/2020

وسوم: العدد 902