لا تعلموا أولادكم النفاق

أدباء الشام

في قريتي التى أسكنها في أرض البلقان بإحدى دول أوروبا الشرقية  يوجد مسجد فيه يوم السبت والأحدحلقات تحفيظ القرآن الكريم..* ظننته في البداية يوما عاديا حيث يجلس الشيخ ويلقّن الأطفال القرأن الكريم ويصحّح لهم الأخطاء..

*وإن شئت فقل الأسلوب التقليدي الذي اعتدت أن أراه في معظم البلاد العربية.*

صليت المغرب وهممت بالخروج فإذا بالأطفال الذين صلّوا معنا ينشطون عقب الصلاة والأذكار *ويحوّلون الصالة الأمامية للمسجد إلى ساحة لعب.*

أحضروا طاولة للعب :  تنس الطاولة  ، جهزوها و أمسكوا المضارب  فتحوّلت الصالة الأمامية إلى كرنفال بهجة وسرور.. إمام المسجد يشبه الطفل في تصرفاته معهم ، هل هذا هو الإمام الذي يقبّل الأطفال يديه منذ قليل ..؟*

نعم هو .. وقفت ألاحظهم وأتعجّب ؛ فاقترب مني الإمام وقال لى :

*أعتقد أن بلادكم العربية لو رأى المسؤولون في مساجدها ما نفعل في مساجدنا لبدّعونا وفسّقونا ..* 

علمت ما يريد قوله ووفرت عليه حوارا كبيرا وقلت له كل ما تريد قوله أعلمه ، ولكن أعطني شيئا جديدا تهدفون إلى الوصول إليه من أساليب التربية هذه .

*تربية المسجد ؟*

فقال  *قتل النفاق.*

سبحان الله ، إجابة لم اتوقعها وانا من ظن بنفسه انه يعرف الأساليب والأهداف كلها بحكم طبيعة تخصصي وعملى كأخصائى اجتماعي طيلة عشرين عاما .

*قلت له كيف هذا ..؟*

قال : الطفل عندكم يلتحق بمكاتب التحفيظ ليتعلّم القرآن الكريم *فيعيش في بيئة إيمانية* ، ثم يخرج إلى الشارع يريد أن يشبع رغباته كطفل يريد اللعب ، اللهو ، الأصدقاء فيشبعها في *بيئة غير منضبطة* شتائم وألفاظ ومعارك ووو... ، ولابد أن يتأقلم معهم في هذه البيئة حتي يستطيع أن يشبع رغباته من خلالهم ، فإن عاد إلى مكتب التحفيظ *التزم سلوك التديّن وسلوك الطفل المتأدب بآداب القرآن*  كما هو مطلوب منه .

*فيعيش الطفل حالة من التقلب تؤدي به إلى طريق النفاق .*

هل عرفت الآن ؟ لماذا نربي أولادنا في المسجد *نحفظ ونلعب ندرس ونلهو ..* ؟؟

ثم قال نزل الإسلام ببلادكم ، بلاد العرب *وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل من المسجد حياة كاملة.* بل حياته كانت كلها نسقا متكاملا حتى أنه كان يسابق عائشة وهو في طريقه للقتال .

*وأنتم أخذتم من الإسلام جسده وتركتم روحه..*

وهنا أوشكت دموعي على السقوط ..

*وتذكرت قصة المرأة التى بعثت بابنها صاحب الأربعة عشرعاما لأحد المراكز الإسلامية بأوروبا لكي يسلم ..*

وحين دخل على الإمام سأله الإمام :

من أتى بك إلى هنا ؟

قال الطفل : *أمي..* وهي تقف خارج المركز

قال الإمام : *لماذا لم تدخل معك ..؟*

قال الطفل : *هي غير مسلمة.*

تعجب الإمام وطلب منه أن يستأذن أمه لتدخل .

دخلت الأم فسألها الإمام. .

أنت *لست بمسلمة* كما أخبرني ابنك .. *إذن لماذا تطلبين من ابنك أن يسلم ..؟*

امتلأت عيون الأم بالدموع وقالت :

*لي جارة مسلمة ولها طفل في عمر ابني ، ما دخل البيت ولا خرج إلا قبّل يدها وسلّم عليها ، فتمنيت أن يكون ابني مثله ..*

*أيها السادة علّموا أولادكم الشطر الأعظم من هذا الدين ، الروح ، الحب ، التسامح ، اللين ، البشاشة ، العفو  ، التعايش ، الصدق ، القيم والمبادئ كلّها *

يقول الدكتور عمر عبد الكافي ، *القرآن الكريم ٦٢٣٦ آية* أيات *العبادات* في القرآن لا تزيد عن *١٣٠ آية* فقط أي نسبة *٢٪؜ من القرآن* ، في حين ان آيات الأخلاق *١٥٠٤ آية* اي نسبة *٢٤٪؜ من القرآن*  ، تقريبا *ربع القرآن* ،

ومع ذلك ركّز عدد كبير من المسلمين على *العبادات* وترك الجزء الأكبر من *المعاملات وحُسن الخلق !*

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : *( ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ من حُسنِ الخُلُقِ )*

وقال ابن قيم الجوزية : *الدين  كله خُلق ، فمن فاقَك في الخلق ، فاقَك في الدّين.*

‏اللهم ارزقنا حسن الخُلق وطهارة النفس , وحلاوة اللسان وسعة الصدر وسلامة القلب وأعنا على تربية ذريتنا كما تحب وترضى.

وسوم: العدد 941