دستور ... دستور في المحكية الحلبية

زهير سالم*

ومضت عادة أهل حلب أنهم يستخدمون كلمة "دستور" في باقة واسعة من المواطن، يفعل ذلك فئة أعلى ثقافة منهم ..

فمثلا من عادة أهل حلب الرجال منهم، إذا أرادوا أن يشعروا نسوة الحي من جاراتهم أنهم قادمون، أن يتنحنح الرجل بمعنى انتبهن أيها الجارات فثمة رجل قادم ، ومن هنا إذا تقحم أحدهم الزقاق خلسة دلسة ففاجأ جارتها تشطف باب دارها قيل له " اشبك خيو لا إحم ولا دستور " !!

ومن عادتهم أنهم إذا أرادوا أن يعلموا بوجودهم أو بمرورهم أو بدخلولهم أو بخروجهم أن يعلنوا " لفظ الجلالة : يا الله ...أو يرددها أحدهم : يا الله ..يا الله. وقرأت في حاشية ابن عابدين رحمه الله تعالى حرمة ذلك، قال يذكر اسم الله ذكر استخدام ، وغلّظ القول فيه، وكذا في أمر الباعة يروجون لسلعهم بالصلاة على النبي، وبعض السفهاء يستعمل مثل الصلاة على النبي، ومثل ما شاء الله فيما يسميه الحلبيون " التلطيش" ويسميه أهل هذا الزمان "التحرش اللفظي"، فإذا رأى أحدهم سيدة عابرة رفع صوته بمثل تلك العبارات الشريفة ..

وأعود بكم إلى كلمة دستور ..

وأول ما يستخدمها الحلبيون في سياقاتهم أنهم يستحضرونها عند ذكر الصالحين والأولياء، فمثلا يقول أحدهم وهو يحكي : قال الشيخ الكيلاني دستور من خاطره، وكان الشيخ الرفاعي دستور من خاطره ، وشيخ جاكير دستور من خاطره ..والسياق هنا يقتضي التكريم للمذكور والاعتذار من الذاكر..

ويستخدم الحلبيون والحلبيات خاصة كلمة "دستور" كذلك عند التخاطب مع الجن، فالمر{ة قبل أن تسكب الماء الساخن على الأرض يجب أن تقول محذرة منذرة " دستور يا حاضرين " ثم تزقزق كما العصفور، وتكمل " حطوا ايديكم على روس ولادكم ما تقولوا ما قلنا لكم.." كل ذلك حذر أن تؤذي جنيا أو جنية فيؤذونها، والحلبيات من عنايتهن بالطفولة، أكثر حرصا على أطفال الجن كما سمعتم في الراوية السابقة: "حطوا ايدكم على رؤوس أولادكم " وليسوا مثل بشار الأسد وفريقه. الذي لم يحرص قط على طفل سوري

ثم يستخدمون كلمة " دستور " عند سياق آخر سبق وأشرت إليه كطريقة في الاستئذان والدخول والخروج ...فيقول الرجل دستور ...دستور ..

ثم يستخدمونها في موضع رابع أغرب، وهو عند ذكر المستحقرات اعتذارا من السامع ، وتوقيرا له أن تذكر أمامه ، يقول المريض للطبييب " حكيم عندي -دستور- تقطع في البول " أو من الإسهال أو مفرزات أنفية لها اسمها عند العامة، أو من المفرزات البلغمية، أو من القروح في الأماكن الحساسة ..كل ذلك تسبقه كلمة "دستور،" مهما كان المخاطب رجلا متقدما كبيرا يستحق الاحترام ..

تذكرت كل هذا وأنا أتابع دستور من خاطركم ما يقولونه عن الدستور .. والإصلاح الدستوري بشكل خاص، وسبع مائة دستور.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 951