دعاية تخفيض درهم في الوقود تزامنت مع زيادة دراهم في مواد استهلاكية ولا رقيب ولا حسيب ولا من يحمي المستهلكين

إن ما يحدث من زيادات متواصلة  في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية التي لا مندوحة للمستهلك عنها تحت ذريعة ارتفاع ثمن الوقود شيء ينذر بما لا تحمد عقباه لأن للصبر حدود .

ومع انتشار دعاية تخفيض ثمن الوقود بدرهم ، وهو تخفيض لم يحصل فعلا  في العديد من محطات الوقود حيث ظل ثمنه على حاله بعد الدعاية كما تشهد على ذلك  لوحات أسعاره، وكما يصرح بذلك عمال المحطات حين يسألون عن ثمنه يوميا كلما ارتادوها .

ومقابل هذه الدعاية التي لا تعدو عن ذر للرماد في العيون لحجب ما يحدث من ارتفاع في العديد من أثمان  المواد الاستهلاكية مثل مشتقات الحليب ، ومياه الشرب ، و المشروبات الغازية ، والأسماك، واللحوم بعد انطلاق تجارتها التي توقفت بعد عيد الأضحى  ...فضلا عن نوع من التحايل على الزيادة في ثمن الخبز حيث نقص وزن الرغيف بينما ظل ثمنه كما كان ، الشيء الذي يدل على سيادة الفوضى في الأسعار ، وهو ما يمثل تهديدا جادا للأمن والاستقرار في وقت البلاد أشد ما تكون حاجة إليهما وذلك في ظرف تداعيات الوباء والجفاف ، وأزمة مياه الشرب .   

يحدث كل هذا ولا رقيب ولا حسيب، ولا من يحمي المستهلكين ، ولا وجود  لنشرات  إخبارية  رسمية تشير إلى فوضى الأسعار التي يتذرع صناعها بارتفاع سعر الوقود  لتبرير استباحة جيوب المواطنين .

ومع أن الشعب المغربي يتفهم جيدا أزمة الوقود التي اصطنعها  كبارمشعلي الحرب في القارة العجوز بسبب تضارب مصالحهم ، وبسبب صراعهم  على الهيمنة على أسواق العالم ، وعلى مقدرات وثروات الشعوب المستضعفة ، فإنه لا يمكن أن يكون وحده المضحي من أجل وطنه دون تضحية من يستفيدون مما يتيحه لهم من استغناء على حساب  شرائح طويلة عريضة منه  يعادني العوز.

وإن التضحية من أجل الوطن يجب أن تكون سوية بين المسوقين والمستهلكين بحيث تقتسم الزيادة على سبيل المثال في سعر الوقود بينهما مناصفة خصوصا وأن مسوقي الوقود هم من أثرياء البلاد الذي راكموا الأرباح الطائلة لسنوات طويلة  قبل أزمة الوقود، وعليهم أن يردوا لهذا الوطن جميله في ظرف الشدة عوض أن يضيقوا الخناق على أبنائه في قوتهم ومعاشهم ، ويفتحوا باب غلاء أسعار المواد الاستهلاكية على مصراعيه بذريعة ارتفاع سعر الوقود ،علما بأن لهم صلة بتجارة المواد الاستهلاكية، وفيهم الخصام وهم الخصم والحكم  على حد قول الشاعر المتنبي .

وإن البرلمان اليوم  لمطالب بقوة قانون تمثيله للشعب أن يوقف حملة الغلاء المسعورة وغير المسبوقة  فورا ، وأن يلزم الحكومة بوضع حد له ، وتكون البداية من تحديد سعر قار للوقود لمنع استغلال ارتفاع سعره من أجل رفع أسعار المواد الاستهلاكية  . وإذا كان هذا البرلمان لا يستطيع أن يتناغم مع سخط الشعب على الغلاء، فعليه أن ينحل لتجرى انتخابات برلمانية  جديدة من شأنها أن تفرز برلمانا  يمكنه التناغم  مع الشعب .

وإذا كانت الحكومة الحالية  عاجزة عن معالجة أزمة الغلاء ، وتكتفي بالتذرع  بأزمة غلاء الوقود للسكوت على غلاء المعيشة  أو تمريره وتبريره، فعليها أن تقدم استقالتها لتفسح المجال إلى حكومة أخرى تكون أقدر منها على مواجهة الأزمة  بحلول تراعي توازن الجميع مسوقين ومستهلكين  في التضحية من أجل الوطن .

وأول ما يتعين على  هذه الحكومة سواء فكرت في الرحيل أو في  البقاء هو تفعيل رقابة صارمة على الأسعار، لأن زمام الزيادة التي تعرفها قد انفلت من يدها ، وصار المواطن يصدم كل يوم بأخبار سيئة عنها ، وهو ما يراكم الاحتقان الشعبي الذي لا تحمد عقباه إذا ما طفح كيله لا قدر الله .

ونختم هذا المقال بنصيحة عالم العمران العلامة  عبد الرحمان بن خلدون رحمه الله  التي يقول فيها : " يقع الخراب بالظلم دفعة واحدة عند أخذ أموال الناس مجانا ،والعدوان عليهم في الحرم والدماء ، ويقع الخراب بالتدريج " .

ونأمل أن يكون نصح هذا العالم الخبير بأحوال العمران تذكرة لمن يغامرون بعمران هذا الوطن سواء كانوا  قاصدين ذلك أو كانوا غافلين . ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وسوم: العدد 991