( نحــو الرقيِّ المنشود )
في مقالي السابق المعنون (قيمُنا... نبعُ السعادة وركنُ النجاة) المنشور في العدد 1126 من موقع رابطة أدباء الشام، قلت إن القيم ليست أناشيد نرددها، ولا عبارات نُعلّقها على الجدران، بل هي منهج حياة نمارسه في كل لحظة. هي الصبر في وجه الألم، والعفو عند الغضب، والصدق حين يسهل الكذب، والرحمة في زمن القسوة. ليست القيم مفاهيم نظرية نُدرّسها، بل سلوك يومي نغرسه بالقدوة لا بالكلام، وبالمواقف لا بالشعارات.
نحن اليوم في أمسِّ الحاجة إلى استعادة الوعي بقيمنا الإسلامية والإنسانية، وتربية الأبناء عليها تربية عملية تبدأ من البيت وتُستكمل في المدرسة والمجتمع. للمربين والمربيات دورهم الجليل في نقل هذه القيم إلى الأجيال، لا بالكلمات فقط، بل بالفعل والسلوك والنموذج الصادق.
وقد قلت – انطلاقًا من تجربتي في جمعية المرأة العربية في جويلف وأكاديمية القلم التعليمية – إن سعادتي الشخصية، كأم وكقيادية في العمل المجتمعي، لا أستمدها من المناصب ولا من الألقاب، بل من تلك القيم التي أحيا بها، وأحرص على أن أزرعها في من حولي. فالسعادة الحقيقية تكمن في أن نعيش لأجل الآخرين، أن نعطي بصدق، ونمنح بلا مقابل، ونؤمن بأن القيم النبيلة طريقنا إلى الله، وإلى قلوب الناس، لا سيما في ديار الغربة.
ومن أعظم إنجازات الإنسان في حياته أن يرى أثر عطائه يتجلى في وعي الأجيال، وفي ثقة النساء بأنفسهن، وفي تماسك الأسر، وفي اندماج الأفراد في نسيج المجتمع. وما كان ذلك ليتحقق لولا الجهود الجماعية التي بُنيت على أساس التعاون والتكافل. وهنا لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير لكل من شارك في هذه المسيرة المباركة من معلمين ومعلمات، وموظفين وموظفات، وعضوات الجمعية. أولئك الذين لم تثنهم مشقة الطريق، ولا ضغوط الحياة، عن أن يُقدّموا الخير بسخاء، ويزرعوا بذور الأمل والانتماء والنجاح في قلوب الأطفال والأسر.
كما أخص بالشكر الجهات الكريمة الداعمة والمشرفة على نشاطاتنا، التي كانت دومًا سندًا لنا في هذه المسيرة الإنسانية والاجتماعية. ولأعضاء الجمعية ومعلمي الأكاديمية ومعلماتها، أقول: أنتم رموز مضيئة لمسيرةٍ نبيلةٍ تتجاوز حدود الجغرافيا، لتخدم أبناء الجالية العربية وكل من يشاركنا هذا النهج.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن نغفل عن التعبير عن خالص الامتنان والعرفان للشاعر الكبير الأستاذ شريف قاسم، الذي كان وما زال داعمًا فكريًا وأدبيًا لمسيرتنا، بقلمه النبيل، وفكره الراقي، ومشاعره الوطنية الصادقة. لقد أضاءت كلماته طريقنا، وكان دعمه لنا في الجمعية والأكاديمية مصدرًا نفخر به ونعتز، فهو الأديب الذي يعيش هموم أمته، ويشارك في توجيهها، ويحثّ الخطى نحو مستقبلٍ أرقى.
وكانت ثمار هذه الجهود المباركة، بفضل الله تعالى، أن تحققنا من الوصول إلى أهدافنا النبيلة في الجمعية والأكاديمية. وهنا لا بد من وقفة إجلال وتقدير للمعلمين والمعلمات، الذين يؤدّون رسالتهم بروح من التضحية والالتزام، في ظل حقول العلم والقيم، حيث تهبُّ نسمات المعرفة العطرة على نفوس الأبناء والأمهات.
فحملة لواء التعليم هم أهل الحنو والرفق، وهم من اقتفوا أثر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
"إنما أنا لكم مثل الوالد لولده"
وهم من يعلّمون أبناءنا وبناتنا، ويغرسون فيهم حبّ القيم، والمعرفة، والانتماء، بعزم لا يلين، وهمّة لا تكلّ.
وقد عبّر الشعر عن فضلهم بأبلغ الكلمات:
هـو ذلك الجنديُّ مَن حملَ القلمْ ... ومشى به إذ ليس يقعدُه السَّأمْ
أمضى سويعات النهار بكــدحــه ... لاينثني مهما اشتكتْ منه القــدمْ
أعلمْتَ مَن ذاك المكافحُ إنَّه ... مَــنْ علــمَ الأجيالَ تفســـيرَ القيــمْ
إنهم الشموع التي تحترق لتضيء دروب السالكين، وهم البناة الحقيقيون لمستقبل الأمة، ومن حملوا على أكتافهم مسؤولية تربية النشء في زمنٍ تتسارع فيه التحديات. لهم في قلوبنا مكانة عالية، وفي دعائنا نصيب كبير، فهم من يستحقون الثناء، والتكريم، والدعاء.
ولا نملُّ أن نُسهب في مدح حَمَلة ألوية التربية والتعليم، الذين وهبوا حياتهم للعلم والخير. فما غرّتهم الراحة، ولا شغلتهم الحياة عن أداء رسالتهم المقدسة. وحسبهم أنهم يتركون في وجوه أبنائنا بسمة أمل، وفي نفوسهم جذوة شغف، وفي قلوبهم حبًا للحياة والمعرفة.
فطوبى لمن يستحقون الشكر والتقدير، وطوبى لمن يقدّر جهودهم ويبني على عطائهم، فبهم يسمو المجتمع، ويتعافى، ويتقدم في مضمار الحضارة.
وختامًا، أُبارك لكل من ساهم في هذه المسيرة المشرّفة، وأجدّد العهد بأن نواصل الطريق، يدًا بيد، في خدمة الإنسان، وغرس القيم، وبناء مجتمع متماسك، راسخ في هويته، طامح دائمًا إلى الرقيِّ المنشود.
وسوم: العدد 1127