لو كان الحياء بشرا لرفع اليوم دعاوى كثيرة ضد المخلين به على منصات التواصل الاجتماعي

لمّا قُدِّر للعالم أن يصير قرية صغيرة بسبب التحول الهائل في أساليب التواصل الرقمية بين البشر ،ارتفعت بينهم الحجب عن طباعهم، وعاداتهم ، وتقاليدهم ، وقيمهم ما علا منها وما انحط ، وصاروا أكثر تعاطيا للمنحطة منها لما فيها من تهتك واستهتار بالحياء.

 ولقد انخرطت المجتمعات العربية والإسلامية خصوصا شبيبتها في هذا التعاطي بشكل مثير للقلق الشديد على قيمها السامية المستقاة من تعاليم دينها الحنيف،  والتي بدأت تتراجع بشكل ملحوظ  لفائدة قيم غربية غريبة ودخيلة  وذلك بفعل  عقدة الشعور بالدونية أمام المجتمعات غير المسلمة والتأثر بها  بحكم ريادتها في المجال العلمي والتكنولوجي مع الخلط بين التأثر والأخذ عنها  في هذا الأخير وبين التأثر و الأخذ عنها في مجال القيم علما بأنها مجتمعات علمانية تطرح الدين وقيمه جانبا في حياتها .

وإذا كان لا يعنينا موضوع الحياء عند الأمم العلمانية ، فإنه بالنسبة إلينا كمسلمين جزء من هويتنا الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل دين خلقا ، وخلق الإسلام الحياء " .

 ومما جاء على لسان كبير القضاة  أبو الحسن الماوردي رحمه الله  في كتابه " أدب الدنيا والدين" :

" واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه : أحدها حياؤه من الله تعالى ، والثاني حياؤه من الناس ، والثالث حياؤه من نفسه . فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره... وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح ... وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات " .

ولو كان الحياء بشرا لرفع اليوم دعاوى كثيرة ضد المخلين به على منصات التواصل الاجتماعي من بعض المحسوبين على الإسلام ، كما صارت الدعاوى ترفع  أمام العدالة حين تمس كرامة البشر بسوء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.  ولقد ندبت  في بلادنا شرطة خاصة لملاحقة ما أصبح يعرف بالجرائم  الإلكترونية ، لهذا يجب أن يكون بالضرورة منها جريمة الإخلال بالحياء ، والمجاهرة بالفحش ، وهو ما قبح من القول ، وبالتفحش ،وهو تكلف وتعمد الفحش . ولقد استفحل اليوم أمرهما معا عندنا في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك  في غياب الرقابة والمتابعة  القانونية . ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر فيديوهات تنشر لأحد المهرجين بإحدى المدن المغربية ، وهو شيخ كبير قد علاه الشيب يتصابى، ويتكسب بالخنا والتفحش لإضحاك من يرتادون مجلسه . ولا ندري هل تلك الفيديوهات التي تصور له تسوق دون علمه أم بعلمه ؟  ولا يقف أمر ما يسوق له من إخلال بالحياء على ما يصور في حلقته ،بل تسوق أيضا  فيديوهات تظهر فيها بعض النساء  بوجوه صفيقة في مشاهد وحركات  خليعة مخلة بالعفة وهن يتندرن بتفحش هذا الشيخ الذي لا يرعى لشيبه وقاره.

وإذا كانت المحاكم عندنا قد قضت بأحكام قاسية ، وغرامات ثقيلة بسبب تهم  التشهير ببعض الشخصيات في بلادنا ، فالأولى أن يعامل الحياء حين  يخدش أو يخل به على وسائل التواصل الاجتماعي معاملة هذه الشخصيات ،لأنه خلق الإسلام كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي يجب شرعا وقانونا أن يصان ، ولا يبتذل ، كما أن الإخلال به عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو إساءة  إلى كرامة  كل المواطنين .

ومما يؤسف له شديد الأسف أن تسود  في وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة تعاطي فيديوهات الفحش والتفحش ، فيتبادلها الناس فيما بينهم بغرض التندر بها دون وخز من ضمير أو وازع  من دين ،الشيء الذي يعتبر تطبيعا  مخزيا مع هذه الآفة المنافية لقيم ديننا الحنيف الذي يعد الحياء فيه شعبة من الإيمان . 

وسوم: العدد 1127