حين يعرف اللص أنه لصّ

عامر العظم

الإسرائيلي يعرف، في أعماقه، أنه لص.

قد يُجمّل السرقة بالأيديولوجيا، وقد يلبسها ثوب "الوعد الإلهي"، لكنه حين يسير في شوارع القدس أو يمرّ قرب حائط في يافا أو يلمس زيتونة في صفد، يعرف أن هذا المكان لا يُشبهه، لا ينتمي له، ولا ينتمي إليه. كل حجر في فلسطين يهمس في أذنهأنتَ غريب.

هو لا يستطيع نسيان الحكايات التي رواها له جدّه عن بولندا، أو التي سمعها من أبيه عن روسيا أو اليمن أو العراق أو فرنسا.

يحمل هذه البلاد معه حيث ذهب: في ثقافته، في عاداته، في طعامه، حتى في نبرة لغته. وعندما ينظر إلى زميله اليهودي الآخر، يدرك أنه لا يشترك معه إلا في الدين وربما في الأمن المؤقت. أحدهم من المغرب، والآخر من أوكرانيا، وثالث من إثيوبيا، وما يربطهم ليس أكثر من مشروع استيطاني يُغذّيه الخوف والقوة.

وعندما ينظر إلى الفلسطيني، لا يرى مجرد "خصم". يرى إنسانًا مؤمنًا بتاريخه، منغرسًا في تراب وطنه، مصممًا على استرجاع أرضه وحقوقه.

وفي لحظة صدق نادرة، يدرك الإسرائيلي أن هذا الفلسطيني هو صاحب الأرض الحقيقي، لكنه بدلاً من السعي إلى المصالحة أو الاعتراف، يزداد غطرسة، ويتمسك أكثر بخرافات توراتية وأساطير "حقوق تاريخية" لا يصمد معظمها أمام منطق أو وثيقة أو ذاكرة جماعية حية.

نعم، اليهود أسسوا دولتين في التاريخ القديم على أرض فلسطين، لكنهم اختفوا.

وقبلهم سكنت شعوب، وبعدهم جاءت شعوب.

فهل نعود إلى آلاف السنين لنبني شرعية تُلغي حقوق من سكن الأرض قبلنا وبعدنا؟

لو فعلنا ذلك، لانهار العالم كله.

هذا الصراع لا يُحل بالأساطير، ولا بالإنكار، ولا بالمذابح.

بل بالصدق مع الذات أولاً، وبالاعتراف بالآخر وحقّه ووجوده.

أما من يصرّ على نفي شعب بأكمله، فسيكتشف – ولو بعد حين – أن الأرض لا تقبل الغزاة، مهما طال مكوثهم، وأن التاريخ لا يُكتَب بالبندقية وحدها.

وسوم: العدد 1127