نتنياهو في «بيت شاول»

مهنّد ذويب

 

منذُ بداية الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ازداد في الخطاب السّياسيّ الإسرائيليّ توظيفُ النّصوص والقصص التوراتيّة، خاصّة في التّعاطي مع هذه الحرب ومُجرياتِها. وقد تعدّى هذا التّوظيفُ الاقتباسَ أو التّناصَّ (بمفهوم فيركلف) من النّص التّوراتيّ، إلى بناء الاستعارة وتكرارها بُغية تحقيق أهداف تتعدّى تحشيد الرأي العام الإسرائيليّ الذي ينحو إلى التّدين (التطرّف)، و«تحفيز» جنود جيش الاحتلال الإسرائيليّ في الحرب، إلى إحياء وإعادة ترميم وبناء السّرديّة الصهيونيّة في مجابهة موجةٍ من انكفاء المتلقين الغرب عنها في ظلّ إبادة لم تتوقّف من ستمئة يوم.

نلمح في خطابات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، تحديداً، استعارةً دائمة للحدث التوراتي القديم (بصفته مجالاً ميتاً) واستدعاءه إلى الحاضر. والاستعارةُ، حسب بول ريكور، تأتي من مجالٍ ميّت، فكانَ أنْ جرى التمثيل بـ«الأغيار»، وجيش الرّب، والحرب بين أبناء النّور وأبناء الظلام، ونبوءة إشعيا، والعماليق، وهامان مصر، وعربات جدعون و«الأسد الصاعد أخيراً»، وكان أن وُظّف كلّ مصطلحٍ وقصّته في سياقٍ تمثيليّ مناسب ضمن الخطاب السياسيّ.

في لقائه جنودَ جيشه، جيش الاحتلال، قُبيلَ دخول رفح الفلسطينيّة على الحدود مع مصر حرِص نتنياهو على تذكير جنوده بقصّة هامان مصر التوراتيّة، فقال: «نحن نُحيي اليوم ذكرى عيد المساخر؛ إذ ظهرت قبل أكثر من ألفي عام شخصية (هامان الظالمة) المعادية للساميّة، والتمس إزالة اليهود من على وجه الأرض، فنهض اليهود واتّحدوا وحاربوا وانتصروا».

وقال مخاطباً جنوده قريباً من حدود قطاع غزّة: «عليكم بتذكّر ما فعله العماليق بالإسرائيليين، نحن نتذكر، ونحن نقاتل»، وقصة العماليق قصّة شهيرة وردت في سفر التكوين بالتوراة. واقتَبِس: «الآن اضربوا العماليق، دمِّروا تماماً كلّ ما يملكون لا تفلتوهم، اقتلوا الرجال والنساء، الرُّضع والمرضعات، العجول والخراف، الجمال والحمير».

وبُغية تكاملٍ من نوعٍ ما بين الخطاب السّياسيّ وخطاباتٍ أخرى موازية، وبُغية تمتينِ سرديّة صهيونيّة لمتلقين في أنحاء العالم كلّه، تقومُ على مظلوميّة تاريخيّة وحقٍّ توراتيّ إلهيّ، بُثَّ أخيراً عمل درامي عبر منصّة «أمازون برايم فيديو» دون أن يَأخذ حيّزاً من الانتباه عربياً؛ رغم أنّ تصويره جرى إبّان إبادةٍ يقومُ بها نتنياهو متقمصاً «ربَّ الجنود» وحروبَه، ومستحلّاً دم الفلسطينيين، ومستطيباً حرقهم أحياء.

غيرَ أنّ هذه العمل؛ (House of David) أو «بيت داود»، الذي بدأ بثّه موسمه الأول في 27 شباط/فبراير 2025 وانتهى في الثالث من نيسان/إبريل الماضي، عبر حلقاته الثماني يأخذ بعداً أكثر عمقاً من نتنياهو نفسه، إذ هو في مشاهده المتقنة وانزياحاته الدراميّة عن النّص التّوراتي الأساسيّ الذي استَنَد إليه (سفر صموئيل الأول، من منتصف الإصحاح الخامس عشر إلى نهاية السابع عشر)، يعطي إيحاءاتٍ عميقة مرتبطة بالصّورة النمطيّة عن الفلسطينيين، واستحلالِ قتلهم وحرقهم، ودعم «الرّب» المطلق للإسرائيليين رغم أخطاء قادتهم.

«للرّب طرُقُه العجيبة»، يقول صموئيل، النبيُّ أو الرائي، وهو يَذهب لاختيار (مَسْح) الفتى «داود» الراعي التّلحميّ، الذي من سبط يهوذا، ملكاً لبني إسرائيل، بدلاً من «شاول» الذي من سبط بنيامين (وشعار السّبط الأسد!) بعدَ أن خالفَ أمر «الرّب» مباشرةً بعد هزيمة العماليق، إذ كانَ أمره ألّا يمسَّ غنائمهم وأن يتركها لرجسٍ فيها، وأن يقتل ملكهم «أجاج». غيرَ أنّه غنِمَ ما لديهم وأحضرَ «أجاجَ» إلى قصره يعذّبه، وشيّد نصباً تذكارياً يمجّد انتصاراته (شاول)، وبذلك نزلَ عليه غضبُ «الربّ» وسخطه، ونَزَل أمر استبداله.

تتدرّج أحداث الموسم الأول من المسلسل، عدا اللقطة الافتتاحيّة، حسب التدرّج التوراتيّ لسفر صموئيل، غير أنّ كاتب السيناريو وأحد مخرجيه ومنتجيه، جون إروين، انزاح قليلاً في مواضع وتوسّع في أخرى. بداية كلّ حلقة أكّد صنّاع العمل أنّه «قد لا تقدّم الأحداث الموضحة في هذه السّلسلة بدقة جميع الحقائق والشّخصيات التاريخيّة والتوراتيّة، لكنّنا بذلنا جهوداً لتصوير جوانب معيّنة من التاريخ على نحوٍ أصيل»، وأكدوا أيضاً، في الملف الصّحافي للمسلسل، أنّه «مصمّم لجمهورٍ واسع، وليسَ للأشخاص المتديِّنين فحسب».

«بيت أو منزل داود»، والسّياق يعطي معنى «عائلة» داود، مقابل «عائلة» شاول (وشاول هو طالوت حسب النّص القرآنيّ، مع اختلافٍ في التّفاصيل)، ولستُ هنا أقدّمُ نقداً سينمائياً للعمل وتصويره وإخراجه وأدوار ممثليه و«جنسياتهم»، بل إنّ ثمّة أفكارا أساسيّة جرت محاولة تمريرها، ترتبطُ تماماً بالسّرديّة الإسرائيليّة.

فإذا نظرنا إلى «عائلة» شاول، الملكُ المغضوب عليه، نجدُ تركيزاً كبيراً على دور زوجته «أخينوعم»، وشطط ابنه «إشبعال» وفسقه، رغم أنّه لم يُذكر في النّص التوراتيّ إلّا اسمها (50:14): «اسم امرأة شاول أخينوعم بنت أخيمعص، واسم رئيس جيشه أبينير بن نير عم شاول». لكنّ العمل أفرد مساحة دراميّة تخييليّة واسعة جداً لإظهار شغفها بالسلطة، وسيطرتها على «بيت» شاول، وعلى القرارات في مملكة إسرائيل آنذاك، وعن دورها أيضاً في ما سيجري من تنصيب ابن «شاول» الفاسق ملكاً بعد ما أصاب والده من «جنون»، وبعد ضعفه في المعركة التي يقتل فيها داودُ جالوتَ، وعن شتمها «للرّب» ودورها في الاستعانة بالمشعوذين. ولا عجبَ في ذلك؛ فالمسلسل عُرضَ متزامناً مع الوثائقيّ «ملفات بيبي»، وهو كأنّه يريدُ أن يقول إنّ فساداً أو شبه فسادٍ تطاول حاكماً أو ملكاً وعائلته، لا تعني أنّ «الرّب» سيتخلّى عن بني إسرائيل، بل إنّه يجهّز لهم فوراً ملكاً «يصنعه على يديه»، يجلبُ النّصر على «الفلستينيين» كما يسمّيهم (يُسمينا) المسلسل، وعلى العماليق أيضاً جرّاء ما اقترفوه بحقِّ الإسرائيليين وربِّهم، وهذا ليس إلّا رأياً انطباعياً، إذ قد يرى آخرون عكس ذلك.

يركّز العملُ على مشاهد الحرق، التي يقومُ بها العماليق المتحالفون مع الفلسطينيين، في استعارة طويلة لسرديّة المحرقة منذُ ما قبل «الهولوكوست»، وتبريراً لحاضرٍ يَحرقُ فيه اليهودُ، انتقاماً، الفلسطينيين، فبينما العالمُ يُشاهد الطفلة «ورد» تحاول النّجاة من الحريق والمجزرة، والطبيبةَ التي فقدت أبناءها التسعة وزوجها لاحقاً، يقولُ لهم العمل إنّنا حُرِقنا ذاتَ يوم مرّات عدّة، وأُبيدت حرقاً قرى لنا بأكملها، في استمرارٍ لسرديّة وبكائيّة المحرقة، كأن تطلب دولة الاحتلال غداة الرّد الإيرانيّ في اليوم التالي لـ«عدوانها» على طهران، موادَّ عاجلة لإطفاء الحرائق من ألمانيا. وليس لنا أن نسأل لماذا ألمانيا تحديداً. كما يزداد التركيز أيضاً، في العمل، على خلافات القبائل الفلسطينيّة وانقساماتها، مقابل وحدة الأسباط الإسرائيليّة رغم ما يشوبها من توتّرات، وذلك يُضافُ إلى أسماء القرى والمدن الفلسطينيّة التي تقدّم أنّها عبرانيّة.

أكتُبُ اليوم عن هذا العمل، لا لأقولَ كيفَ يُنشَأ التعاطف، وكيفَ يُبنى للكذب أيادٍ وأرجل، وكيف تُبرّر، في لا وعي المتلقين، الإبادة وملحقاتها واستطالاتها. ولا لأشرَحَ أيضاً، كيفَ تَكونُ الثقافةُ المُوجَّهة أداةً لهندسة الآراء والأفكار والتّصوّرات، ضمن مصطلحات عريضة منها الهيمنة الثقافيّة وغيرها. ولا لأُشيرَ إلى أنّ «1947 فيلماً وعنواناً تلفزيونياً أمريكياً تلقت الدعم المباشر من وزارة الدفاع الأمريكيّة حتى عام 2017» مثلاً. إنّما أكتبُ علّها تعمل بجدٍ أكبر عشرات المؤسّسات التي تضعُ ضمن تعريفها أنّها تعمل على «تعزيز السّرديّة الفلسطينيّة»، فالسّردياتُ في البلادِ العربيّة حول ما يجري برمّته تصيبُ بالغثيان، على الأقل.

منذُ بداية الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ازداد في الخطاب السّياسيّ الإسرائيليّ توظيفُ النّصوص والقصص التوراتيّة، خاصّة في التّعاطي مع هذه الحرب ومُجرياتِها. وقد تعدّى هذا التّوظيفُ الاقتباسَ أو التّناصَّ (بمفهوم فيركلف) من النّص التّوراتيّ، إلى بناء الاستعارة وتكرارها بُغية تحقيق أهداف تتعدّى تحشيد الرأي العام الإسرائيليّ الذي ينحو إلى التّدين (التطرّف)، و«تحفيز» جنود جيش الاحتلال الإسرائيليّ في الحرب، إلى إحياء وإعادة ترميم وبناء السّرديّة الصهيونيّة في مجابهة موجةٍ من انكفاء المتلقين الغرب عنها في ظلّ إبادة لم تتوقّف من ستمئة يوم.

نلمح في خطابات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، تحديداً، استعارةً دائمة للحدث التوراتي القديم (بصفته مجالاً ميتاً) واستدعاءه إلى الحاضر. والاستعارةُ، حسب بول ريكور، تأتي من مجالٍ ميّت، فكانَ أنْ جرى التمثيل بـ«الأغيار»، وجيش الرّب، والحرب بين أبناء النّور وأبناء الظلام، ونبوءة إشعيا، والعماليق، وهامان مصر، وعربات جدعون و«الأسد الصاعد أخيراً»، وكان أن وُظّف كلّ مصطلحٍ وقصّته في سياقٍ تمثيليّ مناسب ضمن الخطاب السياسيّ.

في لقائه جنودَ جيشه، جيش الاحتلال، قُبيلَ دخول رفح الفلسطينيّة على الحدود مع مصر حرِص نتنياهو على تذكير جنوده بقصّة هامان مصر التوراتيّة، فقال: «نحن نُحيي اليوم ذكرى عيد المساخر؛ إذ ظهرت قبل أكثر من ألفي عام شخصية (هامان الظالمة) المعادية للساميّة، والتمس إزالة اليهود من على وجه الأرض، فنهض اليهود واتّحدوا وحاربوا وانتصروا».

وقال مخاطباً جنوده قريباً من حدود قطاع غزّة: «عليكم بتذكّر ما فعله العماليق بالإسرائيليين، نحن نتذكر، ونحن نقاتل»، وقصة العماليق قصّة شهيرة وردت في سفر التكوين بالتوراة. واقتَبِس: «الآن اضربوا العماليق، دمِّروا تماماً كلّ ما يملكون لا تفلتوهم، اقتلوا الرجال والنساء، الرُّضع والمرضعات، العجول والخراف، الجمال والحمير».

وبُغية تكاملٍ من نوعٍ ما بين الخطاب السّياسيّ وخطاباتٍ أخرى موازية، وبُغية تمتينِ سرديّة صهيونيّة لمتلقين في أنحاء العالم كلّه، تقومُ على مظلوميّة تاريخيّة وحقٍّ توراتيّ إلهيّ، بُثَّ أخيراً عمل درامي عبر منصّة «أمازون برايم فيديو» دون أن يَأخذ حيّزاً من الانتباه عربياً؛ رغم أنّ تصويره جرى إبّان إبادةٍ يقومُ بها نتنياهو متقمصاً «ربَّ الجنود» وحروبَه، ومستحلّاً دم الفلسطينيين، ومستطيباً حرقهم أحياء.

غيرَ أنّ هذه العمل؛ (House of David) أو «بيت داود»، الذي بدأ بثّه موسمه الأول في 27 شباط/فبراير 2025 وانتهى في الثالث من نيسان/إبريل الماضي، عبر حلقاته الثماني يأخذ بعداً أكثر عمقاً من نتنياهو نفسه، إذ هو في مشاهده المتقنة وانزياحاته الدراميّة عن النّص التّوراتي الأساسيّ الذي استَنَد إليه (سفر صموئيل الأول، من منتصف الإصحاح الخامس عشر إلى نهاية السابع عشر)، يعطي إيحاءاتٍ عميقة مرتبطة بالصّورة النمطيّة عن الفلسطينيين، واستحلالِ قتلهم وحرقهم، ودعم «الرّب» المطلق للإسرائيليين رغم أخطاء قادتهم.

«للرّب طرُقُه العجيبة»، يقول صموئيل، النبيُّ أو الرائي، وهو يَذهب لاختيار (مَسْح) الفتى «داود» الراعي التّلحميّ، الذي من سبط يهوذا، ملكاً لبني إسرائيل، بدلاً من «شاول» الذي من سبط بنيامين (وشعار السّبط الأسد!) بعدَ أن خالفَ أمر «الرّب» مباشرةً بعد هزيمة العماليق، إذ كانَ أمره ألّا يمسَّ غنائمهم وأن يتركها لرجسٍ فيها، وأن يقتل ملكهم «أجاج». غيرَ أنّه غنِمَ ما لديهم وأحضرَ «أجاجَ» إلى قصره يعذّبه، وشيّد نصباً تذكارياً يمجّد انتصاراته (شاول)، وبذلك نزلَ عليه غضبُ «الربّ» وسخطه، ونَزَل أمر استبداله.

تتدرّج أحداث الموسم الأول من المسلسل، عدا اللقطة الافتتاحيّة، حسب التدرّج التوراتيّ لسفر صموئيل، غير أنّ كاتب السيناريو وأحد مخرجيه ومنتجيه، جون إروين، انزاح قليلاً في مواضع وتوسّع في أخرى. بداية كلّ حلقة أكّد صنّاع العمل أنّه «قد لا تقدّم الأحداث الموضحة في هذه السّلسلة بدقة جميع الحقائق والشّخصيات التاريخيّة والتوراتيّة، لكنّنا بذلنا جهوداً لتصوير جوانب معيّنة من التاريخ على نحوٍ أصيل»، وأكدوا أيضاً، في الملف الصّحافي للمسلسل، أنّه «مصمّم لجمهورٍ واسع، وليسَ للأشخاص المتديِّنين فحسب».

«بيت أو منزل داود»، والسّياق يعطي معنى «عائلة» داود، مقابل «عائلة» شاول (وشاول هو طالوت حسب النّص القرآنيّ، مع اختلافٍ في التّفاصيل)، ولستُ هنا أقدّمُ نقداً سينمائياً للعمل وتصويره وإخراجه وأدوار ممثليه و«جنسياتهم»، بل إنّ ثمّة أفكارا أساسيّة جرت محاولة تمريرها، ترتبطُ تماماً بالسّرديّة الإسرائيليّة.

فإذا نظرنا إلى «عائلة» شاول، الملكُ المغضوب عليه، نجدُ تركيزاً كبيراً على دور زوجته «أخينوعم»، وشطط ابنه «إشبعال» وفسقه، رغم أنّه لم يُذكر في النّص التوراتيّ إلّا اسمها (50:14): «اسم امرأة شاول أخينوعم بنت أخيمعص، واسم رئيس جيشه أبينير بن نير عم شاول». لكنّ العمل أفرد مساحة دراميّة تخييليّة واسعة جداً لإظهار شغفها بالسلطة، وسيطرتها على «بيت» شاول، وعلى القرارات في مملكة إسرائيل آنذاك، وعن دورها أيضاً في ما سيجري من تنصيب ابن «شاول» الفاسق ملكاً بعد ما أصاب والده من «جنون»، وبعد ضعفه في المعركة التي يقتل فيها داودُ جالوتَ، وعن شتمها «للرّب» ودورها في الاستعانة بالمشعوذين. ولا عجبَ في ذلك؛ فالمسلسل عُرضَ متزامناً مع الوثائقيّ «ملفات بيبي»، وهو كأنّه يريدُ أن يقول إنّ فساداً أو شبه فسادٍ تطاول حاكماً أو ملكاً وعائلته، لا تعني أنّ «الرّب» سيتخلّى عن بني إسرائيل، بل إنّه يجهّز لهم فوراً ملكاً «يصنعه على يديه»، يجلبُ النّصر على «الفلستينيين» كما يسمّيهم (يُسمينا) المسلسل، وعلى العماليق أيضاً جرّاء ما اقترفوه بحقِّ الإسرائيليين وربِّهم، وهذا ليس إلّا رأياً انطباعياً، إذ قد يرى آخرون عكس ذلك.

يركّز العملُ على مشاهد الحرق، التي يقومُ بها العماليق المتحالفون مع الفلسطينيين، في استعارة طويلة لسرديّة المحرقة منذُ ما قبل «الهولوكوست»، وتبريراً لحاضرٍ يَحرقُ فيه اليهودُ، انتقاماً، الفلسطينيين، فبينما العالمُ يُشاهد الطفلة «ورد» تحاول النّجاة من الحريق والمجزرة، والطبيبةَ التي فقدت أبناءها التسعة وزوجها لاحقاً، يقولُ لهم العمل إنّنا حُرِقنا ذاتَ يوم مرّات عدّة، وأُبيدت حرقاً قرى لنا بأكملها، في استمرارٍ لسرديّة وبكائيّة المحرقة، كأن تطلب دولة الاحتلال غداة الرّد الإيرانيّ في اليوم التالي لـ«عدوانها» على طهران، موادَّ عاجلة لإطفاء الحرائق من ألمانيا. وليس لنا أن نسأل لماذا ألمانيا تحديداً. كما يزداد التركيز أيضاً، في العمل، على خلافات القبائل الفلسطينيّة وانقساماتها، مقابل وحدة الأسباط الإسرائيليّة رغم ما يشوبها من توتّرات، وذلك يُضافُ إلى أسماء القرى والمدن الفلسطينيّة التي تقدّم أنّها عبرانيّة.

أكتُبُ اليوم عن هذا العمل، لا لأقولَ كيفَ يُنشَأ التعاطف، وكيفَ يُبنى للكذب أيادٍ وأرجل، وكيف تُبرّر، في لا وعي المتلقين، الإبادة وملحقاتها واستطالاتها. ولا لأشرَحَ أيضاً، كيفَ تَكونُ الثقافةُ المُوجَّهة أداةً لهندسة الآراء والأفكار والتّصوّرات، ضمن مصطلحات عريضة منها الهيمنة الثقافيّة وغيرها. ولا لأُشيرَ إلى أنّ «1947 فيلماً وعنواناً تلفزيونياً أمريكياً تلقت الدعم المباشر من وزارة الدفاع الأمريكيّة حتى عام 2017» مثلاً. إنّما أكتبُ علّها تعمل بجدٍ أكبر عشرات المؤسّسات التي تضعُ ضمن تعريفها أنّها تعمل على «تعزيز السّرديّة الفلسطينيّة»، فالسّردياتُ في البلادِ العربيّة حول ما يجري برمّته تصيبُ بالغثيان، على الأقل.

وسوم: العدد 1128