سوريا... صراع المصالح

ثامر سباعنة

ثامر سباعنة

سجن مجدو -  فلسطين

[email protected]

انتفض مارد الحرية في سوريا وكسر حاجز الخوف ، تمرد على كل قوانين الظلم والاستعباد وأعلن أن سوريا لازالت بخير ، ضحكت وفرحت القلوب قبل الوجوه ، عاد للشعب جزء من كرامته المستباحة –حتى وان كانت كرامه موشحه بالدم.

للأسف الطغاة لا يتعلمون الدرس ولا يستوعبوه ، ولا يعون أن الشعب عندما ينشد الحرية ، يصبح كالموج الهادر ، عندما يستعذب طعم الحرية ، لا يبالي على أي جنب سيقتل ، حينها يكسر قيود العبودية وينتفض ، ويعلو صوته ويصدح بها مجلجلا : ارحل ، ارحل ، ارحل

لكن لماذا طالت قضية سوريا كل هذه الفترة !! ماهي مصالح الدول الاخرى في سوريا ولماذا اصبحت سوريا ارضا لصراع المصالح لدول كبرى ودول اقليمية !!!

اولا ... روسيا و سوريا :

المصالح الروسية  ذات طبيعة سياسية إستراتيجية وعسكرية واقتصادية في جوهرها

أهم المصالح الروسية في سوريا، كما يذهب العديد من المراقبين، هي الاحتفاظ بقاعدتها العسكرية حيث تعد قاعدة طرطوس البحرية العسكرية آخر موقع بحري لأسطول روسيا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط. وتُعتبر قاعدة طرطوس مرفقا روسيا إستراتيجيا طويل الأمد. فبموجب اتفاقية بين البلدين عام 1971، يستضيف ميناء طرطوس قاعدة روسية للإمداد والصيانة من الفترة السوفياتية تم تشييدها أثناء فترة الحرب الباردة لدعم الأسطول السوفياتي بالبحر الأبيض المتوسط.

مرت ست سنوات فقط منذ أن اضطرت موسكو إلى شطب أكثر من عشرة مليارات دولار من ديونها على دمشق التي كلنت تبلغ 13.4 مليار دولار من الفترة السوفياتية السابقة.وذهبت سوريا خلال السنوات القلية الماضية إلى روسيا للحصول على أسلحة حديثة تشمل الكثير من نظم الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، والتي من شأنها تحسين قدراتها القتالية.

المصالح الاقتصادية حيث بلغت استثمارات روسيا في سوريا عام 2009 حوالي عشرين مليار دولار. وأهم المجالات الاقتصادية المدنية التي تخدم المصالح الروسية في سوريا مجال التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، حيث نجد شركتي تاتنفت وسويوزفتغاز الروسيتين تقومان حاليا باستخراج النفط في سوريا.

مجال الطاقة وتنخرط الشركات الروسية في تنفيذ مشروعات أخرى في مجال الطاقة بما في ذلك الخطط التي أعلنتها شركة روساتوم الروسية في 2010 لبناء أول مفاعل لإنتاج الطاقة النووية والخدمة المستمرة من شركة تخنوبرومكسبورت الروسية لمرافق إنتاج الطاقة التي أقامتها في سوريا.

دمشق تحتل المرتبة السابعة في ترتيب الدول التي تشتري أسلحة من روسيا 

استقرار الحدود الروسية  ، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن مبيعات بلاده من الأسلحة لسوريا تهدف إلى تعزيز الاستقرار والحفاظ على الأمن في المناطق القريبة من الحدود الروسية.

ثانيا : امريكا و سوريا :

قال المفكر الامريكي نعوم تشومسكي في حديث أجراه مؤخرا مع "سكاي نيوز ": "الاستخبارات الأميركية لا ترى أية مصالح في التدخل عسكريا بالأزمة السورية".

 وأضاف: "ليست هناك إشارات لتغير هذا الموقف بعد الانتخابات" الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها شهر نوفمبر المقبل. ووصف تشومسكي الوضع في سوريا بأنه "تسابق على الموت"، مستبعدا "تغير المشهد قريبا"، ومبينا أن "احتمالات وضع حد للقتل هناك منخفضة جدا".

 سياسة الولايات المتحدة لا تختلف كثيرا عن باقي الدول الإمبريالية كفرنسا وبريطانيا، فللولايات المتحدة مصلحتين رئيسيتين ..إحدى هاتين المصلحتين هي أنها تريد السيطرة على مصادر الطاقة..أما المصلحة الثانية فهي الحيلولة دون وجود الديمقراطية، إنه من الأهمية بمكان للولايات المتحدة وحلفائها الحيلولة دون قيام الديمقراطية في المنطقة.

 (النفط، والقمع) متوفرتين بقوة في ظل النظام القائم، لذلك فمن المستبعد جدا أن تقوم أمريكا بالدور الذي قامت به في ليبيا (في ظل الظروف الحالية)، بل ستظل تلعب على كافة الأحبال، لتضمن مكاسبها سواء مع الثوار أو مع نظام الأسد.

أمريكا لا تضمن ولاء النظام القادم وما يهم امريكا هو حماية المصالح الأمريكية، سيما ضمان الحماية التامة والكاملة لإسرائيل.

الخوف  الأكبر عند الإدارة الأمريكية هو صعود تيارات الإسلام السياسي، وإحكام قبضتها على سوريا، وهو خوف تشترك فيه أمريكا وإسرائيل وإيران وباقي دول الغرب بصفة عامة، لذلك فالجميع متفق على الحيلولة دون وصول هذه التيارات إلى حكم سوريا، ولو أبيد الشعب السوري عن بكرة أبيه

ثالثا : ايران و سوريا :

سعت إيران، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى تقوية تحالفها مع النظام في سورية، وإلى بناء شبكة معقدة مع العلاقات في المنطقة العربية، حيث تمكنت مع امتلاك أوراق كثيرة في دول المشرق العربي.

النظام الإيراني يستخدم  أي وسيلة كانت في سبيل تحقيق مصالح نخبته الحــاكمة ومصالح حلفائه في المنطقة، و يحاول ساسة إيران أن يقللوا من خسائرهم الناجمة عن إرهاصات الربيع العربي، وأن يشعلوا صراعات في بعض الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، بغية تحويل أنظار الداخل الإيراني إلى الأماكن التي يستهدفونها.

قد تدخل القيادة الإيرانية في مساومات مع القوى الدولية الفاعلة، ومع بعض أطراف المعارضة السورية، من منطلق وضع النظام الإيراني مصالحه فوق كل العلاقات مع العالم الخارجي، على رغم أن علاقاته وتحالفاته مع النظام السوري.

لا ننسى مصالح ايران المذهبية في المنطقة والعالم ، وهي تستغل كل الطرق والوسائل المتاحه من اجل خدمة مصالحها .

رابعا: تركيا و سوريا :

الحدود التركية السورية تبلغ   تركيا 822كم وهي بذلك من اطول الحدود ، وهذا يعني مسؤوليه اكبر سواء من حيث العمل على حماية هذه الحدود من الاعتداءات ، او استقبال الاعداد الكبيرة للاجئين السوريين الذين يقيمون الخيام الان على الاراضي السورية هربا من حرب القتل الدائرة في سوريا.

الرئيس التركي أردوغان من أكثر رؤساء الدول الذين منحوا القيادة السورية غطاءات سياسية مقابل الاستعجال بالإصلاحات السياسية ومنح الأسد وإرشاداته وخطوطه ومفاتيحه، وكانت القيادة السورية تعده بأنها تعمل على تحقيق ما يمكن من الإصلاحات، إن مخرجات القرار الرئاسي في الموضوع الإصلاحي لم تكن كافية ولم تستقرئ ما يجري بحكمة عالية ومستقبلية، ولم تلب الشروط، أو ما تم التفاهم عليه مع أنقرة، ولا الوعود التي قطعت، ولهذا كان غضب أردوغان واضحا؛ لأنه تمكن من تهدئة الموقف الأوروبي والأمريكي.

لم يتصرف أردوغان كموظف عند واشنطن ولا عميل لـ ''سي آي إيه'' كما يصوره كتبة التدخل السريع ومقاولو الفضائيات، تصرف بموجب إملاءات داخلية بعضها تحكمه قيم تركيا السياسية وبعضه قيم وأخلاقيات العدالة والتنمية، لكنها أخلاقيات تؤمن بأن السلطة المطلقة والأحزاب المطلقة ظاهرة انتهت في القاموس السياسي، وأن تزوير إرادة الشعوب ليس دليلا على الشعبية، وأن العمل الحقيقي رأسمال كاف للنجاح.

اشتداد الأزمة ودورة العنف والكشف عن مقابر جماعية، ومقتل الطفل الخطيب كان عاملا استثنائيا  وبلغ عدد النازحين 8500 شخص، وأنقرة رحبت باللاجئين النازحين وتعتبرهم ضيوفا على تركيا، وضيوف تركيا متوقع تضاعف أعدادهم وأنقرة تفكر أن هذا الأمر يستدعي التدخل وعمل ملاذ إنساني داخل الأراضي السورية، ودمشق لا يمكنها إغلاق الحدود مع أنقرة، لكنها تحاول منع النازحين بالقوة.

يهم اسطنبول ان تضمن جار حليف مناسب وقوي تستطيع معه ان تمضى في خطتها الاصلاحية السياسيه الاقتصادية الشامله التي بدأت بها الحكومه في تركيا ، فبقاء الحال هكذا في سوريا يقلق تركيا ويجعلها تسخر جل امكاناتها لانهاء التوتر والحرب الدائرة على حدودها.

خامسا : الدول العربية و سوريا

 تنقسم الدول العربية  في توجهاتها فدول تريد دعم الجيش الحر ودول تريد دعم المجلس العسكري ودول تريد القيادة المشتركة، ودول تريد دعم الجيش الوطني الحر... وكل فريق يهدد بوقف الدعم إذا تغير الولاء إلى جهة أخرى من جهات الجيش الحر بمسماه الشامل ، بل ان هنالك بعض الدول – الانظمة العربية – لازالت تدعم النظام السوري .

اكاد اجزم ان كل الانظمة العربية لا تريد للثورة السورية ان تنتصر ، ولذلك كل من يتوقع دعما بالسلاح النوعي للثورة فهو واهم واهم واهم، وما القليل من السلاح الذي يدخل إلى سوريا إلا ذراً للرماد في العيون وأداة من أدوات استقطاب الجيش الحر للسيطرة عليه والوصول به إلى نقطة الاستقطاب وقطع  الدعم والإمداد عند اللحظة التي يريدونها من أجل فرض الحلول التي يريدونها

الانظمة العربية رأت في الثورة السورية وحجم الرد الدموي للنظام السوري على هذه الثورة  رأت هذه الانظمه انها تستطيع ان تستغل هذه الصورة القاسيه لتنقلها لشعوبها كي تكون رساله واضحه لمصير أي ثورة مستقبليه في أي دولة عربية ، بالاضافه الى ان الانظمة العربية تسعى لابقاء النظام السوري او ايجاد نظام بديل مناسب حليف لهذه الانظمه لا ان يأتي نظام ثوري شعبي يرفض الاستمرار في البقاء ضمن منظومة التخاذل العربي .

سادسا : المعارضه السورية :

واضح لدى الجميع تفرق المعارضه السورية ، وعدم اتفاقها على منهج وطريق للتغيير ، بالاضافه الى بعد جزء كبير من قيادة المعارضه عن رغبات الشعب السوري وتطلعاته ، المعارضه السورية بالخارج تعصف بها الخلافات والمصالح الشخصية الغير مرتبطه بمصالح الشعب بل قد تتعارض معه ايضا ، مازال الوضع يراوح عند اللقاءات والاجتماعات الكثيرة التي يعقدها المعارضون في قاعات الفنادق في العواصم الإقليمية من دون أن يتوصلوا إلى اتفاق يوحد كلمتهم.

سوريا:

لوحة الحرية التي ترسم الآن في سوريا ترسم بالدم الطاهر القاني الذي ما سال إلا ليخط الطريق نحو الحرية الحقيقية ، لقد أيقين الشعب السوري أن ضريبة الذل أعلى وأقسى من ضريبة العزة ، فحرص على العزة ، وإن اشد ساعات الليل حلكه هي التي تكون قبل الفجر ، فقد لاح فجر حرية سوريا واقترب الفرج باذن الله.

أنت الآن يا شعب سوريا المظلوم حر ، بطل وشجاع وأنت تصمد أمام ألة البطش والقتل ، حر وأنت ترفض أن تعود إلى حظيرة الذل والاستعباد، حر وأنت ترفع صوتك عاليا بأن لا للظلم ولا للاستعباد.

 الثورة السورية لا زالت مستمرة واظن انها ستطول اكثر وأكثر لان مصالح دول العالم لا تجد الخير في انتصار الثورة ونهايتها ، انما تجد ان استنزاف الشعب السوري والنظام السوري هو المطلوب الان .