وللعيد ذكرياته

عقاب يحيى

وللعيد ذكرياته

عقاب يحيى

الناس اختلاف في الطبائع.. بعضهم قادر على صناعة الفرح ولو من أمور صغيرة، وقادر على الفصل بين الحزب والفرح، يعيشهما بنوع من استقلالية.. وبعضهم من النوع الآخر الذي يظلله الحزن. فلا يعرف الفرح الحقيقي طريقه إليه إلا مجاملة.. أو على الماشي ..

ـ في طفولتي كنت استغرب لماذا تتجمّع نسوة الحي كل يوم عند دكتن / عمي أبو رزق

/ الذي يملك مذياعاً وحيداً في الحي.. كي يستمعوا لأغاني حضيري أبو عزيز ثم ينهالوا بكاء ونحيباً.. كأن في داخلهم خزين حزن لا ينتهي.. ويحتاج التنفيس.. ذلك بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية، وحتى علاقاتهم بأزواجهم..

ـ حين كرنا فلسفنا الأمر على ىأنه نتاج الهزائم المتراكمة، فالاستبداد المكين، فالهرس المنهج للأماني والأحلام، فالتخلف المعلب في اقانيم النظم.. وتأثرنا به بالتأكيد.. قبل الغربة ومفاعيلها.. وكاننا ننتظر غودو الفرح القادم كالأسطورة، أو كالأحلام المضببة بغيوم الأمل في سماء العرب المكفهرة طويلاً دون غيث ..

****

وكانت الغربة .. والغربة بُعاد . والغربة اشتلاع . والغربة مرار. وأسوأها غربة الذات في الذات، أو غربة الذات مع الأقربين.. لذلك كان العيد لا يقترب إلا موارباً، نحن نهرب منه.. وليلته نحسّ بعصة في القلب، واختناق التنفس.. حين يمتد شريط الذكريات فيحضر الأحبة .. الأهل. الأصدقاء . الرفاق.. الوطن.. الأحلام والآمال ومصيرها.. وكثير من طفولة لم تكن قد دخلت فرن الاحتراق، ولا صهاريج التعليب والاختناق..

****

الثورة أعادتنا إلى الحياة . زرعت الأمل حتى لليائسين . حقنت عروقنا بالدم الحار. أنعشت العقول ووضعتها أمام تحدي مصيري : إما أن تجاري الشباب والواقع وتتطور.. او فلتنزوي في كهوف الاسترجاع . شبشبنا.. وحاولنا الالتحاق بالثورة، والانخراط فيها.. صرخ الفرح المكبوت بقوة الاحتقان الطويل، وخرجت كثير أصوات الأهازيج والصراخ والدق على الطبول المنفوخة، والطبول الفارغة، والطبول التي أعدّت على عجل.. وبتنا في هرج ومرج نتسابق على حلقات الدبكة قبل قيام العرس، فعشنا هيصة لأشهر.. ثم تبيّن للكثر.. أن العيد بعيد، وطويل، وأضحياته كبيرات.. وأن أعيادنا المتتالية تخضبّت بدماء الشباب وصفحات التاريخ وأوابده وعمرانه.. وشرايين الحياة فيه.. وأن قاتلاً من نوع إجرامي يحمل أحقاب الحقد المغلف بالبيارق والمنافقين.. لن يسمح لشعبنا أن يعيّد بسهولة.. وهو يحاول افتراس الحياة ما امكنه ذلك سبيلاً ....

ويروح عيد.. ويجيء عيد.. وشعبنا في مأتم مقيم.. لكن الأمل بالنصر يحمله الوعد والتصميم من شباب مؤمن عاهد النفس والوطن أن لا يتوقف حتى اشتلاع الوباء..

ـ العيد حزين.. لكن اضحياته تصنع ميلاده ..

ـ للأهل والأحبة.. للوطن الحر القادم : كل عام وأنتم خير