أمورٌ ينبغي على الثوار تجنُّبها
محمد عبد الرازق
ما بين الحين، و الآخر تُظهر الفيديوهات التي تُبثُّ على مواقع الثورة السورية بعضًا من الأمور التي نرى أن تتجنبها عناصر الحراك الثوري في الميدان، ولاسيما في الجانب العسكري؛ لما يلقى ذلك من المتابعة من لدن المعنيين بأمر الثورة و منجزاتها الميدانية. سواء من الأفراد، أو المؤسسات، أو الدول ( المتعاطفة معها، أو المنحازة للنظام ).
نقول هذا الكلام و نحن ندرك أنَّنا أمام إرث كبير من تبعات هذا النظام، و قد تمَّ العمل على تنشئة الأجيال على سلوكيات ذميمة على مدى خمسين عامًا، و قد حُمِّلَتْ الثورة أوزارها بفعل الانشقاقات الحاصلة عن جسمه، و الملتحقة بهذه الثورة.
نحن نعلم أنَّ هذه الأمور يغلب عليها الطابع الفردي؛ غير أنها محسوبة على الثورة بحكم الأمر الواقع، و نتائجها السلبية تعمّ الجميع، و هي تطالهم ما دام مرتكبوها مسكوتًا عنهم من قبل الغيارى على صفاء هذه الثورة؛ ممَّا يُشينُها، و يُسيء إليها. و من هذه المظاهر ما يأتي:
1ـ إهانة جُثَث القتلى من جنود النظام، سواء بالألفاظ النابية، أو بالدوس عليها، و ركلها بالأرجل؛ فالإنسان مُكرَّم من قبل خالقه ( و لقد كرَّمنا بني آدم )، و هو بموته قد خرجت من جسده نفسُه الأمَّارة بالسوء، و بقي الجسد البالي الذي لا يملك أصلاً الفعل ـ مُحسنًا، أو مسيئًاـ ؛ و بالتالي لا يليق بالإنسان أن ينتقم منه، أو أن يُهينه، أو أن يجعلَه مكانًا للتشفّي. و إذا ما كان جنود النظام يقدمون على مثل ذلك في ضحايا الثورة فإنَّ هذا مثار شجب، و استهجان من لدن أسوياء الناس، و عقلائهم. و على الثوار أن يترفعوا عن مثل التصرفات، و يدينوها قولاً، و فعلاً، و ممارسة، و سلوكًا.
2ـ التلفظ بفاحش القول، و بذيئه ممّا قد شاع في بعض مستويات المجتمع، و هو أمر لاحظناه، و كثيرًا ما كُنَّا ننكره على أصحابه في المناسبات التي كُنَّا ندعى إليها. من ذلك سبّ الأمّ، و الأخت، و بقية المحارم؛ ناهيك عن سبّ الربَ، و الذات الإلهية. فذلك خُلُق ذميمٌ لا يليق بأصحاب الأخلاق الحميدة، فضلاً على المسلم. و الله ينهانا عن الفحشاء و المنكر، و كذا رسوله ( صلى الله عليه وسلم ).
3ـ الطعنُ، و اللعنُ، و هو أمر قد فشى، و شاع بين كثير من أوساط المجتمع قبل الثورة، و على القائمين على أمر التوجيه، و الإرشاد الديني أن ينبهوا الناس على تركه، و تجنبه؛ فالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) نهى من لعنَ دابته عن فعل ذلك؛ فكيف بمن يلعن أخاه، لا بل حتى الدِّينَ و الربّ. و ليس مستساغًا ما يقوم به البعض من تحريفٍ للفظ ( الدِّين ) إلى ( الدِّيخ ) حتى يخرج من الحرج و الإثم، و كذا من يحرِّف لفظ ( يِلْعَن ) إلى لفظ ( يِنعَم )؛ فذلك تحايلٌ و تذاكي، و ليس إقلاعٌ عن أمر لا يجوز شرعًا، و خُلُقًا.
4ـ حبُّ النفس، و إيثارها على الآخرين؛ و لاسيَّما حينما يكون الناس في ضائقة مالية، أو لوجستية. و ليس هناك أشدّ من فاقة المقاتلين، الذين لا يجدون من يمدهم بالسلاح و الذخائر من الخارج، و لا يجدون ما يكفيهم من المغانم بعد اِنجلاء غبار المعارك. إنَّ ما يؤلم أن تنهال المساعدات على مناطق بعينها من دون الأخرى، و أن تنعُمَ بعض المناطق بأنواع من السلاح كمضادات الطائرات ( السلاح الفعال الآن )، و تترك مناطق أخرى تعاني الويلات من طائرات النظام، و يكفي لردعها بعضٌ من هذه المضادات التي لوحظ أنها متوفرة لدى بعض الكتائب؛ حتى باتت تستعملها في ضرب الحواجز، و هو أمرٌ يُغني عنه من الأسلحة الأخرى المتوفرة لدى الكتائب بشكل عام.
5ـ قيام بعض الكتائب بالتغطية الإعلامية لمشاركاتها في المعارك إلى جانب كتائب أخرى؛ بما يوحي أنها هي صاحبة الفضل في التصدّي لقوات النظام من دون الآخرين. و قد لوحظ هذا الأمر بشكل لافت للنظر عند هذه الكتائب حتى أصبح في بعض الأحيان يطغى على الجانب القتالي لها.
6ـ المسارعة في الحصول على الغنائم؛ ممَّا جعل قسمًا من الثوار ينصرف إلى ذلك قبل حسم المعركة. لقد حدث في إحدى هذه المعارك أن حدث شيء من ذلك في وقت كان الطيران يحوم فوق الرؤوس، و يوقع عددًا من الإصابات في كتيبة أخرى قدمت لمؤازرة كتيبة هؤلاء المقاتلين أنفسهم. و لقد حدثني أحد القادة عن قيام بعض الثوار في أخذ سلاح زملاء لهم من كتيبة أخرى سقطوا صرعى في تلك المعركة.
7ـ رفع شعارات لا تنمّ عن الوحدة الوطنية التي تنادي بها هذه الثورة؛ لقد لوحظ في الآونة الأخيرة غياب أعلام الثورة في عدد من مناطق ريف إدلب الشمالي، و رُفِع عوضًا عنها رايات بيضاء، و سوداء يعرف الناسُ الجهات التي تنتمي إليها. و عندما سُئل قادة الحراك الثوري عنها؛ أجابوا بأن اليأس قد طال نفوسهم من كثرة الوعود، و لم يبق أمامهم إلاَّ أن يرفعوا هذه الرايات حتى يعلم أصدقاء هذه الثورة أنّ الشعب السوري يودّ التخلص من هذا النظام، حتى و لو اقتضى الأمر أن يطلبوا العون من أصحاب هذه الرايات؛ على الرغم من التداعيات المحتملة التي قد تحصل من جراء ذلك سياسيًّا، و دوليًّا. فالمضطر يباح له أن يتخفف في التكاليف الشرعية؛ فما بالك في شأن سياسي، أو دنيوي.
8ـ توجيه اللكمات، و الضرب للأسرى من جنود النظام؛ و القيام بعمليات الإعدام لهم على غرار ما حصل لشبيحة ( بيت بري في حلب )، و هذا أمر لا يجوز شرعًا، أو عُرفًا. هذا و إنَّ منظمات حقوق الإنسان للتغاضى عن فِعال النظام المنتهكة لكل القوانين، و الشرائع، و تسلّط الضوء على هنات من ذلك تقع من قلة الثوار؛ فتساوي بين الضحية و الجلاَّد، و تجعلهما في انتهاك حقوق الإنسان سواء.
إنّ الثورة لمدعوة إلى إيصاد الباب بوجه هذه الذرائع، و التعامل مع هؤلاء الأسرى وفق الشرع، و القانون، و ليس وفق هوى النفس، و دواعي الانتقام.
نحن نعلم أنَّ ذلك لا يعدو أن يكون تصرفًا فردية، و قد نجد من يلتمس لفاعله العذرَ، و لكن حسب الثورة، و الثوار أنهم أصحاب مشروع دولة ستقوم على الحق، و العدالة، و حفظ النفس و الحقوق؛ فلا يجرمنَّهم شنآنُ النظام ألاَّ يَعدِلُوا؛ فَلْيَعدِلُوا، هو أقربُ للتقوى.