بين معتصم الترك ومعتصم المسلمين ..!
بين معتصم الترك ومعتصم المسلمين ..!
أحمد الهواس*
على مقربة من المكان الذي سقطت فيه قذيفة النظام السوري لتقتل أسرة تركية من خمسة أشخاص , اعتدى الروم البيزنطينيون يوما على امرأة مسلمة فصرخت وا معتصماه ...
لم يكن خليفة المسلمين (المعتصم) قد صرح من قبل هذه الحادثة أنه لن يسمح لبني الأصفر أن يعتدوا على المسلمين , أو يرهبوا ثغرا من ثغور الدول الإسلامية ... لكي تستصرخ هذه المرأة همة المعتصم , بل كان ثمة شعور في داخلها أن معتصم المسلمين لا يرضى ذلك على عرضه , فكل أعراض المسلمين هي عرضه .
لم يخرج المعتصم ليدير مؤتمرات صحفية , يثبت من خلالها المقدرة الكلامية بأنه خطيب مفوه , وأنه خليفة المسلمين , ولم يرسل قبل ذلك الاعتداء وزير خارجيته لأرض الروم ليثبت أن استراتيجية (صفر مشكلات ) هي الأنجع مع دول الجوار الإسلامي ...
بل سارع إلى مستشاريه , واستعان حتى بالمنجمين , وأصر الجميع على أن أي تحرك ضد الروم سيكون مصيره الفشل ...
لكنه قاد الجيش بنفسه ولم تكن العوامل الجوية كما قال بعضهم معيقة له , أو أن حركة الأبراج ليست في سعده ... بل هزم الروم وشتت شملهم وأعاد هيبة الإنسان العربي المسلم على جميع المتربصين حتى هزّ هذا الحادث الشاعر العربي أبا تمام (ابن درعا وحوران ومدينة جاسم ) فقال مؤرخا لذلك :
السيف أصدق إنباء من الكتب = في حده الحدّ بين الجد واللعب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به = نظم من الشعر أو نثر من الخطب
اليوم اردوغان يرد على مصدر القذيفة , ويأخذ موافقة البرلمان بتفويض الحكومة بشن عمليات عسكرية خارج الدولة , ولعل كثيرين استبشروا خيرا أن تركيا بدأت تتحرك بعد أن وصل عدد الشهداء في سورية لأكثر من ثلاثين ألف شهيد ..! لكن الحقيقة المرة أن ما قام به اردوغان قد صرف النظر عن امتناع تركيا بالسماح لسفينة ليبية راسية في ميناء اسكندرون من تفريغ حمولتها وهي تحمل سلاحا نوعيا للثوار , يستطيع من خلاله الجيش الحر فرض منطقة آمنة وينهي دور طيران النظام في قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة ..!
لقد ادعى السيد اردوغان مع بداية الثورة السورية أنه لن يسمح بتكرار مجزرة حماة , وقدّم نصائح لرأس النظام في دمشق , وقد صدق الشعب السوري أن ثمة معتصما سيحقن دماءهم فاستمروا في حراكهم السلمي , ورفعوا أعلام تركيا وصور اردوغان .. وقد حقق اردوغان حلم حزبه وفاز بثقة الناخب التركي ..
بعد مضي عشرين شهرا على ثورة الكرامة في سورية مل ّ الشعب السوري من تصريحات اردوغان وفقد الثقة بكلامه وعاد الشعب السوري إلى ترديد مثل عربي شهير (من كثر كلامه قل فعله ).
ربما يقول قائل : إن تركيا فتحت أراضيها أمام اللاجئين السوريين , ونقول نعم هذا حصل , والمعارضة السورية أقامت مؤتمراتها في تركيا ونقول :غير صحيح وليس فضلا من اردوغان فهذا الأمر كفله القانون التركي بوجود اردوغان أو سواه ..
وموقف تركيا هو متقدم على بقية مواقف الجوار , نعم ولكنه بالقياس فقط أفضل .
والسيد اردوغان يعلم أن تهديدا واحدا من قبل الجيش التركي كان كفيلا بجعل رأس النظام يخضع , كما خضع أبوه من قبل أيام أزمة أوجلان وحينها لم تكن تركيا تحت حكم حزب إسلامي , وربما هناك من يقول :إن تركيبة تركية الديمغرافية الهشة ربما كانت سببا في إحجام اردوغان ..؟ ولعل اردوغان يعلم أن أستاذه نجم الدين اربكان – رحمه الله- اجتاح قبرص وكان حينها شريكا بالحكم مع خصومه... فقط لأن القبارصة الأتراك شعروا بخطر من القبارصة اليونانيين , ولم يحسب حسابا لأحد وهو يدخل الجزيرة الأوربية , وعلى حدوده خصم عنيد اليونان ..!
وشمال العراق منذ ثلاثين سنة تستبيحه القوات التركية لمطاردة حزب العمال الكردستاني , فمن أين جاء للسيد اردوغان هذا الوهن ..؟
حقيقة الأمر أن حكومة اردوغان هي (حكومة البزنس ) فكل شيء محسوب بما سيدر على تركيا من أرباح وهي تسابق الزمن لتقفز اقتصاديا للمركز العاشر عالميا , وقد سبق لها أن وقعت مع بشار الأسد خمسين اتفاقية اقتصادية شبهت في حينها باتفاق الفيل والنملة قياسا بالاقتصادين التركي المتنامي , والسوري المتهاوي .
كان بإمكان السيد اردوغان أن يسمح بتسليح الجيش الحر , وأن يطالب بتطبيق بنود اتفاقية أضنة وعندها لن تصل قوات النظام إلى حدوده , وتكون أرضا محمية لآلاف اللاجئين , ولكنه تغاضى عن ذلك , واستمر السيد اردوغان يبيعنا شعارات ويخدر عقولنا , فلم نعرف كيف ُسلم المقدم هرموش , ولم ندر لماذا صمت على إسقاط الطائرة التركية , ولماذا أغلق الحدود مؤخرا بوجه اللاجئين ..؟
إن السيد اردوغان ومستشاريه من الاقتصاديين يعلمون أن نهاية الصناعة في حلب تصب في مصلحتهم , وبعد سقوط النظام تكون سورية سوقا لكل منتجاتهم بعد أن تغيب الصناعة السورية العريقة , وأن بناء سورية بعد التحرير سيكون لشركات البناء التركية نصيب الأسد وهو يدرك أن ثمة مؤتمرا سيعقد للمتبرعين لإعادة الإعمار في سورية .
لم يكن الشعب السوري مراهنا على السيد اردوغان , بقدر ما فرض اردوغان نفسه حاميا للثورة السورية , فالشعب السوري يدرك أن العراق تحت حكم الروافض , ولبنان يسيطر عليه حزب اللات , والأردن ليس لديه رغبة بنجاح الثورة السورية حتى لا تمتد إلى أراضيه , ولكن السيد اردوغان الذي خيل إلينا أنه مجدد السلطنة العثمانية , سيكون قولا وفعلا في حماية الثورة السورية , ولكننا لم ننتبه إلى التاريخ حين تجرأ الأتراك على نقل الخلافة من البيت العربي القرشي إلى البيت العثماني , وهي سابقة في تاريخ الخلافة , فقد استندوا إلى المذهب الحنفي في ذلك وعدوه مذهب الدولة الرسمي , ورغم غرقنا في ظلمات من الجهل لأربعة قرون إلا أننا كنا وما زلنا ضد الوقوف مع أعداء العقيدة في تمزيق دولة الإسلام , رغم علمنا أن حزب الاتحاد والترقي أهان العرب , وفرض التتريك , بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني الذي فضل عمل المبضع في جسده على بيع فلسطين للصهاينة .
لم تحرك جحافل الروافض وهي تتجمع في الشام – التي يطلق عليها الأتراك شام شريف - قادمة من إيران والعراق وحزب اللات لتمعن قتلا وحرقا واغتصابا بأهل الشام , غيرة اردوغان ولم تذكره بغدر الصفويين عندما تحالفوا مع الأوربيين والجيش العثماني على أبواب فيينا وطعنوا جيش الفتح من الخلف ...
هنيئا للأتراك بأردوغان فهو معتصم الترك , ونحن لنا في أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية والعباس ألف ألف معتصم على أرض المعركة .
*كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة