إعزاز (المحررة)
إعزاز (المحررة)
صورة معبرة لخططهم لسوريا ما بعد الأسد
تستعيد اعزاز "المحررة" في شمال سوريا حياتها الطبيعية في الايام التي يغيب فيها الطيران التابع للقوات النظامية عن سماء مدينة تحولت غالبية معالمها دمارا، لكنها اكتسبت لقبا تتغنى به هو "مقبرة الدبابات".
يلفت المنظر الداخلين الجدد الى المدينة: المسجد ذو المئذنتين الذي كان موجودا تحول كتلة من الحجارة تظهر منها ثلاث دبابات محترقة ومدمرة. في مكان أبعد يبدو واضحا ان القصف والاشتباكات حولت المنازل والمباني العامة ركاما.
يسير الاولاد حاملين دفاترهم على الدرب المتعرج المحاط بحطام السيارات والمؤدي الى المدرسة، بينما يفتح عدد من التجار محالهم. نسوة يبتعن الحاجيات، وأخريات يذهبن الى الحقول. كل يهتم بشؤونه من دون الالتفات الى الكميات الكبيرة من الردم التي ترسم معالم الشوارع وتذكر بان المنازل كانت قائمة على جنباتها.
اكتسبت المدينة التي باتت تحت سيطرة المقاتلين المعارضين، لقبها يوم تمكن هؤلاء من تدمير 17 دبابة تابعة للقوات النظامية منتصف تموز/يوليو الماضي. وقام المقاتلون الفخورين بانجازهم، بتعليق صور كبيرة لكل من هذه الدبابات على الجدار الخارجي لمديرية الشرطة المحلية.
وكان الجيش النظامي قد استقدم تعزيزات كبيرة في محاولة لابقاء سيطرته على هذه المدينة الزراعية التي تقطنها حاليا نحو 25 ألف نسمة. وفي الاوقات الاكثر حدة من المعركة، يذكر نجم الدين وهو احد اوائل المقاتلين المعارضين في المدينة، ان السكان رأوا نحو 60 دبابة و20 باصا كبيرا لنقل الجنود النظاميين.
ويشرح نجم الدين ان "الاستراتيجية قامت على تدمير كامل للمباني التي نطرد منها الجنود لئلا يتمكنوا من العودة والاستقرار فيها".
وعلى الارض، لم يتبق من المدارس والمباني الامنية التي كانت تستخدم كقواعد للجنود النظاميين، سوى اطنان من الانقاض. كما ان ركام بعض المباني يبدو مسطحا، وكأنها سقطت ككتلة واحدة من السقف الى القعر.
وقام المقاتلون المعارضون بتفخيخ مئذنتي المسجد المبنيتين من حجارة باللونين البيج والزهري، بعدما اتخذ قناة من القوات النظامية مواقع فيهما. وعلى احد جدران المسجد التي ما زالت قائمة، لافتة كبيرة كتبت فيها اسماء الضحايا الذين سقطوا برصاص هؤلاء القناصة.
وسط الانقاض، يمر رجل يرتدي عباءة بيضاء، وعيناه الزرقاوان يملؤهما الغضب. يقول محمد ابو احمد (46 عاما) "اذا عرضوا علي غدا ان اصبح رئيسا لسوريا، سأرفض. لم تعد ثمة مدارس او مستشفيات. عادت البلاد الى الوراء".
يضيف "مر شهر ونصف شهر وانا اعيش بلا كهرباء مع زوجتي واولادي الستة في غرفة واحدة. لم يعد لدي اقارب، ماتوا جميعا،واليوم كنت وحدي اقوم بتنظيف الطريق بيدي"، رافعا اصابعه المشققة والمغطاة بالحصى والغبار.
غير بعيد من مكان وقوفنا، ينظر المارة بارتباك الى قناة ماء تصب ببطىء على عمق نحو متر عن الطريق. تعرضت المنطقة حديثا لغارة جوية تسببت بحفرة عميقة في الاسفلت الى حد ان نصف المدينة باتت محرومة من المياه.
ولم يسلم من الضرر المستشفى الذي بقي مشروعا غير منجز لنحو 20 عاما، ودشن قبل اعوام قليلة فقط.
من على سطح المستشفى، يمكننا بالمنظار رؤية المطار العسكري الذي لا يبعد سوى كيلومترات قليلة. في الوقت الراهن، كل الطائرات الحربية والمروحيات جاثمة على ارضه. يمكن الحياة ان تستمر في اعزاز، الى ان يحين موعد الغارة الجوية المقبلة.