إيـران والحل؟

عمرو السراج

إيـران والحل؟

عمرو السراج

عام و نصف على اندلاع الثورة في سوريا .. التي شهدت مقتل أكثر من ثلاثين ألف سوري .. و اعتقال الآلاف الذين لا يعلم  كم عددهم الحقيقي و ما مصيرهم و ما ذنبهم .. آلاف الجرحى بمختلف الإصابات الخطيرة و المتوسطة .. أشكال حديثة ًأبدا للموت و التمثيل بالجثث وصلت لحد الحرق الكامل و الإذابة و اقتلاع الرؤوس و تفجيرها .. و قد طال هذا اللون من القتل الأطفال و النساء و الشيوخ كما طال الشباب .. دون أي إنسانية .. عداك عن مئات الآلاف من المهجرين سواء داخل أو خارج سورية ..

تتعامل فئات من السوريين مع هذه الوضع و تبحث عن حل لهذه الأزمة  ..كل حسب أجنادته و بطريقته الخاصة  ..كالنظام و ً  أتباعه  أو هيئة التنسيق أو المجلس الوطني أو بعض المفكرين السوريين أو غير السوريين و دول في الشرق و أخرى ، مثلا ً  في الغرب  ..و يبدو أن أحدا في هذا العالم لم يجد الوصفة السحرية بعد  ..عداك عن آخرين   هم لا يرغبون بإيجاد هذا ّ يبدو أن الحل بسرعة ..

على كل فإن الباحث الموضوعي عن حل حقيقي عليه أن يشخص الوضع بدقة كي لا يغرق بعالم من الخيالات .. و كي لا يذهب به عقله إلى حلول غير واقعية ضررها أكبر من نفعها ..

التشخيص يختلف من شخص لآخر .. غير أن الذي يجمع عليه كل السوريين عدا أتباع النظام إضافة إلى الكتلة الأكبر من   أو ما تحول فيما بعد إلى عسكري .. هو إسقاط ً المجتمع الدولي .. أن الهدف الأساسي من الحراك الشعبي سواء كان سلميا النظام السوري و على رأسه بشار الأسد .. 

لنبدأ من هنا .. كيف يمكن إسقاط النظام ؟ النظام السوري الذي أنهك خلال الثمانية عشر شهراً الماضية وقتل من جنوده ما قتل و دمّرت له من الآليات ما دمّر و انشق عنه من انشق .. و مع هذا لا يزال فيه من الروح ما يمكنه من قتل المئات و تدمير عشرات المنازل و تهجير آلاف الأسر يومياً ..   

المطلوب هو إزهاق هذه الروح .. ثبت مؤخراً أن هذه الروح يتم إنعاشها بشكل مستمر من قبل دول مثل روسيا و إيران والعراق وحزب الله .. و هنا نتحدث عن دعم حقيقي سواء بالسلاح أو المقاتلين أو المستشارين العسكريين .. عداك عن أسباب أخرى تزيد من قوته لكنها أقل تأثيراً من الدعم الخارجي ..

يمتلك النظام نقاط ضعف كثيرة .. أهمها أنه يحارب مدناً وقرى بأسرها .. كما أنه لم يعد يملك أي أفق سياسي ممكن .. و بقاؤه مرهون بعدم قدرة الثورة على إسقاطه حتى الآن ليس إلا .. فهو يفقد السيطرة على الأرض في معظم المحافظات .. و بدأ يفقد المعابر الحدودية .. و لم يعد يسيطر إلا على العاصمة و بعض المدن إضافة لمعركة الجو ..

كيف يسقط النظام إذن؟ هناك سيناريوهان مطروحان لإسقاط النظام .. الأول و هو ما يطالب به المجلس الوطني و القيادات العسكرية على الأرض .. و هو يكمن في مزيد من الدعم العسكري كماً ونوعاً .. إضافة إلى إقامة ممرات آمنة و مناطق عازلة على مساحات شمال سورية .. بحيث تضمن إمكانية الإنشقاق لكم هائل من الجنود و الضباط الذين يعتقد أن ما يمنعهم من الإنشقاق عن النظام و جيشه هو عدم وجود ملاذ آمن ..

هذا الحظر الجوي لا يوجد قناعة دولية حتى اليوم بإقامته .. رغم إصرار المعارضة و الحكومة التركية عليه .. و هذا يعني أنه لن يحدث الآن .. و سيكتفي المجتمع الدولي المؤيد لإسقاط النظام بدعم لوجستي بسيط يكفي لصمود المعارضة و ربما يساعدها على التقدم قليلاً كما هو حاصل اليوم ..

لا يريد المعارضون السوريون الاقتناع بأن الدافع عند المجتمع الدولي و على رأسه الولايات المتحدة لا يكمن بحجم القتل و الدمار في سوريا في الأساس .. و إنما هناك اعتبارات أخرى أهم .. منها أن العالم ليس مستعدا لحرب عالمية جديدة أولاً .. أمريكا لم تعد تحتمل أعباء معارك أخرى ثانياً (خصوصاً بعد العراق و أفغانستان و موقف الشعوب العربية التي شهدت الربيع العربي مؤخراً من الولايات المتحدة .. عداك عن المشاكل الإقتصادية و الانتخابات الرئاسية في نوفمبر) .. و الدول المحيطة بسوريا ليست مستعدة لتحمل أعباء جديدة ربما تنجم عن تغيير سوري بالقوة .. مثل لبنان و تركيا خصوصاً فيما يتعلق بالطائفة الشيعية والعلوية والأكراد ثالثاً .. أما رابعاً فلا يوجد ما يدعو للإطمئنان على مستقبل سوريا من قبل الغرب إثر سقوط الأسد الذي على كل خلافاتهم معه إلا أنه ونظامه قدموا ضمانات كبيرة قد يعجز عنها أي كيان بديل للنظام ما لم يكن جاهزاً كفاية لمهمة صعبة من هذا النوع .. خامساً و حيث أنه ثبت أن لإيران يد في دعم النظام كما روسيا فإن عملاً عسكرياً ضد النظام في سوريا من قبل جهات غربية يحتاج إلى عمل سياسي و دبلوماسي على مستوى عالٍ أيضاً ..

يبدو هذا الحل في ظل الوضع الراهن غير سهل التحقيق .. و الإصرار عليه من قبل المعارضة السورية ممثلة في المجلس الوطني نوع من إضاعة الوقت ما لم يكن لديهم أوراق حقيقية على الأرض .. و هذا ما لا يتوفر .. فكيف تقنع أمريكا أنك تريد حظراً جوياً و دعماً نوعياً و أنت لا تضمن سيطرة على الأرض و لا تملك رؤية للمستقبل مثل إيجاد كيان سياسي بديل يملك كفاءة حقيقية .. فالمجلس الوطني من الواضح بتركيبته و معاييره و دوره السياسي أنه لم يثر إعجاب المجتمع الدولي كما أنه خيب نوعاً ما آمال الثوار السوريين .. و هذا مؤشر خطير على ضعف المعارضة سياسياً وعدم قدرتها على التعامل مع الواقع وخلق حلول أكثر واقعية وخلوها من قيادات ذات مستوى عال سياسياً وقبول واسع داخلياً وخارجياً .. الحل يجب أن يتكون من نقاط واضحة و عمل مركز و ليس فقط شعارات رنانة و فضفاضة في ذات الوقت دون تبني خطط واقعية تملك هي مفاتيحها أو على الأقل جزءاً من تلك المفاتيح ..

الحل الآخر لا يقل صعوبة إلا أنه يبدو أكثر قبولاً من الغرب والشرق في آن .. فعلى ما يبدو من خلال التحركات الأخيرة أن الرئيس المصري وضع يده على الجرح .. فلا يمكن أن يكون هناك حل نهائي في سوريا من دون حل سياسي .. الحل السياسي جزء من الحل النهائي .. لا أقلل من قيمة العمل الميداني لأنه بكل تأكيد حافز هام للعمل السياسي .. و لكن للأسف المعارضة ما زالت تتخبط بعيداً عن الحل الحقيقي .. نعم مرسي على حق و العربي والإبراهيمي على حق .. يجب أن يكون هناك حل سياسي في النهاية .. حل يقنع الروس والإيرانيين بطريقة ما أن هذا النظام قد انتهى و لا جدوى من دعمه .. و أنه لا مكان لحرب على أساس طائفي في المنطقة .. و أن دورهم السلبي في تذكية نار الطائفية سيكون وبالاً عليهم من كل النواحي .. وضع إيران في دائرة الحل هو خطوة على طريق إسقاط الأسد .. فلا يمكن لإيران و روسيا أن يدعموا الأسد لآخر قطرة دم سورية دون أن يكون هناك مطالب سياسية و استراتيجية يمكن التفاوض عليها .. لا يمكن أن ترسم الحلول السياسية على أساس كره طائفي .. و إلا فلن تنتهي النزاعات و الصراعات في سوريا إلى الأبد .. لأنه في نهاية المطاف لن يفني السنة الشيعة و لن يفني الشيعة السنة .. إذن هنا يكمن الدور السياسي .. تقوية علاقة مصر وتركيا بإيران ستعوض جزئياً عن الكثير من الضرر الاقتصادي والسياسي الذي ستفقده مع زوال النظام السوري .. خصوصاً و أنها بحاجة لمثل هذه الشراكة في مواجهة الضغوط الغربية و الإسرائيلية ..

هيئة التنسيق الوطنية رغم كل التحفظ على دورها و عدم التزامها التام بمطالب الثوار و الشعب السوري .. إلا أنها بمؤتمرها بالأمس مشت خطوة إلى الأمام في تنافسها مع المجلس الوطني على إنهاء الأزمة الممثلة بإسقاط النظام .. و سماح النظام لها بإتمام المؤتمر في وسط دمشق مؤشر إلى حد ما أن هناك عملية واضحة للبحث عن وريث لتركة الأسد و ليس مجرد شريك شكلي كما كان الطموح الروسي و الإيراني سابقاً .. و ربما تخرج المبادرة من أقرب المعارضين للحلول السلمية و الذي يعتبره البعض ضمن حظيرة النظام .. تلك الحلول التي أوصد المجلس الوطني الباب بوجهها ..

الفكرة تكمن بإسقاط النظام .. و ليس بإصلاح الكون .. الفكرة تكمن بإنهاء القتل و التشريد و ليس بضرب المشروع (الاستعماري الإيراني أو الصفوي) .. على المعارضين السوريين تذكر أن مسؤوليتهم تكمن أساسا بتحقيق ما خرج السوريون منذ ثمانية عشر شهراً مطالبين به .. علّ من بقي منهم يتمكن خلال أشهر أو سنوات قليلة فيما بعد من بناء دولةٍ قوية و محترمة و حرة تصون كرامتهم على الأرض .. و ليس في السماء!!