سقوط الناصرية!

أ.د. حلمي محمد القاعود

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

مشكلة الأقلية الناصرية في المجتمع المصري أنها ما زالت مصرة على عبادة حاكم طاغية جلب الهزائم والخراب على البلاد والعباد طوال مدة حكمه الإرهابية ، ومازال المصريون يعانون بسببها ،فعلى المستوى الشخصي انهزم الطاغية في فلسطين عام 48 وتم حصاره في الفالوجة ، وعلى المستوى العام انهزم في عام 56 ، وفي اليمن وفي الكونغو وفي الجزائر ،  وفي القاصمة الماحقة التي ندفع ثمنها حتى اليوم ، أعني هزيمة 67 !

 ثم إن المصريين يدفعون ثمن جرائمه التي لم تكن قاصرة على تغييب الإسلام وإذلال المسلمين وحدهم ؛ بل امتدت لتشمل كل مؤسسات الدولة وسياستها وتعليمها وثقافتها وصورتها العامة . ويكفي أن دويلة صغيرة طارئة على المنطقة قهرت مصر وأذلتها في عهده كما لم يحدث من قبل ، ومازالت سيناء منقوصة السيادة بعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاما ، ومحظور على جيشنا وقواتنا أن تدخل إلى مناطق بعينها إلا بإذن من العدو النازي اليهودي الذي منحه الفرعون / الإله جمال عبد الناصر فرصة لم يحلم بها أبدا ، وجعله القوة الأولى التي تسحق كل القوى الأخرى في المنطقة !

الناصريون يظنون أنهم قوة قاهرة ساحقة يؤيدها الشعب المصري ، وينحني أمام أمجادها وبطولاتها ، فهم حسب مزاعمهم وزعوا الأراضي على الفلاحين وحققوا مجانية التعليم وجعلوا للعمال والفلاحين 50% من مجالس التأييد والتصفيق المسماة بالمجالس النيابية والمحلية ، وحققوا الوحدة العربية ووقفوا كالأسود في مواجهة الاستعمار وأذنابه !

بيد أن الشعب المصري لم يمنحهم في الانتخابات التشريعية الماضية غير عدد قليل من النواب يعدون على أصابع اليد الواحدة من مجموع خمسمائة نائب ، وللأسف فإنهم يفسرون عدم ونجاحهم أو وجودهم البرلماني - كما قال أحدهم في المؤتمر الكاثوليكي السنوي العام بدير الفرانسيسكان بالمقطم قبل أيام :

 "لم يفز الإخوان فى الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لقوتهم وإنما بسبب عجز النخب والقيادات المدنية التي تشكل أغلبية غير موحدة ومفرقة بين أحزاب وجبهات"..  

وأضاف : "الذين يحكمونا الآن لا أنتظر منهم شيئًا لإدراكي تكوينهم واختياراتهم وانحيازاتهم وطبيعة سياستهم فسوف يقدمون على طبق من فضة من عجزهم فى تحقيق آمال الشعب المصري ما يجعل المصريين يسقطونهم فى صندوق الانتخابات الذي لن يستطيعوا السيطرة عليه، فكلما سيطروا على السلطات، خسروا رصيدهم فى الشارع ".أمر جيد أن يعتمد الناصريون الاشتراكيون على صندوق الانتخابات الذي سيأتي بهم وبتيارهم الشعبي الثالث كما يزعمون ،ولو جاء ذلك على حساب هوية الشعب ودينه ، لقد غازل أحدهم الكنيسة فخاطب أفرادها في تخليط عجيب ، واستشهاد لا محل له قائلا :

"لا تخشوا من اشتراكيتي . هدفي أن لا يكون فى مصر فقير ومحتاج كما كانت الجماعة المسيحية الأولى، وكما تعلمت من القرآن النضال من أجل الفقراء الآية "ومالكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين"، فالله جعل القتال فى سبيله مثل القتال من أجل المستضعفين، لا أريد أن أفقر الأغنياء ولكن أغنى الفقير وما أريده أخذ حقوقنا المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنتم ستشاركونني فى تطبيق ذلك فى الجولة الأخرى فى الانتخابات الرئاسية " .

من مشكلات الناصريين الأساسية عدم فهم الإسلام جيدا ، وإن كانوا يرفعون بعض الآيات والأحاديث لاستمالة قلوب العامة بدعوى الاشتراكية ، وهم مشغولون بما يسمونه التوحد ضد الإخوان المسلمين، ويزعمون أنهم لو توحدوا مع أشباههم سيمنعون أي جماعة (؟) من الاستيلاء على البلد، ولن يأتي ذلك إلا بالعمل فى الشارع الذي لن يعطوه - كما يقولون - زيتًا وسكرًا بل حوارا ويقظة ووعيا ، وعدالة اجتماعية ليشترى بنفسه فهي ليست صدقة، وهذا فرق – كما ينادون - بين الاقتصاد الذي يؤمنون به وبين اقتصاد الإخوان الذي يعد الوجه الآخر للحزب الوطني، والعدالة الاجتماعية لديهم صدقة وزكاة أما لدى الناصريين فهي حقوق للمصريين وفقا للتنظير الناصري العجيب الذي سقط منذ 67 !

ليت الناصريين يتفوقون على الإخوان المسلمين في فهم الإسلام ودراسته ، وساعتها لن يقعوا في أخطاء قاتلة مثل التي وقع فيهم من قال : إن العدالة الاجتماعية عندهم صدقة وزكاة ! فالإخوان لم يخترعوا الصدقة والزكاة ، ولكنهم عرفوها من أركان الإسلام الخمسة وتعاليمه . الزكاة ركن من أركان الإسلام ، ويجب على من بلغ ماله أو تجارته أو زروعه أو ماشيته النصاب الشرعي أن يخرجها في مصارفها التي حددها الإسلام ، والزكاة أكبر من الضرائب على كل حال لو تم إخراجها وتوجيه الناس إليها ، ويمكن أن تجعل أهل البلاد في غنى عن مد اليد إلى الدول الأجنبية وهي حق لا منّة .

الصدقة والزكاة يا زعيم التضخم الذاتي نظام إلهي مستمر للقضاء على الفقر والجوع ، ولو أنك من أنصار تطبيق الشريعة الإسلامية لعرفت أن الناس في عهد عمر بن عبد العزيز اغتنوا بسبب تطبيقها ولم يجدوا فقيرا يأخذ الصدقات والزكوات ، ولكن لأنك وقبيلك تشتهون السلطة والاستبداد ، فالشريعة عندكم رجعية كما كان يقول رئيسكم خالد الهزائم والعار ..

لقد كان سقوط الناصريين الذريع يوم انحازوا للبيادة ، وطالبوا من خلال بعض المنتمين إليهم بحل مجلس الشعب ، وعدم تسليم السلطة إلى المدنيين ، بل دعا بعضهم بمنتهى البجاحة والوقاحة إلى انقلاب العسكر على الشرعية الثورية ، واليوم يقولون إن الإخوان اغتصبوا السلطة بالسكر والشاي ، ويخوفون المستثمرين الأجانب لأن هناك كما يزعمون ثورة قريبة في مصر !

لقد صار تخصص الناصريين بعد الثورة محكوما برفض محاولات الإصلاح وشتم الرئيس والإسلاميين والادعاء بأن الإسلاميين يتحدثون باسم الله وأنهم وحدهم الإسلام . بئس ما يأفكون !