إلى المُشفِقين، والمُرجِفين: الثورةُ منتصرةٌ، و النظامُ زائل

محمد عبد الرازق

إلى المُشفِقين، والمُرجِفين:

الثورةُ منتصرةٌ، و النظامُ زائل

محمد عبد الرازق

تشهدُ المجالسُ حديثًا بات أقربَ إلى الجدل الميتافيزيقي منه إلى البحث عن الحقيقة، و موضوعه هو: هل أن ما يجري في سورية اليوم من حراك هو حقٌ مشروع للسوريين جراءَ ما لحقَ بهم من ظلم، و عسف على مدى اثنين و أربعين عامًا تمكن فيها آل الأسد من الحكم، و هل أن الدول المؤثرة في المنطقة تقبل بزواله، و تسمح لهذه الثورة الشعبية من تحقيق أهدافها باقتلاع هذا النظام، و إقامة آخر ديمقراطي تعددي ( شكلاً، و مضمونًا )؟.

إلى هذين الصنفين نقول: إنَّ ما يحصل في سورية اليوم أمرٌ تجاوزَ مثل هذا النقاش الهزيل، فهو ثورةٌ شعبية حقّة، قامت بها شرائح الشعب كافة، بغض النظر عن الانتماء الآيديولوجي، و القومي، و الطائفي، و قد جاءت ضمن السياق الطبيعي لحركة الشعوب في التحول، و ليس للخارج فيها تأثير سوى ما يتعلق بالمساندة المشروعة، التي هي حقٌّ مكفول في الشرائع، و المواثيق الدولية.

و قد أثبتت الأيام أن هذه الثورة قد استحقت بجدارة أن تُسمَّى ( الثورة اليتيمة ). و آيةُ ذلك أنّها لو لقيت من الدعم ( المؤامراتي ) المزعوم؛ لوجدت نظامَ الأسد مرميًّا في هاوية سحيقة يلعقُ فيها حظه العاثر منذُ أمدٍ بعيد، و لوجدت القرارات ( العربية، و الدولية ) تترى، و كلُّها تبيح له الاِستعانة بقوى الأرض قاطبةً ( زُرافاتٍ، و وُحدانًا ): مُدججةً بكل ما يتيح لها اقتلاعه في غضون أسابيع محددوة، بدعوى أن بقاءه يهدد ( السِّلم العالمي ) على غرار ما كان مع سلوفودان ميلوفيتش، و صدام حسين، و القذافي.

غير أنَّ الأمور قد باتت واضحة، و عرف السوريون، و من يناصرهم من أحرار العالم السرَّ في تباطؤ المجتمع الدولي في حزم أمره تجاه هذا النظام، و هو الأمر الذي صرح به رجل مال العائلة ( رامي مخلوف ): أمن إسرائيل من أمن سورية ( النظام ). و يأتي رديفًا له ما كشف عنه المندوب الفرنسي في المنظمة الدولية ( جيرارد ) من أن جدّ بشار كان قد طلب من ( الاستعمار الفرنسي ) إبقاء سورية تحت الانتداب الفرنسي، و عدم تسليمها إلى الأكثرية ( المسلمة السُنِّية )؛ لأنهم بحسب ما جاء في الوثيقة المحفوظة في إرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، و الحزب الإشتراكي يمنعون اليهود الدمشقيين من مساعدة اليهود ( الطيبين ) في فلسطين، الذين جاؤوا إليها، و هي حقٌّ لهم ينبغي أن يستعيدوه من أيدي غاصبيه.

فهل بعد هذا من كلام يا سادة، و هل عرفتم سرّ الأسرار في تخليّ المجتمع الدولي عن واجبه في تقديم العون؛ لا بلْ السماح للسوريين في التسلح لحسم هذه المنازلة غير المتكافئة مع نظام تجاهر قوى معروفة في مدّه بكل أنواع الدعم المادي، و المعنوي من أجل قهر هذا الشعب، الذي تجرّأ على المطالبة بحقه في العيش الكريم؟.

 أيها المًرجِفون، الواقفون على الأسوار تنظرون إلى أيّ الفريقين تتجه بوصلة الحسم: هلْ عُمِّيت عليكم الأنباء؛ فلم تعودوا ترَوْن شبيحة النظام و هي تقتل المعارض، و المُؤيد في مناطقكم على حدٍّ سواء؟ هل ميَّز جندُه بينكم، و بين المعارضين من أهلكم عندما اجتاحوا مناطقكم؟ ألمْ يَطَلِ النهب و السلب، و الحرق و التدمير بيوتكم، و بيوتهم عندما هربتم جميعكم أمام دباباتهم، و طائراتهم؟ هل شفعَ لكم عنده هذا (الحياد السلبي )؟ هل غلبَتْ عليكم مصالحكم؛ فما عاد يعنيكم هذا الذي يجري في سورية من أجل أن يبقى حاكمًا على الرقاب هذا النظام؟.

و أنتم أيها المُشفقون، الخائفون على الناس من هول ما يقع عليهم من ترسانة هذا النظام: لا تجعلوا حرصكم عليهم أشدَّ من حرصهم على أنفسهم، و لا تجعلوا من أنفسكم رقباءَ عليهم؛ فتكونوا أنتم رأس الحكمة في الأرض، و هم أشدّ الناس جهلاً و ضلالاً.

همْ أولياء الأمر، و أنتم النُّظارة من على المدرّجات. هم القائمون على الأمر، و أنتم المشاركون في قطف الثمار. هم من تُراق دماؤهم على مذبح الحرية، و أنتم من تدخرون قطرات عرقكم عزيزة في المغتربات و مواطن الهجرة. هم من يضحون بفلذات أكبادهم و حصاد السنين، و أنتم من تضنّون بشبانكم و مدخراتكم بانتظار اليوم التالي لسقوط النظام.

كفاكم ردحًا، و كيلاً بالتهور، و التسرع، و الجهل بالعواقب، و مآلات الأمور لهذه الطلائع من أهلكم؛ فعلى أيديهم، و بهمهم سيعود إليكم حقكم المهدور منذ اثنتين و أربعين سنة، و بتضحياتهم ستتنشقون عبقَ الحرية عمَّا قريب، و بصرخاتهم في ساحات التظاهر ستشرق على سورية صباحات غدٍ زاهر طالما افتقدتموه.

إنّ من حقهم عليكم أن تشدّوا من أزرهم، و تعينوهم على عدوكم، و عدوهم بالهمّة القوية التي تترجمها أقوالكم، التي تنظر إلى الأمور وفق سُنن التاريخ في زوال الدول، و الأنظمة بعيدًا عن روح المؤامرة التي استحكمت على تفكيركم سنين طويلة.

من حق الغرب يا سادة أن يبحث عن مصالحه في بلداننا، و لكن ليس له الحق في التدخل في حقنا في العيش، و تقرير المصير. إنه ليس قدر الله في الأرض؛ فليس كل ما يجري في سورية من صنعه، و تدبيره كما تتخيلون، و كما يُفهم من حديثكم عن فكرة المؤامرة المسيطرة على تفكيركم.

إنَّ ما يحصل اليوم في سورية يخضع لمبدأ المغالبة في الحياة؛ فالحقُّ و القوة ( معًا ) هما اللذان يفرضان الإرادات، و المصالح بين الدول لا تدوم على حالٍ واحدة، فصديق اليوم عدوُّ الغدّ طالما أنَّ القوة هي البوصلة التي تجذب العلاقات بين الدول نحو تبني المواقف المؤيدة لهذا الطرف، أو ذاك. و العلاقات بين الدول، و الشعوب لا يصدق عليها على المطلق القول بالعمالة و الخيانة؛ فلقد أصبح العالم متشابك المصالح، و ليس لأحد مطلق الحق أن يفعل في شؤونه ما يريد؛ بل لا بدَّ له من مراعاة مصالح الدول إقليميًّا، و دوليًّا.

و من هذا المنطلق نقول لهذا الفريق من السوريين المُشفقين على الثورة: هوِّنوا على أنفسكم، و لا تُعنِتوا على إخوانكم من الثوار أنفسَهم، و ما يقومون به من دفع الصائل من هذا النظام الباغي، و لا تحمِّلوهم وِزرَ االرَزايا، و النكبات، و المصائب التي حلَّت بسورية؛ فالنظامُ يبحث عن مثل هذه الحجج، و الذرائع كي يفتَّ من عضُد إخوانكم الثوار، و يشقَّ صفَّهم، و يعزلهم عن حاضنتهم الاجتماعية؛ فاللهَ نسألكم أن تُفوِّتوا عليه هذه الفرصة، و لا تكونوا اليدَ التي تُعينه على حَلِّ الوثاق عن عنقه؛ فهو في ورطة كبيرة، و هزيمته باتتْ أقربَ إليه من شراك نعله، و هو ساقط لا محالة، و الثورة منتصرة بعون الله في وقت ليس ببعيد.

و نتمنَّى منكم أن تنظروا إلى الأمور بالعين نفسها التي ينظر بها إخوانكم في الداخل؛ فهم يتعاملون مع نظام الأسد على أنه قد أصبح من الماضي؛ فسقوطه قد أصبح حقيقة في المناطق التي تحررت من رجس قواته، و كذا حالُه في النفوس في المناطق الأخرى التي في طريقها إلى التحرر، و ما أمرُ سقوطه في دمشق إلاَّ مسألة وقت إن شاء الله.