من كلام المندوب السوري والرد الفرنسي
من كلام المندوب السوري والرد الفرنسي
بدر الدين حسن قربي /سوريا
كادت الملاسنات أثناء مداولات مجلس الأمن يوم الخميس 30 آب/أغسطس 2012 بين مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري والمندوب الفرنسي جِرار أرو تتعدى الدبلوماسية، ولاسيما عندما تطرق الجعفري للفترة الاستعمارية الفرنسية يريد النيل فيها منها، وهو مادفع بالمندوب الفرنسي ليطلب الكلام ثانية ويرد على ماقاله المندوب السوري بقوله: بما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك بأن جدّ رئيسكم طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية لدينا وقع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنها. وكأن المندوب الفرنسي يشير إلى وثيقة تاريخية معروفة بعث بها بعض وجهاء الطائفة العلوية بينهم سليمان الأسد إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلوم محفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية تحت الرقم رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936.
تعاطي بعض المعارضين مع ماقاله المندوب الفرنسي اتخذ أشكالاً مختلفة من ردّات الفعل، وكأن الوثيقة تُكشف أو تُكتشف للمرة الأولى، رغم أنها وثيقة تاريخية ثابتة ومعروفة من عشرات السنين ومنشورة في كتب مختلفة. وإنما لو أخذنا الوثيقة بشكل طبيعي، فإن المسؤولية التاريخية عنها يتحملها شخصياً من وقّع عليها وليس الطائفة، بل ولا يتحمل أحد من أحفادهم مسؤوليتها، حتى ولو كان حفيد سليمان جد حافظ الأسد المقصود بالكلام الفرنسي.
فالسورييون اليوم ليسوا في موطن المطالبة بمساءلة الحفيد عمّا فعل جدّ أبيه في أمرٍ تنعدم فيه مسؤوليته عنه، فالمسؤولية فردية وهو مبدأ قانوني عام فضلاً عن أنه مسألة شرعية. ولكن السوريين حقيقة هم في معرض المطالبة بالخلاص منه وسوقه إلى ساحات العدالة الدولية عن فظائع لجرائم يندى لها جبين الإنسانية.
في تقديرنا، أن فائدة ماقاله الفرنسي عن الوثيقة محدودة، ومحصورة بمعرفة عراقة أصل هالأسرة العطرة، والعلم بكريم مجدها ووطنيتها ليس أكثر، ابتداءً من الجد إلى الابن وانتهاءً بالحفيد، ولاسيما أنها في (الرايحة والجاية) تتهم معارضيها من المطالبين بحريتهم بالتخوين والنيل من وطنيتهم.
وعليه، فإن الجَدّ كتب ماكتب في النيل من السوريين الكثير وعليه وقّع، حسبما أكدته الوثيقة الموثّقة المشار إليها، فضلاً عن الكلام الفرنسي الباتع المانع الذي أشار إليه جِرار أرو. وإنما هناك أيضاً كلام في الوثيقة كُتب فيها، يشبّه حال الطائفة العلوية بحال اليهود وماينالهم من العرب والمسلمين في فلسطين التي كانت تحت سلطة الانتداب البريطاني وقتها، الذي يقول نصه: حالة اليهود في فلسطين تمثل دليلا واضحاً وساطعاً على عدوانية العرب المسلمين ضد كل من لا ينتمي إلى الإسلام. فأولئك اليهود الطيبون الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونشروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاه ولم يتسببوا لأحد بأذى، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم يترددوا في ذبح أطفالهم ونسائهم، هذا على الرغم من تواجد إنكلترا في فلسطين، وفرنسا في سورية).
ومن الجدّ إلى الابن، فلن نتكلم عن كلام يقال، وتهم تتلبسه ببيع الجولان، وإنما سنكتفي بالإشارة إلى مافي عنقه من قتلٍ لعشرات الآلاف من السوريين والفلسطينين واللبنانيين مما هو معروف وليس هنا مكان بحثه. وبالمتابعة من الابن إلى الحفيد فإن مايفعله في السوريين اليوم لم يفعله أعتى مجرمي التاريخ من تدمير ودمار وخراب ديار، وقتل وتنكيل وحرق وقصف بالطائرات والصواريخ بما يؤهله أن يؤخذ إلى أكبر المحاكم الجنائية الدولية.
ومن ثمّ فمن مضمونات وثيقة الجد إلى مافعله الأبناء والأحفاد نفهم الكثير والأكثر عمّا يواجهه السورييون من الصعوبات والمشاقّ في ثورتهم لاقتلاع نظام قمعي استبدادي متوحش كاتمٍ على أنفاسهم قرابة نصف قرنٍ ومتراسه مقاومة وممانعة.