نَمرٌ من ورق

د.عبد الغني حمدو

نَمرٌ من ورق

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

dr.abdulghani56@yahoo.com

dr.abdulghani56@hotmail.com

عندما ترسم نمراً على كرتونة أو قطعة قماش , أو عملت من النمر تمثالاً من حديد أو حتى من فولاذ , فإن نهاية وجوده مرهونة بقبضة يديك , وسر بقائه سيكون خاضعاً لارادتك حتماً , ولكن عندما يغيب عن ذهن المجتمع أن هذا النمر قد صنع من ورق أو كرتون , أو صنع يدوياً كتمثال , وتماديت أنت في رفع مكانته , فحتماً ستجد نفسك ساجداً مع الآخرين للنمر الذي صنعته , ويغيب عنك حقيقته , ويكون حالك كحال الجميع , هو ربي وأنا عبده .

فقد جاء الاسلام ليخلص الانسان من عبادة الأصنام إلى عبادة الاله الواحد , ومن عبادة الانسان للإنسان , ولكن الحقائق التاريخية أثبتت ان شعوبنا العربية لم تستطع التخلص من آثار الوثنية , ولكن استبدلت بتلك الأوثان أشخاصاً , هؤلاء هم في حقيقتهم ليسوا إلا نموراً من ورق , وتحول النمر الورقي لنمر حقيقي يلتهم كل من اقترب منه , حتى ولو كان صانع النمر بذاته , وكل من اتبع دعوة صانع النمر.

فمقومات الدولة هي :

الاقليم والشعب والسلطة , وعندما ندرس العلاقة بين الشعب والسلطة , نجد أن السلطة هي منتجاً من منتجات الشعب , وليس الشعب ناتج من منتجات السلطة , والمجتمع أوجد السلطة لحمايته من نفسه , ومن أعدائه , حتى يحافظ على حياته , ويعيش أفراده ضمن حدود معينة سميت بالدولة , حياة تليق بمقام الانسان .

فتاريخ أمتنا وعلاقة شعوبها مع السلطات التي أنتجتها  تصب في قالب واحد لايتغير ,هذا القالب يتمثل في تمثالٍ أصنعه ومن ثم أعبده , وإن لم أعبده فسيرغمني في النهاية على عبادته .

لابد من أن نسأل أنفسنا السؤال التالي :

لماذا نخترع نمراً من ورق مع أن النمور موجودة في داخلنا ؟

لقد ورثنا عبر آلاف السنين وعبرالاْجيال المتعاقبة أن إرادتك ليست هي ملكك , وعقلك عند ولي الأمر دائماً , وإياك ان تفكر باسترداده أو التفكير فيه , وحياتك مرهونة برضى ولي الأمر عنها أو من عدمه .

مقارنة بسيطة :

بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية :

سقط في الانتخابات تشرشل في بريطانيا , وسقط ديغول في فرنسا , وبعد أن انتصر جورج بوش في التسعينات من القرن الماضي على المعسكر الشرقي وتفكيك الاتحاد السوفييتي , سقط بعدها في الانتخابات لأمريكية , وحل محله كلنتن , مع أنه أوصل أمريكا لمكانة الذروة في العالم وأصبحت امريكا تحكم العالم كله .

نستخلص من ذلك أن تلك الشعوب تعتبر الحاكم ضرورة حتمية لبقاء وجودها , فهو لايملك الدولة ولا الشعب وإنما ممثلاً :

عن الشعب كوظيفة إدارية والبطل الحقيقي هو الشعب , وليس الحاكم .

أما عندنا فالبطل الحقيقي دائماً هو الحاكم , والشعب مجرد رعيل أو قطيع يقوده الحاكم أينما يشاء وفي أي وقت شاء , ففي عصرنا الحديث اخترعنا جمال عبد الناصر فركبه الغرور وكانت النتيجة ضياع سيناء وبقي هو البطل المغوار وبعدها اخترعنا حافظ الأسد بعد أن باع الجولان , وكان بعدها بطل التشرينين وفي لبنان وتدمير حماه , وانتقلت البطولات لابنه فدمر البلاد والعباد , واخترعنا صدام فكبرناه وعلونا من شأنه فحط في داخله الغرور فضاع هو وأهله والبلاد والعباد , وفي قرننا الحالي اخترعنا حسن نصر الله , وبمسرحية واضحة المشاهد والحبكات صدقناها , ودمر فيها لبنان وباعها لايران . والآن انتهى دور نصر الله فلا بد لنا من نمر آخر نخترعه , ويلوح في الأفق الآن رئيس مصر السيد مرسي , بعد خطابه الأخير في طهران , مع أنه لم يخرج عن أقوال معظم القادة المؤيدين ظاهرياً للشعب السوري , والسعي للحل السلمي , ومعارضة أي تدخل خارجي .

فشباب الربيع العربي لم يخترعوا نموراً من ورق , وإنما أفسحوا المجال للنمور الموجودة في داخلهم , فهاجمت أعداءهم , وأسقطت عروش طغاتهم , كما يفعل الآن شباب الثورة السورية .

والخوف القادم هو أن تعود تلك النمور إلى معاقلها وتبيت فيها قروناً طويلة , حتى يتم اطلاق سراحها , وسيتم ذلك حتماً إن استعادوا موروثاتهم التي رموها , وأعادوا النمور إلى جحورها , وتركوا أمرهم عند الحاكم الأوحد المختَرع والذي كان يوماً .. ما ..نمراً من ورق , فأصبح بعدها ديناصوراً يلتهم كل شيء .

فأرجو ان يعيَ شباب الثورة :أن البطولة هي تضافر كل الجهود التي اشتركت في الثورة , وأن الشخص الناجح فيها له مقامه في التقدير وليس في التقديس , فقد قدم واجبه لاغير , وان السلطة تابعة للشعب المنتصر في الثورة , ولن يكون بعد الربيع العربي تابعاً للسلطة أبداً.