قضية الهاشمي.. استهداف سياسي بغطاء قانوني
قضية الهاشمي..
استهداف سياسي بغطاء قانوني
طارق الهاشمي*
انقضىت سبعة اشهر وزيادة على مؤامرة استهدافي منذ كانون اول من العام الماضي ، وبالرغم من تسييس القضاء ، وتوظيف ماكنة الاعلام الخبيثة على اوسع نطاق ، فأن خصمي فشل فشلا ذريعا في النيل من سمعتي في الداخل والخارج ، استطلاعات الرأي في الداخل ، الترحيب واسع النطاق والتعاطف غير المسبوق في الخارج خير دليل ، اما الفضيحة الجديدة التي حصلت قبل اسابيع امام العالم اجمع في عرض اعترافات مفبركة لجرائم نسبت الى ليث الدليمي عضو مجلس محافظة بغداد فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، هذه الفضيحة كذبت كل الادعاءات الحكومية بصدد سلامة سلوك موظفيها الامنيين او بعض قضاتها المرتشين او المهزومين ، واكدت من جانب آخر صحة ماصدر عن مكتبي الاعلامي من بيانات على مدى السنوات الماضية وكذا التقارير التي أصدرتها المنظمات الدولية والاممية المعنية بحقوق الانسان بل وحتى تقارير وزارات الخارجية واشير حصرا الى تقرير الخارجية البريطانية الاخير والذي وصف بدقة الوضع المأساوي لملف حقوق الانسان في العراق ، لم اشعر في أي يوم من الايام بأني متهم ، بل لازلت انام قرير العين مرتاح الضمير احمد الله سبحانه ان اكرمني بسمت لامكان فيه لغير السلام الى جانب حب الناس حيث لم تتلوث ذمتي بحقد او كراهية او سلوكي بعدوان يمكن ان احاسب عليه في الدنيا او في الآخرة ، مع ذلك وجدت انه لابد من هذا المقال وهو بالمناسبة ليس مرافعة للدفاع عن النفس امام حملة التشويه المغرضة بل اكتبه للتوضيح والتنوير بل للتاريخ كصفحة متميزة في سفر حياتي .
وبعد هذه المقدمة لعل من المفيد الاشارة في مستهل مقالتي هذه وتذكرة من لايعلم بالخسارة الفادحة التي تعرضت لها عام 2006 في ذروة الفتنة الطائفية عندما فقدت ثلاثة من افراد عائلتي وهم شقيقان وشقيقة في حوادث اغتيال متفرقة ، كان الدافع من ورائها سياسي لايقبل الشك ، ليس بسبب الطريقة أو الاطراف المشتبهة بالاغتيال فقط ، بل ماهو اهم من ذلك واقصد بهاالرسائل التي كانت تصلني من جهات مجهولة لكنها قريبة من الحدث وبالتاكيد متورطة فيه وذلك بعد اغتيال شقيقي الاول المهندس محمود وشقيقتي الحاجة المؤمنة ميسون الهاشمي ، حيث كانت الرسائل تقول الاتي :
" لقد نصحناك بترك العمل السياسي ومغادرة العراق لكنك لم تستجب واضطررنا لقتل اخاك ، وسنقتل اخا آخر من اخوتك اذا لم تستجب ، نحن لانمزح ابدا وجادون في ذلك ..."
وبعد كل حادث كنت اعقد مؤتمرا صحفيا اظهر فيه متماسكا صابرا حازما لايرضخ للأبتزاز ، مما كان يغيض اعدائي وهو مادفعهم لاغتيال شقيقي الثالث الفريق عامر الهاشمي وهو بالمناسبة كان يتقلد اعلى رتبة في جيش العراق الجديد في حينه .
لم يتبق لي بعد ان فقدت ثلاثة من أخوتي الذين احتسبهم شهداء عند الله سبحانه سوى اخ رابع اضطررت لتسفيره خارج العراق حتى احميه .
ورغم ان الاغتيالات نفذت في وضح النهار وامام الناس وفي الشوارع العامة من قبل قتلة متخصصين يرتدون الملابس الامنية الرسمية، فأن اغتيال اخي الفريق عامر وهو في منزله جرى بطريقة مغايرة لكنها ملفتة للنظر عندما هاجمت داره في بغداد سرية من القوات الخاصة النظامية مؤلفة من 25 فرد مجهزين بكامل الأسلحة والمعدات الحديثة ويستقلون عجلات حكومية رباعية الدفع ، أقول رغم ذلك فأن هذه الجرائم قيدت ضد مجهول ؟؟!! ، وهذا دليل يؤكد تورط اجهزة قريبة من السلطة ان لم تكن تابعة لها بل جزء منها . و بالمناسبة فأن المالكي رئيس مجلس الوزراء الحالي و القائد العام للقوات المسلحة هو المشرف على الجيش والقوات المسلحة والاجهزة الامنية التابعة لمختلف الوزارات ، وهو يحتكر ادارة الملف الامني ولايسمح لاحد ان يشاركه فيه .
اذا هذه الاغتيالات ذات دوافع سياسية كان يراد منها اخراجي من العملية السياسية وبأي ثمن ، لكنها فشلت ، حيث قبلت المنازلة ، تحملت الكلفة العالية صبرت واحتسبت ومضيت في سبيلي متوكلا على الله سبحانه .
يعيد التاريخ نفسه في ديسمبر كانون اول من العام الماضي 2011 حيث تم استهدافي مجددا وهذه المرة بطريقة مختلفة تماما ، اذ وصلتني رسالة من المالكي مباشرة مساء يوم الخامس عشر من كانون اول الماضي اي قبل يومين من آخر سفرة لي من بغداد الى السليمانية في كردستان العراق كان نصها الاتي :
" اخرج للأعلام شخصي او في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي تحديد او انتقد قرار مقاطعة جلسات مجلس النواب الذي اتخذه ائتلاف العراقية الذي تنتمي اليه ، كما عليك ان تنقض قرار مجلس محافظة ديالى في التحول الى اقليم والا....... "
وماكان علي الرضوخ لهذا الابتزاز الرخيص الجديد بعد ان خرجت من الابتزاز السابق ناجحا موفقا رغم كلفته العالية من دماء اخوتي الثلاثة ، وعندما رفضت بحزم نفذ خصمي تهديداته حيث واجهت في غضون يومين رزمة من الاتهامات الباطلة المفبركة بأني حرضت ، او باركت ، او اكرمت متورطين بارتكاب جرائم جنائية ذات طبيعة ارهابية ؟؟ وهكذا وبدلا من انصافي ومساعدتي في القاء القبض على من قتل اخوتي انقلبت الاية وبقرار من المالكي تحول الضحية الى جزار ؟؟!!
في حينه القي القبض على ثلاثة من افراد حمايتي وجرى التحقيق معهم على عجل وكانت الاعترافات مهيئة والجرائم جاهزة ولم يبق سوى ان يجري ربطها بهم باعتبارهم الفاعلين اما دوري المفترض ... فكان الموجه لهذه الجرائم وتكريم بعضهم بمكافئات زهيدة ؟؟!! وتحت طائلة التعذيب المفرط لم يكن امام هؤلاء المساكين سوى الرضوخ لارادة المحقق وهو بالمناسبة ليس محققا عدليا وانما موظف امن درب جيدا لانتزاع الاعترافات بالاكراه .وبسبب التعذيب تأكدت وفاة احد افراد حمايتي وهناك عدد منهم لانعلم مصيرهم حتى الان ، ويسع القارئ الرجوع الى التقارير التي اصدرتها في حينه منظمة العفو الدولية او منظمة هيومن رايت ووج وغيرهما .
احد قضاة التحقيق في قضيتي ، وضابط متورط في تعذيب افراد حمايتي ، اتكتم على اسمائهم حاليا ، ارسلوا سرا يقولون ان التهم والاعترافات وصلتهم جاهزة من قبل لجنة مؤلفة من احد القياديين البارزين في حزب الدعوة في لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب ومستشار من الحزب نفسه مقرب من المالكي يعمل سابقا سائق تراكتور وآخر مدعو ابو هاشم ؟ هؤلاء هم جهزوا ملف الاتهام منذ أشهر وقدموه للتحقيق ؟! وماكان دور ضباط الامن والمحققين الا اكراه المتهمين على تكرار تلك الاعترافات والتوقيع عليها .
استعجل المالكي بنشر الاعترافات المنتزعة بالاكراه من خلال قناة العراقية الفضائية وهي القناة الرسمية الممولة من خلال ميزانية الدولة لكنها تخدم المالكي في المقام الاول وتروج لمواقفه وافكاره وتصريحاته ، رغم ان التحقيقات لازالت في طور التحقيقات الابتدائية ورغم ان القانون يمنع ذلك فان المالكي الذي لايعترف بدستور او قانون امر بنشر هذه الاعترافات المفبركة من اجل غرض واحد هو اساءة السمعة كوسيلة من اجل التسقيط السياسي ليس الا . والا لوكانت القضية جنائية بحتة اما كان يسعه ان يترك الامر للقضاء ولايتدخل ؟؟!! ولكن كيف يفعل هذا والغرض غير ذلك ، الغرض بالتاكيد هو احراجي سياسيا كوسيلة رخيصة لابعادي عن العمل السياسي ، ولكن عندما صمدت مجددا ورفضت الرضوخ للأبتزاز الجديد متوكلا على الله سبحانه ، معتمدا عليه في الدفاع عن المؤمنين المظلومين (ان الله يدافع عن الذين آمنوا ) واثقا من ان العراقيين جميعا يدركون نقاوة سيرتي وطهارة مسلكي والتزامي القاطع بالسلام وبالتالي لن تنطلي عليهم افتراءات المالكي ولااكاذيبه ، بعد هذا الموقف اسقط في يد المالكي وتشبث مجددا بوسائل خبيثة اخرى تحقيقا للغرض النهائي وهو ابعادي عن بلدي وحرماني من المشاركة في بنائه من خلال نشاطي السياسي ، وفي هذه المرة تتابعت رسائل المالكي وعروضه بشكل مباشر او غير مباشر تدعو الى اخراجي من العراق مقابل غلق ملفات الاتهام وكان آخرها الى السيد البرزاني رئيس الاقليم عندما زاره وفد رفيع المستوى من حزب المالكي يطرح عليه فكرة تهريب الهاشمي؟؟ خارج الحدود حيث رفضها السيد البرزاني بقوة واعتبرها وقاحة لاتغتفر .هذا هو سجل ذكرياتي فيما يتعلق بمحاولات الابتزاز التي تعرضت لها بفعل المالكي حتى الان منذ عام 2006 ، لتحقيق غرض خبيث وغاية محددة وهو ان أكون بعيدا عن وطني بأي ثمن .
لكن اجد من غير المعقول ان اتعرض لكل هذا الكم من الاذى لمجرد نزوة شخصية اوعداء مستحكم من شخص لايتحمل حتى التذكرة اوالنصيحة بله الاعتراض على فشله الفضيع في الادارة ، بل لابد من تورط اطراف اكبر ازعجتها وطنيه الهاشمي وحبه لبلده ، وربما اتفرغ للكتابة عن هذا الموضوع في مقال خاص في وقت لاحق ، لكن لابأس من الاشارة الى معلومات مؤكدة وصلتني لاحقا بأن دولة جارة بات لها نفوذ واسع في العراق كانت قررت عام 2009 استبعادي من العملية السياسية بأي ثمن . وهذا بحد ذاته يضيف بعدا جديدا لقضية استهدافي باعتبارها مسيسة حصلت بتدخل وتحريض خارجي .
لقد طعنت في الاعترافات واعتبرتها كاذبة ولا اساس لها ، لكن من المتوقع ان يكررها الضحايا من افراد حمايتي حتى امام المحكمة لسبب بسيط وهي تعرضهم المتواصل لارهاب الاجهزة الامنية التابعة للمالكي التي لازالت تحتجزهم وتهددهم بالويل والثبور فيما لو غيروا من اقوالهم التي امليت عليهم اثناء التحقيق ، وهذا هو السبب الذي يرفض فيه المالكي ويمنع القضاء من نقل الدعوى الى محاكم كردستان او كركوك ، وكان قد رفض طلبين حتى الان رغم ان النقل حق قانوني مشروع للمتهم .....اتعلمون لماذا يرفض ...لانه سوف يتعرض الى فضيحة كما يقول المصري ( بجلالجل ) من شأنها ان تطيح به وبمستقبله السياسي ، بعد ان ينكر الضحايا جميع الاعترافات التي انتزعت بالاكراه وتحت التعذيب ، لكن هذا اليوم سيأتي ان آجلا ام عاجلا .
هناك اضافة لما سبق مايزيد على عشرين سبب ودليل يؤكد ان الاتهام مسيس ربما يتسع المجال للحديث عنها في مقال آخر في المستقبل ، واختصرها واقول ان المالكي وليس سلطة الاختصاص وهي القضاء كان ولازال يدير ملف الاتهامات الموجهة ضدي ، بل ان نشر الاعترافات المنتزعة بالاكراه من خلال شاشات الفضائيات بأمر منه و خلافا للقانون والقضية لازالت في طور التحقيق الابتدائي لاتفسير له سوى التسقيط السياسي .
هل بعد هذه الحقائق بقي من يقول ان قضية استهداف الهاشمي ربما كانت جنائية وليست سياسية ؟! لا اتصور ...بل اذهب ابعد من ذلك واقول مطمئنا ...ليست هناك قضية جنائية اطلاقا بل القضية سياسية حصرا .
ولهذا عندما اقول اني برئ وافراد حمايتي وموظفي مكتبي ابرياء من كل التهم التي وجهت أو التي ستوجه ضدهم ، فأني أقصد براءة مطلقة على شاكلة براءة الذئب من دم نبي الله يوسف عليه السلام ،، وأنا في ذلك صادق وخصمي كاذب ، والله على ما أقول شهيد .
نائب رئيس جمهورية العراق