عن الموت تحريقاً!!

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

مشهد مؤلم جدّاً الّذي عُرِض على الفضائيّات لمجموعة من البوذيّين يحرقون مجموعة من المسلمين وهم على قيد الحياة، وفوق ذلك ينهالون عليهم ضرباً وتهشيماً وسط جمهرة من النّاس تنظر ولا تتكلّم إلا تشجيعاً أو مشاركةً أو تصويراً لما يجري من جُرم.

يتساءل المشاهد عن سر صمت العالم عن ما يجري بحق المسلمين في بورما، فمن أجل إمرأة معارضة للنّظام البورمي تجنّد  العالم والإعلام الدّولي ومنظّمات حقوق الانسان في سبيل الإفراج عنها، وكان لهم ما أرادوا، بينما يقتل في أقل من شهر أكثر من ألفين من المسلمين ويهجَّرُ أكثر من تسعين ألفاً وهذا لا يحرك ضمير أغلب هؤلاء؟!.

بالرّجوع إلى الحوادث التّاريخيّة في القتل حرقاً نجد أنّ هذا الأسلوب استخدم لقتل الأعداء، وتمّ استخدامه كأشدِّ أنواع الإيذاء للخصوم وإنهائهم نهائيّاً عن وجه الأرض بحيث لا يتبَقّى لهم أيّ أثر، وهو يعبّر عن نفسيّات حقودة تحوي في داخلها عقد كثيرة خطيرة، ولا يمكن اعتبار منفّذي مثل تلك الجرائم بأنّهم بشر أصحّاء نفسيّاً.

فسيّدنا إبراهيم عليه السّلام قام قومه بمحاولة حرقه بعد أن حطّم أصنامهم وأبان عجزهم أمام حجّته في الدّعوة إلى الله، وقالوا ( حرِّقوه) وفعل التّحريق يتناسب مع فعل الاستمرار في الجريمة مع الأخذ بالحسبان عامل الزّمن والعذاب المتوقّع من الحرق خلال هذا الزّمن بعكس الحرق، فالتّحريق لإنسان على قيد الحياة يهدف لتعذيبه حتّى الرّمق الأخير من الحياة وإحالته بعد ذلك إلى رماد، ويقول اليهود أنّ عنصريّة وجنون هتلر دفعه لحرق اليهود والغجر في أفران للغاز، وبالرّغم من أنّ هناك من ينفي ذلك الكلام إلا أنّنا لسنا بوارد مناقشة ذلك في هذا المقال، ولكنّ الحركة الصّهيونيّة وقعت في خطايا الحرق أيضاً، فحرقت عصاباتها صاحب مخبز قرية دير ياسين وولده من آل الشّريف في بيت النّار وهم أحياء، وقام متطرّفون هندوس بإحراق مسلمين ومسيحيين أحياء في الهند قبل سنوات، وفي عدوان إسرائيل على قطاع غزّة عام 2008م أحرقت مئات الفلسطينيين بالفسفور الأبيض، وذُكِرَ أنّ القذّافي وزعيم عربي آخر ومليشيات الكتائب اللبنانيّة كانوا يحرقون خصومهم السّياسيين بإلقائهم في آبار من حامض النّايتريك،  وفي سوريا يتلِذّذ زبانية بشّار الأسد في إحراق معارضيه وهم أحياء، ولن يتّسع المجال لعدّ كافّة حالات الحرق على خلفيّات سياسيّة ودينيّة وعرقيّة واجتماعيّة.

وبالعودة إلى بورما، من الممكن إسقاط تلك الحالة على ما جرى مع سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، فأيّ مبرّر سيجده أشخاص يعبدون أصناماً لا تضرّ ولا تنفع ولا يمكن أن تحمي نفسها من الأذى، وكيف سيقارنون أنفسهم بمن يعبد الله الواحد القهّار مقابل من يعبد صنماً يصنعه بيده؟.

ومن الممكن أن تّسقط على الحالة الألمانيّة والحالة الصّهيونيّة ونظرتهما للأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة وخوفهم منها، مع أنّها لا تشكّل تهديداً إلّا في مخيّلة العقليّة العنصريّة الّتي تبحث دائماً عن صورة لا تنوّع فيها وعالم لا يشمل إلا عرق أو دين أو شعب معيّن، فالمشترك بين كافّة الأمثلة السّابقة ناتج عن رفض مطلق للآخر وتربيّة عنصريّة فاشيّة، لا تنظر لتكامل وتعاون وتعارف وإعمار مشترك للأرض، بل ترى نفسها عرقاً أو ديناً فوق الأعراق والأديان والشّعوب، ولهذا نرى تعبيرات هذه التَّنشِئَة في تلك المجازر الدّمويّة وعمليّات الحرق الإجراميّة الّتي لا تريد أن ترى ضحيّتها تُوَسَّدُ في قبر، ولذلك نرى أنّ الإسلام تحدّث عن حالة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، وتحدّث عن حالة أصحاب الأخدود، ليقدّم للمسلمين العبرة في الصّبر والثّبات لأنّهم سيعيشون حالات مشابهة، وحتّى يردعهم عن ارتكاب أفعال مماثلة، ولذلك لا نرى في تاريخ المسلمين ما يفيد بارتكابهم لمثل تلك الجرائم.