الإخوان المفترى عليهم!!

حسام مقلد

الإخوان المفترى عليهم!!

حسام مقلد *

[email protected]

لا يجد كثير من المراقبين والمحللين السياسيين تفسيرا منطقيا لحالة الاحتقان السياسي والضبابية والاضطراب التي أدخلنا فيها القائمون على تسيير المرحلة الانتقالية، سوى التأكيد على أن ذلك كله من فعل فلول النظام السابق وبقايا منظومة الفساد المتغلغلة في الدولة المصرية ومحاولات قوى الثورة المضادة إجهاض ثورة 25يناير المباركة والإجهاز عليها وإعادة إنتاج النظام السابق بوجوه مختلفة وثوب جديد.

ولكن ذلك لا يلغي مسئولية الأحزاب والقوى السياسية ودورها في وصولنا إلى الوضع الراهن الذي نعاني منه؛ فالقضية كانت واضحة جدا لا لبس فيها، فقد ثار المصريون على الظلم والفقر والجهل والحرمان، وأرادوا بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وكانت أهداف الثورة شديدة الوضوح: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية، ولم تكن معركتنا مع الإخوان المسلمين، ولا مع السلفيين، ولم تكن مشكلة مصر وجود صراع أيديولوجي بين الإسلاميين والليبراليين والعلمانيين، ولم تكن مخاوف المصريين في يوم من الأيام الخوف من هيمنة الدولة الدينية؛ فالمفهوم الغربي الثيوقراطي للدولة الدينية ليس مطروحا أصلا في الإسلام، مشكلتنا كانت مع الفقر والقهر والظلم والحرمان من حقوقنا الأساسية، فمن الذي استدرجنا إلى هذا النفق المظلم الذي حُشِرنا فيه؟!

في الحقيقة لا تتوقف الآلة الإعلامية الجبارة في مصر عن شيطنة الإخوان المسلمين، وتزييف وعي المصريين وترويعهم وتخويفهم بالدمار والخراب القادم على أيدي الإخوان، وكأن الشعب المصري كان مترفاً ومنعماً وغارقاً في كل ألوان الرفاهية، ومتمتعاً بالحرية والديمقراطية، وأن هؤلاء الإسلاميين سيأتون ليحرموه من ذلك كله!!

والأغرب والأعجب أن دعاية الفلول الانتخابية تدعونا وترغبنا في انتخاب شفيق لماذا؟ هربًا من الإخوان الذين سرقوا الثورة!! وكأن شفيق وفلول مبارك هم من قاموا بالثورة وليس شباب مصر وفي القلب منهم شباب الإخوان، وكأن شفيق هو من حمى الثوار يوم معركة الجمل وليس الإخوان المسلمين!! والمحزن حقا انخداع البعض بهذه الدعايات المضللة وتجاهله التام لدور الإخوان البطولي في الثورة ودورهم المحوري في الحركة الوطنية المصرية بشكل عام.

وإذا سألت أحدهم عن سبب منطقي واحد يسوِّغ خوفه من الإخوان عجز عن ذكر أي شيء محدد وردد الكلام المرسل والاتهامات الباطلة والادعاءات الكاذبة التي تروجها وسائل الإعلام المضللة التي يسيطر عليها أرباب النظام السابق، وعندما تطلب منه ذكر وقائع محددة تثبت ما ينسب للإخوان من شرور وموبقات لا يأتيك بشيء، بل يقرُّ ويعترف أنه يحترم الإخوان على المستوى الشخصي، ويؤكد لك أنهم أفضل من تعامل معهم كجيران وزملاء في العمل وكذلك في النقابات والشارع...إلخ، فإذا سألت: إذن أين تكمن المشكلة تحديدا؟ وما الذي جربناهم فيه ثم خذلونا؟ فلا تجد سوى نفس الخطاب الذي تردده كل وسائل الإعلام حاليا من أنهم ركبوا الثورة، وانحازوا لأجندتهم ومصالحهم... إلى آخر هذه الادعاءات والمزاعم التي يعرف الجميع أنها افتراءات كاذبة ومزاعم باطلة؛ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمنح أحدٌ نفسه الحرية الكاملة وحق الاجتهاد في اختيار وتحديد قراراته السياسية في المواقف المختلفة ثم يسلب الآخرين نفس هذا الحق، ويجبرهم على الالتزام بقراراته هو وإلا عدَّهم خائنين للثورة منقلبين عليها، فهذا المنطق يختلف جملة وتفصيلا مع أبسط مبادئ الحرية والديمقراطية التي ننادي بها جميعا الآن!!

وفي هذه الأوقات العصيبة واللحظات الحرجة ينبغي أن نكون منصفين وموضوعيين وعادلين مع أنفسنا ومع الآخرين من أجل مصلحة وطننا العظيم مصر، وأعتقد أن من الضروري الآن المبادرة إلى القيام بالآتي:   

1.    الاعتراف الصريح الواضح بأن الإخوان المسلمون جزء أصيل من المجتمع المصري، وأنهم أكثر فئة عانت من ظلم وبطش النظام السابق، ومن أشد الظلم عند الله تعالى وعند الناس أن يفتري أحد البهتان ويسوي بين الإخوان وبين الفلول، ومن السخف والبجاحة أن يدعي أحد أنهم هم النظام السابق!!

2.    ينبغي لكل قوى الثورة أن تجهر بما تمليه عليه ضمائرها وتؤكد على حقيقة كون الإخوان المسلمين شريكا أصيلا في ثورة 25يناير المجيدة، ولولا فضل الله ثم جهودهم البطولية التي اعترفت بها كل القوى السياسية لما نجحت الثورة، فمن الجحود نكران دورهم، ومن الظلم وافتراء الكذب اتهامهم بأنهم سرقوا الثورة وقطفوا ثمارها!!

3.    من المهم جدا في هذه اللحظة الحاسمة أن نوقن جميعا بأن معركة الشعب المصري الآن ليست مع الإخوان المسلمين، وإنما هي مع الفلول وبقايا الحزب الوطني المنحل، ولنثق في أن كل من يصور الوضع الآن ويسوقه لنا على أنه اختيار بين: السيئ والأقل سوءا، أو اختيار بين القاتل ومن أخفى سلاح الجريمة، أو بين الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر ـــــــــ كل من يفعل ذلك من الإعلاميين (وغيرهم...) فإنما يرتكب أبشع جريمة في حقنا نحن المصريين؛ لأنه يمارس ضدنا عملا قذرا يهدف إلى تزييف وعينا وتشويه إدراكنا، ويتلاعب بمشاعرنا وعواطفنا، ويتاجر بأحلامنا وآمالنا، ويستخف بنا ويتعامل معنا وكأننا قطيع من الأغنام، وينبغي أن نلقن كل هؤلاء درساً لا ينسى ونوقفهم عند حدهم... !!

4.    يجب أن نقرَّ بأن فوز الإخوان في انتخابات مجلسي الشعب والشورى والنقابات (وفوزهم بإذن الله في انتخابات الرئاسة) أمر شرعي جاء نتيجة فعل حر وديمقراطي مارسه الشعب المصري، وهو كذلك ثمرة عمل دؤوب وتنظيم جيد، وعلى الجميع الاعتراف بذلك والاستفادة منه لإثراء الديمقراطية الوليدة في مصر.

5.    إذا كنا صادقين في البحث عن توافق وطني حقيقي فلنتوقف فورا عن شق صفوف الجماعة الوطنية المصرية وتمزيق وحدتها بسبب التنافس والصراع على المصالح الشخصية، ولنمتنع فورا عن تخوين الآخرين، ولنبدأ بمطالبة أنفسنا بالتجرد والإخلاص والعمل البناء من أجل مصر.

6.    لنتوحد جميعا خلف مرشح الثورة الدكتور محمد مرسي الذي ينبغي أن يكون نقطة التقاء جميع القوى السياسية والرموز الوطنية؛ لمواجهة مرشح الفلول ومن خلفه من القوى المحلية والإقليمية والدولية المعادية لمشروع النهضة المصري المستند إلى المرجعية الإسلامية.

7.    لنثق في قدرتنا على الفوز بإذن الله تعالى في معركة الانتخابات القادمة، فرغم الجهود المضنية التي بذلها الفلول في الجولة الأولى ورغم عمليات التزوير وشراء الأصوات وحملات الترويع والتضليل... رغم كل ذلك فشلوا في الحصول على أكثر من 24٪ فقط من أصوات الناخبين، وإن شاء الله سيكون حشد الجماهير للتصويت، وإقبال 60٪ فأكثر من الناخبين كفيل بنسف كل جهود ومحاولات الفلول للتزوير، علما بأنهم يتحركون في نطاق ضيق للغاية، فقوتهم الأخطبوطية على التزوير لم تعد كما كانت عليه عام2010م.

8.    نتمنى أن تكون الجماعة الوطنية المصرية من الليبراليين والإسلاميين قد وعت الدرس جيدا وأدركت أن وحدة الصف واجتماع الكلمة هما من أهم أسباب الفوز بإذن الله تعالى، ويجب أن نثق في بعضنا البعض، فالجيش الذي يخوِّن أفرادُه بعضهم بعضا يحكم على نفسه بالهزيمة والفشل، ومن هنا ينبغي أن يبادر الجميع بتكوين ائتلاف وطني جامع؛ إذ لم يعد هناك مزيد من الوقت للمناورات السياسية، فهل نفيق قبل فوات الآوان؟!!

               

 * كاتب إسلامي مصري