مجلس تأسيسي لإطلاق الحوار أم لفرض شروط الاستسلام

حسان القطب

لبنان: مجلس تأسيسي

لإطلاق الحوار أم لفرض شروط الاستسلام؟

حسان القطب

في نهاية الأمر أدرك حزب الله أن نظام الأسد إلى زوال وأدرك ان قدرته على المواجهة قد بدأت تضعف، وأن نظام الرعب والإرهاب الذي يتحكم بمصير سوريا وشعب سوريا ومحيطها من الدول المجاورة لم يعد قادراً على إخافة شعبه الأعزل وترهيب مواطنيه الراغبين في تحقيق التغيير، فكيف بالشعوب المجاورة..؟؟ واقتنع أخيرا أن ممر السلاح لن يبقى سالكاً إلى ما لا نهاية..وأن شعار المقاومة والممانعة والصمود والتصدي لم يعد ساري المفعول ولم يعد يقنع حتى الأطفال الصغار، فتم اغتيالهم وقتل براءتهم وهم في أحضان أمهاتهم، في بلدة الحولة كما في كل سوريا عقاباً لهم..؟؟ وقد اعتاد حزب الله وشركاؤه في لبنان وعلى رأسهم بري وحركته أمل أن يفاوضوا الجميع مستندين إلى نظام سوريا ورعاية إيران، وسلاحهم في كامل الجهوزية، وميليشياتهم على أهبة الاستعداد مع دعم غير محدود من قيادات أمنية لا ترى إلا بعينٍ واحدة..

ولكن الحال تغير اليوم..وخريطة المواقع وموازين القوى غير مستقرة ولا تبشر قوى هذا الفريق بخير.. وكما يبدو التخبط والتردد والتشاؤم والتلعثم هو اللغة السائدة على ألسن قياداته السياسية والإعلاميه، والواقع المتهاوي والمتهالك لهذا الفريق جعلته يفقد القدرة على اتخاذ قرار حر، وموقف مستقل..وهو المرتبط بنظام ديكتاتوري نراه اليوم يترنح محتاراً بين السقوط عميقاً في الهاوية، أو الهبوط إلى الحضيض..

من منا لا يدرك أن حزب الله هو جزء من الآلة العسكرية الإيرانية وهذا ما يقوله مسؤولون إيرانيون تصريحاً لا تلميحاً، وأخر تصريح من هذا القبيل ما ذكره الجنرال يحيى رحيم صفوي، الذي كان حتى 2007، قائد الحرس الثوري الإيراني حين قال: ( أن «كل الأراضي الإسرائيلية هي في مرمى صواريخنا»، مشيرا إلى أن «حزب الله اللبناني (حليف إيران) الذي يملك آلاف الصواريخ سيوجهها على الأرجح ضد النظام الصهيوني» إذا هوجمت إيران). ولذلك فقرار نزع السلاح أو بقائه هو بيد من قام بتصديره لهذا الحزب عبر الحدود ومن يرسم له سياساته أيضاً لاستخدام هذا السلاح..؟؟ لذلك حين جاءت دعوة الرئيس سليمان لمعاودة إطلاق طاولة الحوار لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية ووضع آلية لضبط السلاح وعمل الميليشيات وافق عليها حزب الله مبدئياً آملاً أن يرفضها الفريق الأخر..فلا يتحمل حينها مسؤولية تعطيل الحوار أو إفشاله..؟؟ ولكن لما رأت إيران أن الرغبة الدولية والعربية هي في إطلاق عجلة الحوار لضمان استقرار لبنان وتحصين سلمه الأهلي مما يعني أن النهاية الحتمية لهذا الحوار ستكون في نزع أو على الأقل ضبط سلاح حزب الله، بعد توقف طرق الإمداد الإيرانية عبر سوريا، لذا جاءت الأوامر من إيران برفع سقف المطالب السياسية قبل مباشرة الحوار وقبل انعقاد المؤتمر حول الطاولة المستديرة أو المستطيلة لا فرق لتطال أسس الكيان برمته تلك العناوين السياسية التي طرحها نصرالله في خطابه الأخير لمناقشتها والاتفاق عليها.. وهذا ما معناه المطالبة أو طرح فكرة إنشاء مجلس تأسيسي، وقد سبق أن استفاض السياسيين والصحافيين في مناقشة هذه الفكرة ومعناها وتوقيت إطلاقها والإعلان عنها فلا ضرورة لإعادة مناقشتها..

فهم حزب الله وراعيه الإيراني أن التغيير الحاصل في الخريطة السياسية محلياً وإقليمياً معناه انحسار بل انهيار الهلال الإيراني في المنطقة، ونتيجته الحتمية أفول نجم الشعارات والعناوين الثورية الإيرانية التي تحمل عبارات طموحه ولكن في حقيقتها تخفي في طياتها أطماع قومية فارسية وتحمل في جنباتها مفاهيم دينية مذهبية، تؤسس في حال سيطرتها لصراع خطير في المنطقة قد يستمر لأجيال قادمة في حال اندلاعه، وقد يتسبب أيضاً بحالٍ دموية وانقسامات خطيرة بين مكونات شعوب المنطقة المتداخلة والمنتشرة في كيانات ودول متعددة لفترة عقود مقبلة..

يستند حزب الله في حركته السياسية إلى سلاحه الغزير وميليشياته المنتشرة في معظم الأراضي اللبنانية إلى جانب ميليشيات حلفائه، ليشكل حالة ضغط على الحكومات الحالية كما كان الحال مع الحكومات المتعاقبة، وبما أن طاولة الحوار ستناقش مشكلة ومسألة السلاح بكافة مسمياته وعناوينه ولتحدد دوره وأهدافه محلياً ووطنياً وليس إقليمياً ودولياً كما الحال اليوم، وبما انه بدون هذا السلاح وهذه اليد العليا لن يستطيع حزب الله أن يفرض طريقة وشكل الحوار ولا عناوينه كما نتائجه على الحاضرين كما على اللبنانيين، ولا أن يخدم المصلحة الإيرانية في المنطقة والتي شرح لها لنا أهم أهدافها الجنرال صفوي وهذا هو الأهم .. لذلك كان لا بد من إرباك الدعوة إلى الحوار كما المتحاورين، لذا وجد الراعي الإيراني ضرورة رفع سقف المطالب السياسية ليطال البنية الأساسية للنظام وكيفية توزيع المناصب والمواقع السياسية والأمنية والإدارية، وصولاً لتطبيق المثالثة  في توزيع السلطات في لبنان وجعلها دستورية والتي كان قد سبق أن طرحها المفاوض الإيراني في لقاءٍ باريسي منذ سنوات رغم نفيها لاحقاً..ربما لأن الوقت حينذاك لم يكن مناسباً.. وتمت بعدها تنفيذ تجربة موضعية سميت بالثلث المعطل في حكومة الاتحاد الوطني التي تم تأليفها عقب اتفاق الدوحة.. أما الآن والمنطقة تمر في مرحلة انتقالية سريعة ومتسارعة، والانتظار أو التريث لا يفيد مطلقاً فلا بد من استغلال أخر مواقع وعوامل القوة التي يمتلكها حزب الله، وهي سلاحه، لفرض جدول مفاوضات جديد بل شكل مختلف للمفاوضات في تركيبته وعناوينه حيث طرح نصرالله  إلى جانب اشتراك السياسيين ضرورة مشاركة رموز من(نقابيين، قضاة، أساتذة جامعات وغيرهم) وهذا التوسع في الشكل لا يخدم الحل ولا تسريعه بل سيزيده تعقيداً حين يتم بحث شكل الدولة وعناصرها الأساسية ومضمون سلطتها ودورها وحصص مكوناتها، ويحدثك بري عن إلغاء الطائفية السياسية ونصرالله عن بناء الدولة.....؟؟

لذا يمكن القول.. أن إقامة أو إنشاء طاولة الحوار في أساسه منذ عام 2006، وحتى آخر حوار تم عقده في قصر بعبدا برعاية رئيس الجمهورية سليمان.. كان الهدف منه شراء الوقت وانتظار الوقت المناسب والظروف الإقليمية المؤتية للانقضاض على الدولة..لذلك امتنع فريق إيران وسوريا في لبنان عن المشاركة في الحوار حين ظنوا أن يدهم هي العليا في المنطقة بعد إسقاط حكومة الرئيس الحريري.. أما وقد تغيرت الظروف الإقليمية والأوضاع الدولية وحتى المزاج الشعبي في لبنان على أثر أحداث الطريق الجديدة والشمال اللبناني.. فقد وجد حزب الله نفسه مدفوعاً من النظام الإيراني الذي يطالبه بضرورة استثمار عوامل قوته الآن قبل الغد في طلب إنشاء مجلس تأسيسي لدراسة وضع لبنان الكيان وإعادة تركيبته بطريقه مختلفة، وحينها يكون هذا المجلس التأسيسي في حال إطلاقه ليس مجلساً لبدء حوار موضوعي يجنب البلاد والعباد شر الفتنة والانقسام، بل مجلساً لفروض شروط الاستسلام على باقي مكونات الوطن، كون حزب الله وحليفته أمل مزودين بالسلاح وهم على طاولة الحوار..(كما كان الحال حين فاوضت الولايات المتحدة اليابان غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية).. وهذا ما يفتقده الفريق الآخر المحاور في لبنان وهذا هو حالهم، رغم أنهم يملكون فقط الرغبة في بناء لبنان السيد، الحر، والمستقل، ولكن مع الأسف هذا بالتحديد ما يعوزه فريق حزب الله وأمل.. ويبقى أن نعرف أن أهم شروط نجاح الحوار هو تساوي المتحاورين في القوة كما في الرغبة.. ولكن كما يبدو فإن كليهما مفقود على هذه الطاولة.. كلً بحسب ظروفه.. وقناعاته...؟؟