كلمة للحق إلى الرئيس الجديد
كلمة للحق إلى الرئيس الجديد
أ.د/
جابر قميحةإن الشعب المصري في انتظار أن يقول كلمته النهائية فيمن يختاره رئيسا لهذا الشعب .
والعاقل من اقتدى واهتدى بأصحاب العزة والقدرة والشموخ من سلفنا الصالح.
وفي تاريخنا كان عمر بن عبد العزيز هو خامس الخلفاء الراشدين . وقد حكم لمدة ثلاثين شهرا كانت كلها عدلا وإنصافا ورخاء ، فلم يكن هناك محتاج لدينار أو درهم واحد من الزكاة ، أو ميزانية الدولة ، يستوي في ذلك المسلمون ، وأهل الذمة من يهود ونصارى ، ويروى أنه كان يأمر بأن ينثر الحب على رؤوس الجبال ، فتلتقطه الطير ، وكان يبتسم ويقول :
"... حتى إذا ما مرت ببلاد أخرى قالت أطعمني المسلمون من طعامهم " .
ويروى أنه عندما تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بدأ بأهل بيته ، فأخذ ما كان في أيديهم ، وسمى ذلك " المظالم " . ففزعت بنو أمية إلى فاطمة بنت مروان عمته - وكان يعزها ويكرمها - وسألوها أن تكلمه فيما اعتزم فقال لها : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلك طريقاً . فلما قبِض سلك أصحابه ذلك الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلما أفضى الأمر إلى بعضهم جره يميناً وشمالاً ، وأيم الله لئن مُد في عمري لأردنه إلى ذلك الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ) .
وقد توفي عمر بن عبد العزيز في الخامس والعشرين من رجب سنة 101 ه بدير سمعان ، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وبضعة أيام وبوفاته آلت الخلافة إلى يزيد بن عبد الملك .
وعاش عمر – رضي الله عنه – عيشة الفقراء ، كان يأتدم خبز الشعير في الزيت ، وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب ، ويقول لأطفاله : " هذا خير من نار جهنم ".
ومن أشهر ما يروى أن أحد الولاة أرسل إليه يطلب مالا لإقامة سور يحصن به المدينة خوفا من غارات الأعداء . فكتب إليه عمر : " حصنها بالعدل ، واحمها من الظلم " . لأنه يعلم أنه لا قيمة لسور حول قلوب مخلوعة ، ونفوس هزها الظلم والاستبداد .
أما النفوس التي تتمتع بالعدل والحرية ، فإنها تبادل حاكمها حبا بحب ، وتنظر إلى وطنهم على أنه في داخل قلوبهم ، وليس بنيانا من حجر وطين .
فالسور لا يفيد قوما ذوي شخصيات منخورة ، وقلوب مهزومة ، وقيم متآكلة وصدق خليل مطران إذ قال :
فأبر من تضييق دنياهم به = أن ترحُبَ الدنيا بهم ما ترحبُ
لا يعصم الأمُمَ الضعيفة فَطرة = إلا فضائل بالتجارب تكسبُ
فتكون حائطها المنيعَ على المدى = وتكون قوتها التي لا تغلبُ
*********
واقتداء بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ، نقول للرئيس القادم :
" إن عليك أن تكون عادلا ، منصفا ، لكل طبقات الشعب بصرف النظر عن ديانته وحسبه ونسبه ، وأن ترعى الله في سلوكك وأعمالك وأقوالك، وتكون قدوة حسنة للشعب في مأكلك ومشربك ومسلكك . فإن وطننا محط أنظار أعدائنا من صهاينة ، ومطمع للسير في ركاب الاستعمار الأمريكي والخضوع لإرادته وتوجيهاته .
وفقك الله ، وألهمك الحكمة والرشاد ، وحُسْن إدارة شئون مصر كنانة الله في أرضه ، ففيها خير جنود الأرض .
*********
وصدق الله العظيم إذ قال : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " النساء (58) .