محطَّاتٌ ينبغي التوقف عندها

محمد عبد الرازق

محطَّاتٌ ينبغي التوقف عندها

محمد عبد الرازق

كثيرة هي نقاط الانعطاف التي حدثَتْ في الثورة السورية، غير أنَّ ما يستوقف المتابع منها ثلاثُ محطات حصلت مؤخرًا، حريٌّ بنا أن نستفيد منها:

1ًـ الانتصارات الميدانية للجيش الحرّ: لقد أعادت جملةٌ من المكاسب حققها الجيش الحر على الأرض ثقةَ الناس به، بعد أن غيَّر تكتيكه في أعقاب ما حصل له في بابا عمرو، و مدينة إدلب، و يعزى السبب في هذه المكاسب لأمور عدة، من أبرزها: تنظيم صفوفه، فلم يَعُد يقبل أن ينتظم فيه سوى الأعمار من ( 17ـ 35سنة)، و بموجب ذلك تكفَّل لهؤلاء براتب شهري محدد ( 9000ليرة، لمن هم في الصفوف الخلفية، و ثلاثة أضعافها لمن هم في الميدان)، و قد ساعد هذا على حصر السلاح في طائفة مؤهلة و معروفة لديه، عوضًا عن فوضى السلاح التي صاحبت تصاعد الثورة، و تبيَّنت نجاعة هذه الترتيبات في المنازلات التي خاضها مؤخرًا، و منها ما كان في ريف إدلب الشمالي في معارك( باب الهوى، كفر كرمين، الأتارب)،  و هي جولات يقدِّر المراقبون أنها ستغير مسار الحسم العسكري في قابل الأيام.

ً2ـ المراجعات النقدية السياسية للمعارضة: و قد تمثلَتْ فيما حصل على مستوى المجلس الوطني من انتخاب لرئيسه، ثم استقالته، و ما تبع ذلك من حراك سياسي في صفوف الثورة الداخلية، و الخارجية؛ ممَّا أشعر تلك القوى المعارضة أنها ليست ممنوحة صكًا على بياض في التحدث باسم الثورة السورية، و أشعر الدول القريبة و البعيدة أن عليها أن تعيد قراءة المشهد مرة أخرى، و تتعامل مع الحراك الشعبي بإيجابية أكثر؛ و إلاَّ فإن الثوار على الأرض قد يلجؤوا إلى خيارات لا تخدم مصالح تلك الدول كثيرًا، فهم وقود الثورة، و رافعتها الأساسية و على الآخرين أن يتساوقوا معها؛ و إلاَّ فإنَّ لكلٍّ حساباته، و إذا ما تغيرت دفةُ شراع الثورة فالرياح ستقودها صوب محطات أخرى، و عندها لا ينفع التلاومُ  أصحابَه.

ً3ـ مجزرة أطفال الحولة الرهيبة: و هي مجزرة حَزّت فيها سكاكينُ عصابة من المجرمين الطائفيين أعناقَ خمسين طفلاً، وأربعين حرّة، وما سمعنا لعامة "عقلاء" الطائفة العلوية صوتًا، يتكلَّفون فيه عناء الشجب والاستنكار. لقد أفقدت الصدمةُ السوريين حسّ اللباقة الذي يتمتعون به، وإنهم لَمعذورون.

ومع ذلك أرى أن يتداركوا الأمر، و يتوجهوا بالشكر للطائفة العلوية الكريمة؛ لأن بعضًا من مُجرميها ذبحوا مئة من أطفالنا ونسائنا في الحولة، و كانوا قد فعلوا الشيء ذاتها في الأيام الخوالي عندما أرسلوا "مندوبين" عنهم إلى قرانا في (حمص، و حماة، و إدلب) ، كل ذلك و الثورة محافظة على توازنها، و لم تسمح لهم أن يأخذوها إلى المربع الذي يريدونه ( الحرب الأهلية).

لقد أثمرت هذه المحطات الثلاث جملة من المواقف، و المتغيرات صبَّت في صالح الحراك الشعبي، فهاهي حملة طرد السفراء قد بدأت، و قبلها التصريحات التي أدانت هذه الجريمة الشنعاء، وقد غلب عليها الحسُّ الإنساني بعيدًا عن الحسابات السياسية، حتى وصل الأمر بـأمين عام حزب الله، و رئيس إسرائيل، و رئيس وزرائها أن يلتقوا في إدانتها في تطور لافتٍ للنظر.

ولا يفوتنا أن نذكر بتصريحات كانت قد سبقت هذه المجزرة لحسن نصر الله عندما اِستشاط غضبًا في أمر المخطوفين ، و قد أخرج فيها مكنونات نفسه الخبيثة تجاه الشعب السوري؛ و لكن يبدو أنه في لحظة من الصفاء الإنساني عاد إلى رشده.

 و لذلك نرى أن على قادة الحراك الثوري في الداخل، و على أطياف المعارضة في الخارج أن يغتنموا  الفرصة مَّما حصل مؤخرًا، و يوجهوا الأمور نحو التعجيل في حسم المنازلة مع هذا النظام الآيل إلى السقوط، قريبًا إن شاء الله.