الرئيس القادم فرد أم جماعة
الرئيس القادم فرد أم جماعة
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
هناك عبارة متواترة أصبحنا نتعرقل فيها كلما اتجهنا خطوات نحو الديمقراطية ، وقد حملها الإعلام ومضى يرددها كما لو كانت مسلمة من المسلمات ، ككثير من العبارات التي تردد في الساحة الإعلامية الآن بهدف إيهام الناس بأنها حقيقة رغم أنه لا يوجد مسلمات في مجال السياسة ، فكل الأفكار محل خلاف
هذه العبارة هي " لا يجوز أن يحصد فصيل واحد كل سلطات الدولة " ويورد أصحاب هذه العبارة ومحلليها أسبابا قد تكون غير مقنعة للكثيرين ، من ذلك : " أن تجربة الديمقراطية في مصر وليدة ولم تنضج بعد " 00 " لا نريد أن يعود الحزب الوطني في شكل آخر " 00 " نريد أن يسود التوافق بين التيارات السياسية هذه المرحلة "
ونحن بدورنا نسأل هؤلاء : هل هناك تجربة يقاس عليها ؟ ونقصد هل هناك ثورة قامت وتبعها انتخابات حرة نزيهه أفرزت فصيلا واحدا ثم قاد هذا الفصيل البلاد وكانت النتيجة الفشل ؟
وهل يتحتم علينا أن نتتبع سنن الذين من قبلنا حتى لا نشذ عن الخط المرسوم لنا ؟ 00هل يريد أصحاب العبارة السابقة أن نحذو حذو بعض الثورات كما حدث في الثورة الفرنسية مثلا حيث مرت بعدة مراحل في الحكم بدأت من الملكية الدستورية التي لم تنجح ثم تحولت إلى النظام الجمهوري ثم تحولت إلى النظام الدكتاتوري بعد ذلك حتى استقر الأمر بعد سنوات طويلة عاش فيها من عاش ومات من مات
ومن مبررات أصحاب العبارة أن الشعب المصري نسيج مختلف الألوان ، ويجب أن تتوزع السلطات بين الفصائل المختلفة حتى يحدث التوازن ، ولا يجوز للتيار الإسلامي أن يستحوذ على كل السلطات ، مع العلم أن كل بلاد الدنيا نسيج مختلف الألوان ومع ذلك يحكمها فصيل بلون واحد
أعتقد أن هذه العبارة تطرح في الإعلام ناقصة والصيغة الصحيحة لها هي : " لا يجوز لفصيل يحمل معه مشروعا إسلاميا أن يتولى الحكم حتى ولو أتى عبر صناديق الانتخابات " 00 وبهذه الصيغة نفهم المغزى الحقيقي للعبارة ، فليست القضية قضية فصيل واحد يحكم ،ولكن القضية تحديدا هي : حرام على أصحاب المشروع الإسلامي أن يصلوا إلى الحكم
وقد يبادر البعض ويسأل 00 ما الفرق بين المشروع الإسلامي والمشروع المدني أو الليبرالي ؟
الفرق منهجيا : أن المشروع الإسلامي منظومة متكاملة قضيته المحورية الإنسان والاقتصاد جزء مهم فيه ، أما المشروع الليبرالي أو اليساري فقضيته هي الاقتصاد والإنسان جزء صغير فيه ، والفرق أيضا أن المشروع الإسلامي يستقي رؤاه من المنبع الإسلامي ، أما المشروع الليبرالي أو المدني يستقى رؤاه من غير المنبع الإسلامي
والفرق تاريخيا : أن مصر مع المشروع الإسلامي بقيادة صلاح الدين كان لديها الزعامة ، وقادت الأمة لفتح بيت المقدس ، ومع المشروع الإسلامي تكسر مد التتار على أسوارها ، ومع المشروع الإسلامي كانت قائدة الفكر والعلم ومنارة الدنيا ، والأزهر شاهد على ذلك ، أما المشروع الليبرالي بعد ثورة 19 لم يحقق لمصر شيئا ، وكذلك المشروع القومي اليساري بعد ثورة يوليو 52 الرأسمالي فيما بعد انتهى بوضع مصر في حالة من أسوأ لحظات تاريخها على الإطلاق
وفي هذا السياق يري البعض أن من الأفضل لمصر أن يأتي رئيس لديه القدرة على تجميع القوى الوطنية المختلفة في هذه المرحلة ، وقد يبدو هذا الرأي وجيها ، ولكن خلال الفترة السابقة فترة ما من بعد الثورة لم تستطع هذه القوى أن تجتمع حول كثير من القضايا ، والأغرب من ذلك أن المرشحين من التيار الواحد فشلوا في التوافق حول أحدهم ، فكيف يتحقق ذلك ، ولا ننسى أن أهم ما جناه الشعب المصري خلال فترة الرئيس المخلوع هي ثقافة الخلاف وليس ثقافة التوافق ، ونحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة حتى نستعيد هذه الثقافة
وإذا أتت الانتخابات برئيس ذو توجه ليبرالي أو يساري فلن يتوافق بالطبع مع برلمان ذو صبغة إسلامية ، وستنشأ حالة من الخصام توقف المسيرة ، وإذا جاء رئيسا من النظام السابق فسوف تكون الخصومة محتدمة ليس مع البرلمان فحسب بل مع البرلمان والقوى الثورية ، وفي هذه الحالة نعود إلى حالة ما قبل الثورة.