سورية الأسد إلى متى تغصّ بأعياد الشهداء؟

إبراهيم درويش

في عيد الشهداء:

سورية الأسد إلى متى تغصّ بأعياد الشهداء؟

إبراهيم درويش

syriakurds.com

[email protected]

وللحرّيّة الحمراءِ بابٌ      بكلّ يدٍ مُضرَّجة يُدقّ

شهداء السادس من أيار 1916م ، الذين قضوا على يد والي سورية التركي وحاكمها العسكري خلال الحرب العالمية الأولى جمال باشا السفاح في كل من دمشق وبيروت، ما عاد الحديث عنهم ذا نفع كبير في هذه الأيام، لا لأن هؤلاء الشهداء لا يستحقون الكتابة عنهم والإشادة بما قدّموا في سبيل بلادهم،ولكن لأن كثيرين وكثيرين قد كتبوا عنهم،وأشادوا ببطولاتهم وجُودهم بأغلى ما يملكون وهو روحهم ودماؤهم،فإن الألسنة كانت وما زالت تلهج بأسمائهم ودَورهم منذ عام 1916م وحتى يومنا هذا.

وقد تحدّدَ عيد الشهداء بالسادس من أيار بسبب إقدام جمال باشا في مثل هذا اليوم  ((  6 أيار 1916 ))على إعدام 14 وطنياً سورياً ولبنانياً في ساحة البرج في بيروت و7 في ساحة المرجة بدمشق،بتهمة الاتصال بسفارات دول أجنبية،والعمل على فصل البلاد العربية عن الدولة العثمانية،أي أنّ مجموع مَن أعدمهم السفاح في مثل هذا اليوم قد بلغ نحو واحد وعشرين مواطناً عربياً،لا غير. وقد شكّل استشهادُهم بداية النهاية للوجود التركي في البلاد العربية وإلى الأبد، واشتعال ثورة عربية عارمة شملت البلاد العربية في الجزء الآسيوي كله.

قلت:لن أتحدث عن تفاصيل ما جرى في مثل هذا اليوم،فقد أعطِي حقه من البحث،وأصبح من الأحداث التاريخية القديمة نسبياً

ولكني سأتحدث بشيء من الإيجاز غير المخلِّ عن شهداء سوريين سقطوا بأيدي أناس يُفترض بهم أنهم حُماة الوطن والمواطن لا قتلتُه وسفّاكو دمه،وليت عدد هؤلاء الشهداء توقف عند العشرات أو المئات ،بل حتى عند الآلاف،إذن لكان الخَطبُ هيّنأ،ليرى القارىء الكريم كم من أعياد للشهداء في سورية يجب أن تُخلَّد،وكم من الشهداء الذين قضوا طوال حكم الرفاق على امتداد وطننا الحبيب سورية؟!

لقد دشّن الرفاق عهدهم الأسود باقتحام مسجد السلطان في حماة خلال الأسبوع الأول من نيسان 1964م،ثم كانت هزيمة الخامس من حزيران،وبطلها المقبور حافظ أسد،الذي أصدر أوامره بالانسحاب الكيفي من القنيطرة والجولان قبل وصول العدو الصهيوني إليهما بثمان وأربعين ساعة انظر على سبيل المثال كتاب سقوط الجولان للضابط مصطفى خليل بريز)،وما ترتّب على هذا القرار،الذي يُعدّ خيانة عظمى بكل المقاييس،يستحق فاعلها محاكمة عسكرية وإعداماً على الفور،ولكنْ بدلاً من ذلك كوفيء بأن مُنح رتبة فريق وعُيّن رئيساً للجمهورية!!! 

لقد ترتّب على قرار أسد الخطير هذا فوضى عارمة في صفوف القوات المسلحة وسقوط آلاف الجنود شهداء،وانكسار نفسية العسكري السوري،وضياع الأرض العربية والسورية...إلخ.

ألا يستحق هذا اليوم أن يُحدَّد بعيد الشهداء؟وألا يستحق المتسبّبُ بهذه الهزيمة المنكرة الرجمَ في حال حياته وبعد موته؟وقد حصلت مجازر تقشعِرُّ لها الأبدان بين الانقلابيين،خلال الفترة الممتدة بين انقلاب الثامن من آذار وتاريخ تسلّم حافظ أسد لرئاسة الجمهورية أواخر عام 1970م،تارة بين البعثيين والناصريين،وتارة بين الأجنحة المتصارعة في صفوف البعثيين أنفسهم،وتارة ثالثة داخل الجناح الواحد من البعثيين (كما حصل بين الثلاثي الطائفي صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ أسد)،وتارة رابعة بين الضباط نتيجة الاتهام بالتخطيط لانقلاب وانقلاب مضادّ،بهدف إبعاد العناصر السنّيّة من الجيش،وهكذا. ألا تستحق هذه الفترة الخصبة والمظلمة من تاريخ سورية الدراسة المعمّقة،وتحديد أيام للشهداء فيها وتخليدها؟    

ثم كانت فترة الاعتقالات والمواجهات العنيفة بين السلطة والشعب،وحقبة الإعدامات بالجملة،أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين،وكانت فترة الإعدام المقنّن،منذ صدور القانون العار ذي الرقم 49 لعام 1980م وحتى تاريخ كتابة هذه السطور،وما جرى خلال الفترة الواقعة بين هذين التاريخين من مجازر وجرائم قتل فاقت في حجمها مجزرة عيد الشهداء يوم السادس من أيار بآلاف المرات.ويحسن أن نأتي على ذكر أبرزها:

*مجزرة جسر الشغور يوم 10/3/1980م واستشهاد 97مواطناً فيها.

*مجزرة سجن تدمر الصحراوي  يوم 27/6/1980م التي راح ضحيتها ما يزيد على ألف ومئة معتقل من خيرة أبناء الوطن.

*مجزرة سوق الأحد في حلب يوم 13/7/1980م التي راح ضحيتها 192مواطناً في السوق الشعبي.

*مجزرة حي المشارقة (أو مقبرة هنانو) في حلب صبيحة عيد الفطر يوم 11/8/1980م التي راح ضحيتها 86مواطناً.

*مجزرة بستان القصر بحلب يوم 12/8/1980م التي راح ضحيتها 35مواطناً.

*مجزرة تدمر النسائية يوم 19/12/1980م التي قام المجرمون خلالها بإعدام 120 امرأة كنّ رهينات عن أبنائهن أو إخوانهن المطلوبين.

*المجازر أو الإعدامات الأسبوعية (وبعضهم قال اليومية ) للسجناء السياسيين في سجن تدمر الصحراوي طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات.

*مجازر حماة التي مورست خلال الأعوام 1980 و1981 و1982،ثم توّجت بمجزرة حماة الكبرى في شباط 1982م،وكانت نتائجها مروعة بكل المقاييس وتفوق الخيال،إذ كان تدمير ثلث المدينة على أصحابها واستشهاد وفقدان أكثر من ثلاثين ألفاً من المواطنين وستة وثمانين مسجداً وستّ كنائس و...(ينظر على سبيل المثال كتاب حماة مأساة العصر).

*ما جرى يوم الثاني عشر من آذار عام 2004م في مختلف المناطق الكردية في سورية من قتل لعشرات المواطنين الكرد بدم بارد واعتقال مئات آخرين وتخريب ممتلكات مئات آخرين...

وإذا كبسنا على الجرح ملحاً ـــ كما يقولون ــــ وطوينا هذه الصفحات المؤلمة، ولن تطوى، وركزنا على أيامنا هذه، وبالتحديد منذ الخامس عشر من آذار عام2011م فماذا نجد؟

سنجد باختصار: أنه ما من يوم مضى من عمر الثورة السورية المباركة، وقد بلغ 403أيام، إلا ويسقط عشرات الشهداء من خيرة أبناء الشعب السوري، ويغيب يومياً في غياهب السجون والمعتقلات الأسدية العشرات بل المئات من المناضلين والمجاهدين الأبطال الشرفاء، ويسقط جرحى مضرجين بدمائهم المئات من الذين آثروا الموت على المذلة التي يحياها الشعب السوري على يد هذه العصابة المارقة الدموية المجردة من كل قيم الأرض والسماء، ناهيك عن عشرات الألوف من المفقودين والمشردين في دول العالم أجمع، وكم من بيوت سويت بالأرض على رؤوس أصحابها، وكم من أعراض انتهكت ونساء ترملت، وأمهات فقدت فلذات أكبادها...وما زالت المجزرة مستمرة، وما زالت آلة القتل الأسدية المجنونة تحصد كل يوم المزيد المزيد من أرواح الأبرياء الأطهار، دون أن يلوح في الأفق أي بارقة حل أو صحوة من ضمير أو رادع من أخلاق، سواء من حكام سورية المتعطشين لدماء الشعب هناك، أم من جانب حماة حقوق الإنسان والحيوان والبيئة والحجر والشجر!!

إننا نسأل ومعنا كل مواطن سوري شريف:ألا تستحق أي ذكرى من هذه الذكريات المرة والأليمة أن تُخلّد وتّعدّ يوماً للشهداء؟ ألا ينطبق على كل يوم سوري في ظل حكم آل أسد ما انطبق على السادس من أيار عام 1916م؟ أم أن حمزة لا بواكي له!!؟؟  

إذن كم من أعياد للشهداء في سورية الأسد؟وإذا كان جمال باشا ـ الغريب عن هذه البلاد ـ بإقدامه على إعدام نحو واحد وعشرين مناضلاً قد استحق لعنة التاريخ والأجيال،فماذا يستحق مَن أقدم على إعدام عشرات الآلاف من مواطنيه بدم بارد وبسادية ووحشية تترفّع عنها وحوش الغابة؟

ولكن ـــ أيها السوريون القابضون على الجمر، المؤمنون أن طريق الحرية يمر فوق قنطرة أجساد الأبرار من أبنائكم، كونوا واثقين بنصر الله لعباده، ولئن أغلق الشرق والغرب أبوابه وصمّوا آذانهم عن سماع استغاثاتكم فإن أبواب رب السماء والأرض قاصم الجبابرة مفتوحة، وقد أقسم سبحانه بعزته وجلاله أن ينصر المظلوم ويمكّنه من رقاب ظالميه ولو بعد حين، ويومئذ تعود للوطن بهجته وابتسامته وحريته، ويفرح المؤمنون بنصر الله.

ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.