المشهد الدولي عشيّة تدويل القضيّة السوريّة

محمد علي شاهين

المشهد الدولي عشيّة تدويل القضيّة السوريّة

محمد علي شاهين*

[email protected]

دخل الأمريكيون الأشهر الحاسمة من انتخابات الرئاسة، ووضع الرئيس أوباما استعادة الأمن الاقتصادى لجميع الأسر الأمريكية في مقدمة أولويّاته، وانشغل باستدراك ما فاته من وعوده لشعبه يوم تولّى الرئاسة الأولى، وفي مقدمتها التخلّص من إرث إدارة بوش الثقيل وذلك بالانسحاب من العراق وأفغانستان، والتحديات الاقتصاديّة المتمثّلة بأزمة أسواق المال، وخفض أعداد العاطلين عن العمل، وركّز في حملته على مدى عدالة قانون الضرائب الأمريكي، وتناسب الضرائب مع الدخل، وإصلاح القطاع الصحي، والدفاع عن نظام التأمين الصحي الجديد، وأكّدت المصادر الأمريكيّة أن الرئيس أوباما أوقف البت في القضيّة السوريّة وغيرها من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط إلي ما بعد الانتخابات،  ليتوفر له الوقت الكافي لاتخاذ سياسات جديدة تعكس رؤيته، واكتفت الإدارة الأمريكيّة بفرض مجموعة من العقوبات الاقتصاديّة وحظر السفر، وبجملة من التصريحات الناريّة لعدد من نساء الخارجيّة الأمريكيّة.

واكتفى الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في صدور مجموعة من العقوبات على أركان النظام كان آخرها: حظر صادرات المواد الفاخرة الى سوريا، وهو اجراء رمزي يستهدف نمط حياة الرئيس السوري بشار الاسد وعائلته.

وكان النظام السوري مطمئنّاً إلى أنّ دول المجموعة الأوروبيّة لن ترسل جيوشها لوقف المذبحة التي يرتكبها في وضح النهار، وخاصّة بعد تصريح راسموسين السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنّ الحلف لا يفكر في أي تدخل عسكري في سوريا، وإنه يفضل أن يتم حل المشكلة السورية في اطار اقليمي. 

وانشغل الروس بالاستعداد لمواجهة المظاهرات المطالبة بعزل بوتين عن الحياة السياسيّة، ووقف مهرجان الاحتجاجات على لعبة تبادل الرئاسة بين مدفيدف وبوتين، واستغلالهما تفكّك المعارضة الروسيّة، وعدم امتلاكها برنامجاً واضح المعالم في مواجهة اللعبة المكشوفة التي شكّلت إهانة للشعب الروسي، فلم يهتمّوا بتصويب موقف حكومتهم المؤيّد للنظام السوري، الذي ألحق ضرراً بسمعة الروس ومصداقيتهم، وعلاقتهم بالشعوب العربيّة.

وشغل الرأي العام الفرنسي عن القضيّة السوريّة باستطلاعات الرأي، والدعاية الانتخابيّة، والبرامج الحزبيّة، ثم بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة التي تمخّضت عن فوز فرانسوا هولاند مرشّح الحزب الاشتراكي، ونيكولا ساركوزي مرشح مجموعة من أحزاب اليمين بفارق بسيط بين المرشّحين، ثمّ بالاستعداد لخوض الجولة الثانيّة التي يتضاءل فيها حظ ساركوزي في الفوز.

واكتفت تركيا بتوفير الملاذ الآمن لآلاف العسكريين المنشقين، واستقبال المهاجرين عبر حدودها، وتوفير المخيّمات والطعام والماء، وفتحت أبوابها للمنظّمات الإنسانيّة لمساعدة المنكوبين وتخفيف معاناتهم، ودعت فصائل المعارضة لتوحيد جهودها، واعترفت بممثلي الشعب السوري، وغضّت الطرف عن نشاط المعارضة السوريّة المتواضعة في أراضيها، واكتفت بالتهديد والوعيد للنظام إذا واصل جرائمه ضدّ شعبه.

ووجدت إيران من ثورة الشعب السوري فرصة مناسبة للإسراع في برنامجها النووي، والدخول في النادي الذرّي، فأوقدت نار الحرب الأهليّة، وانحازت ضدّ الحريّة، ودعمت نظام الدكتاتور بالمال والسلاح والمقاتلين، وسعّرت الجحيم السوري بمزيد من الفتاوى الدينيّة لأتباعها في العراق ولبنان، فأفرغوا حقدهم الدفين وثاراتهم التاريخيّة على الشعب السوري الأعزل، ومن يقارن بين ممارسات شبيحة النظام وأجهزته القمعيّة وجرائم فرق الموت الصفويّة في العراق، يجد إيران ضالعة في جريمة قتل السوريين وتهجيرهم.

وواصلت إسرائيل مراقبة المشهد السوري بحذر شديد، ونأت بنفسها عن التدخّل في الشأن السوري الداخلي، خشية أن يكتشف العالمون سر هدوء جبهة الجولان كل هذه السنين الطوال، وكانت في شغل عن قضايا المنطقة ببناء المزيد من المستعمرات في الضفّة الغربيّة، وتهويد القدس، وإحكام قبضتها الأمنيّة على الشعب الفلسطيني، وبناء جدار على حدودها الشماليّة مع لبنان.

ولم تتورّع حكومة الميقاتي العتيدة المدعومة من حزب الله عن تسليم الفاريّين، وسرقة المساعدات الطبيّة المخصّصة لعلاج الجرحى والمصابين، ومصادرة الأسلحة الخفيفة للدفاع عن النفس.

ووجدها النظام السوري فرصة مواتية لممارسة المزيد من فنون القتل والتعذيب والتهجير، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وتفريغ مدن من سكانها، والإجهاز على الجرحي، والقيام بحملات اعتقال واسعة لشباب الثورة، وملاحقة نشطائها، وقطع الماء والكهرباء والاتصالات عن مناطق واسعة، وتدمير الاقتصاد الوطني، وتبديد الاحتياطي الذهبي، وتخلّى عن مسؤوليّته تجاه شعبه، وحرف الجيش عن مهمته الأولى في حماية الوطن، واستخدمه كأداة لقمع الثورة الشعبيّة التي تزداد مع الأيّام ضراوة واشتعالاً.

وهكذا استغلّ النظام عجز الجامعة العربيّة، وانقسام مجلس الأمن، ووقوف الأسرة الدوليّة المنشغلة بقضاياها الداخليّة متفرّجة على مشهد التدمير المنهجي والمنظّم بحضور طلائع المراقبين الدوليين، فلم يحترم وعوده بسحب الأسلحة من المدن، ولم يوقف آلة القتل، وكان يرتكب المجزرة تلو الأخرى، تحت دعوى القضاء على العصابات المسلّحة، ويتهم الثوّار بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، بينما القضيّة السوريّة تنزلق نحو التدويل.

ووجدها أعداء سوريّة فرصة سانحة للانتقام من الشعب السوري بسبب مواقفه الثابتة من القضايا الوطنيّة والقوميّة، وفي مقدمتها قضيّة الوحدة العربيّة التي اغتالها البعث العلوي بعد وصوله إلى الحكم، والتحرّر العربّي الذي أجهضه البعث، والقضيّة الفلسطينيّة التي تاجر بها النظام البعثي حتى الرمق الأخير، فأغمضوا أعينهم عمّا يجري في البلاد، على اعتبار أنّه شأن داخلي سوري.

وسكت الكهنة وانحاز البطاركة لنظام الأقليّة، ولم تنطلق مظاهرة واحدة مؤيّدة للثورة السوريّة من كنيسة شرقيّة أو غربيّة في طول البلاد السوريّة وعرضها، رغم بلوغ الثورة شهرها الرابع عشر، عشيّة تدويل القضيّة السوريّة.

               

* أديب سوري يعيش في المنفى