مفكر وسياسي وعسكري ومتظاهر
مفكر وسياسي وعسكري ومتظاهر
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
على طاولة مستديرة يجلس أربعة من الرجال , وكل الأنظار مسلطة على خارطة سوريا الجغرافية , المفروشة على الطاولة , وكل واحد منهم ينظر للحل بمفهومه الخاص والطريقة التي كان يتعاطاها مع الحراك الثوري السوري , ويرى في نفسه ,أنه هو الذي يجب عليه أن يقود الثورة , ففكره وتصرفه هو المنطلق السليم لنجاح الثورة .
بعد مناقشات حادة كانت قد جرت بين الموجودين , وبإصرار كل شخص على رأيه , وأنه هو الأولى للقيادة , وبالتالي وصلوا لطريق مسدود , خيم الصمت على الجميع , والرؤوس انحنت للأمام قليلاً , وأسبلت العيون وأصبح منظر الخريطة أمامهم مجرد ألوان متموجة ترتفع وتهبط , وكأن الزمن توقف في المكان وتوقفت الحياة .
كان سبب اللقاء أن الشعب السوري طلب منهم الاجتماع , والبحث عن حل , للخروج من الحالة السائدة الآن في سوريا , فهي تشبه لعبة شد الحبل , ولكنه حبل طويل يمسك فيه ملايين البشر , وكل ثانية يتم افتراس أشخاص من الطرفين , وتتساقط النفوس ولا يستطيع أحد الفريقين ترك الحبل , فكل فريق يشعر أنه لو ترك الحبل , لانتهى كل الفريق وانمحى عن الوجود .
السؤال هنا , من من هؤلاء الأشخاص الأربعة كان محقاً في رأيه , ومتفوقاً على الآخرين , حتى يكون هو القائد للمرحلة الراهنة والمرحلة الانتقالية ؟
فلو تطرقنا لكل واحد منهم بكلمات حتى نستطيع الوصول لنتيجة منطقية ومتطابقة مع ماتصبو إليه الثورة من طموحات آنية ومستقبلية .
فالمفكر يتعامل مع الأمور بصورة منطقية وواقعية , وعلى أساس صدقية التعامل مع الآخرين , ويكون عنده ميولاً عاماً للمثالية في التعامل مع الآخرين , وهنا يُنظر إليه أنه إنسان ضعيف , وبالتالي لايصلح لقيادة المجموعة .
أما السياسي فسينطلق من مفهوم عام للسياسة , بأنها علم وفن , وأنها فن الممكن كما عرفها افلاطون , في حين يرى مكيافيللي , أن الوصول للسلطة يجب أن لايرتبط بمعايير أخلاقية , فالغاية تبرر الوسيلة , فالسياسي يكون هدفه كما عبر عن ذلك البروفسور برناردكراك فيقول : بأن السياسة في أحسن حالاتها هي "نشاط أخلاقي للتوفيق بين الخلافات الاجتماعية والاقتصادية، ولبناء حكم المجتمع بدون الفوضى والإستبداد والعنف". (كراك، 1962).
فالوضع القائم الآن في سوريا يحتاج لسياسي , يمتلك العلم السياسي , وفن الممكن وأسلوب مكيافيللي , وحسب تعريف برنارد كراك . وحتى ينجح في مهمته هذه في عليه أن لايكون مرتبطاً بأي ايديولوجية حزبية , لأنه يمثل الشعب كله , وبهذه الصفة يملك حرية التصرف وبدون إملاءات حزبية مقيدة .
أما العسكري فلا يمكن أن يكون رئيساً للمجموعة , لأن الذي أوصل شعبنا لهذه الدرجة هو حكم العسكر , وبالتالي لايؤمّن جانب العسكر في توليه الحكم , ويجب أن يخضع للسلطة السياسية , ولكن نحتاج لقائد عسكري يدير الأمور الحربية والخطط العسكرية , لتجتمع كل القوى الثورية المناهضة للنظام تحت قيادة رجل واحد , فلا يمكن أن تنتصر ثورة أو ينتصر جيش إن كان لايتبع قيادة مركزية تتمثل في قائد واحد , فالقيادة الجماعية تكون فاشلة لامحالة .
والمتظاهر السلمي قد تجاوزته المرحلة , بعد أن أفرزت الثورة الجناح العسكري فيها .
نخلص لنتيجة بسيطة ومنطقية , وهي أن يكون الرئيس هو السياسي , والعسكري وزيراً للدفاع , والمفكر مستشاراً ومنظراً , والمتظاهر يمثل الشعب وحقوقه الحالية وفي المستقبل .
فلو استطاعت الثورة تشكيل هذه القيادة , وأدارت المعركة من على الشريط الحدودي , في حال استغل السياسي إمكانياته الفكرية والسياسية , وفن الممكن , وفن المراوغة والمساومة مع الدول وقادة الدول المؤثرة , فلن يمر وقت طويل حتى تنتهي لعبة شد الحبل , ويكون الكأس لمن يمثلون الثورة .