اخرج من البيت فمكانك ليس هنا

د.عبد الغني حمدو

اخرج من البيت فمكانك ليس هنا

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

قبل اسبوع من الآن كنت في مدينة انطاكيا التركية , نزلت في اليوم الأول في مكتب هيئة الاغاثة السورية , والمكون من ثلاث طوابق , الطابق السفلي يستخدم للجرحى الذين خرجوا من المستشفيات , بعد  أن تم علاجهم , وفي الطابق العلوي مدير المكتب واستقبال الزوار , بينما في الطابق الأوسط يستخدم لبعض الضيوف المهمين حسب قناعة مدير هيئة الاغاثة , فنمت في اليوم الأول في مكان أحد أقربائي الجرحى بعد أن عافاه الله وذهب للمخيم , وفي اليوم الثاني , طلب منا الشيخ المسئول عن الجرحى مغادرة المكان , وقال لي أحدهم يوجد طبيب من حماة يسكن في في الطابق الأوسط يمكنك أن تتشارك معه  , وبالفعل قضيت تلك الليلة هناك ,وفي اليوم التالي أمضيته في مخيم يلداغ , ثم عدت لنفس المكان .

اتصل أحد الأشخاص وطلب من الساكنين في الشقة مغادرة المكان , ليحل في المكان طبيبان قادمان من استنبول , البقية خرجوا فعندهم مكان يبيتون فيه ,وبقيت لوحدي , ظاناً أن المكان يتسع, فهم اثنان فقط , بحيث نصبح في الشقة ثلاثة .

وصل الضيفان في الساعة العاشرة ليلاً , وجلسنا سوية نتحدث وتعارفنا , وسألني الدكتور مصطفى , لأنني لااعرف نسبه عن وضعي ,فحكيت له مختصراً معبراً عن مأساتي الحقيقية , وأنني مادخلت بلداً إلا وكانت نهاية إقامتي فيها السجن والتسفير .

عند الساعة الحادية عشرة والنصف , جاء شخص اسمه عمر الكيلاني (أبو الحسنين ) وطلب مني الحديث جانباً على باب الشقة , وبكل لطف وأدب قال:

دكتور يجب أن تغادر البيت الآن , والسبب يوجد عندنا عمل خاص , فقلت له وأين أذهب؟  

أجاب هذا ليس بيت ضيافة , ينزل فيه من يريد

فقلت له لكننا رتبنا المكان بحيث يسعنا , قال لايهم عليك أن تخرج من البيت فوراً , فقلت له وهل يليق بك أن تطرد رجلاً بعمر والدك من البيت في هذا الوقت من الليل ؟

فقال اصعد ونم فوق , فقلت له لايوجد مكان , وقبل يومين رفضوا بقائي فيه إلى الصباح , وعندما أصر على موقفه .

دخلت وجمعت أشيائي , وسلمت على الموجودين , فقال لي الدكتور مصطفى إلى أين ؟

قلت له لاأعلم , قال ولما ذاهب , فقلت له إن عمر طردني , ويقول عندكم حديث خاص ومهم , فقال لا لن تذهب ولا يوجد عندنا شيء , وألحا على بقائي فقبلت , وطنشت كلام أبو الحسن .

الطبيب الفاضل الدكتور مصطفى من الباب التابع لحلب , من جملة ماذكره عن نفسه , بأنه يوجد له أخوين اثنين يعيشان في سوريا , ويلحان عليه دائماً بترك المجلس الوطني , وأموره ليست سيئة مع النظام الأمني في سوريا , ولكنه لم يقبل رأي أخويه .

ومن ثم خرجا لعيادة الجرحى ليعودا بعد الواحدة ليلاً لجلب حقائبهما, فسألت الدكتور مصطفى إلى أين ؟

قال لقد حجزا لنا في الفندق , الطبيب الثاني لم ينطق كلمة واحدة خلال حديثنا السابق .

وفي صباح اليوم التالي صب أبو الحسن جام غضبه علي , وقال أنت السبب , لقد حجزا في الفندق , والفندق غير آمن , فلو كان غليون لدعست رأسه بقدمي , ولكن هؤلاء أطباء قادمون لمعالجة الجرحى , فمن تكون أنت , حتى بسببك ينامون في مكان غير آمن ؟

عندها صحت في وجهه وقلت له ومن تكون أنت أولا ؟ فلوى لسانه وتمسكن وطلب العفو , والسماح بقالب عكسي كالمدح المقصود فيه الذم .

فالذي يحيرني في الأمر كمقارنة بسيطة , في بداية اعتقالي من قبل القوات الأمريكية والعراقية 2005, والتي اشتركت فيها الدبابات والمصفحات والمشاة , كان يمر علي في الزنزانة المحقق العراقي ويقول لي :

والله إنني أستحي أن أنظر إليك , فذك محقق عنده الصلاحية أن يمزق جسدي , يستحي أن ينظر في عينايا , وهذا ن الطبيبان خافا أن يناما في البيت الذي أنا موجود فيه ولو لساعات قليلة , منذ واحد وثلاثين سنة أمشي في طريق ماحدت عنه أبدا , ولم يعتب علي كل سجون الدول التي مررت أو سكنت فيها , وعائلتي لم ألتق فيها منذ تسع سنوات , وكل حياتي تشرد , وليس عندي مستقر في أي مكان , ومسجل كلاجيء في الأمم المتحدة , ومطلوب على قائمة التصفيات , وحضرات الأطباء لايناسبهم أن يناموا في بيت سأنام فيه , وعمر كيلاني , بعمر ابني يقول اخرج من البيت فلا مكان عندنا لأمثالك , من أجل عضو في المجلس الوطني , فمقامه عال يرتفع إلى السماء , وأنت من تكون ؟

الان فهمت معنى المقولة

الثورة يصنعها المثقفون , ويفجرها الأبطال , ويستفيد منها الأوغاد

هي وصية لأبنائنا الثوار الأبطال فوق تراب الوطن ,احذروا الأمر , وإياكم أن تجعلوا الأوغاد والمتسلقون هم المستفيدون الوحيدون , حتى لاتضيع تضحياتكم وبطولاتكم في مقولة اخرج منها , كقول عمر الكيلاني اخرج من البيت فمكانك ليس هنا .

ويبقى السؤال في داخلي , لماذا هربا من البيت ؟